هل من نطاق محدد لحجم الدراسة المناسب؟
20 November 2024
نشرت بتاريخ 11 أغسطس 2024
دراسة حديثة تخلُص إلى أن ما يمكن وصفه بالعدوى الشعورية بين البشر والكلاب مردُّه إلى التربية الانتقائية التي مارسها البشر على مدى مئات السنين.
للكلاب قدرة على قراءة شعورك بالألم، وهذه القدرة ربما تكون متأصِّلة فيها، أي غير مكتَسَبة. إنها نتاج قرون من التطوُّر المشترك بين الكلاب والبشر، حسبما انتهت إليه دراسة من دراسات ما يُعرف بالعلم المجتمعي، عُقدت فيها مقارنة بين استجابات الكلاب والخنازير المستأنَسة لأصوات أشخاص يبكون، وآخرين يهمهمون. نُشرت نتائج الدراسة في الثاني من يوليو الماضي بدورية «أنيمال بيهافيور» Animal Behaviour1.
يُبدي البشر اهتمامًا بما تشعر به الحيوانات من حولهم، ويبدو أن الحيوانات تبادل البشر اهتمامًا باهتمام. وجد الباحثون، مثلًا، أن الخيل تُنصت لأصوات البشر حين يُدمدمون أكثر من إنصاتها لهم حين يضحكون2، وأن تجاوُب الخنازير المستأنسة مع أصوات البشر أكبر وأوضح من تجاوُب الخنازير البرية مع هذه الأصوات3.
غير أن الدراسات التي تبحث فيما إن كانت هذه الاستجابات لا تعدو كونها ردود فعلٍ على أصوات البشر غير المألوفة، أم أنها تنطوي على حالةٍ من العدوى الشعورية (emotional contagion) — أي قدرة الحيوانات على ترجمة حالات البشر الشعورية، ومن ثم تَمَثُّلها — هذه الدراسات تبقى محدودة. وإذا كان من المعروف أن غالبية الحيوانات لا تستطيع أن تتمثَّل بدقَّة سوى مشاعر غيرها من حيوانات النوع نفسه، فقد أثبتت الدراسات أن الكلاب الأليفة (Canis familiaris) تستطيع أن تتمثَّل مشاعر البشر من حولهم4، 5.
وهنا يبرُز السؤال عما إن كانت هذه العدوى الشعورية راجعة إلى وجود إشارات صوتية للمشاعر عامَّةٍ أو عابرةٍ للأنواع، بحيث تفهمها الحيوانات المستأنسة على اختلافها، أم أن الأمر مقتصر على الحيوانات التي ترافق البشر، مثل الكلاب. وللإجابة عن هذا السؤال، عقد الباحثون مقارنة بين الاستجابات الدالة على التوتُّر التي تبديها الكلاب والخنازير المستأنسة (من النوع Sus scrofa domesticus) لدى الاستماع إلى أصوات بشرية.
أصوات أليفة
الخنازير حيوانات اجتماعية، خالطت البشر أو تربَّت في كنفهم من قديم، شأنها في ذلك شأن الكلاب. لكنها، على خلاف الكلاب، اتُّخذت من حيوانات المزرعة خلال الجزء الأكبر من تاريخها مع البشر. معنى ذلك أنه إن كانت العدوى الشعورية تُكتسب بمجرد العيش برفقة البشر، فالمُفترض أن تتجاوب الخنازير معهم بمثل ما تتجاوب الكلاب.
ومن هنا، دعا الباحثون للمشاركة في الدراسة عددًا من أصحاب الكلاب والخنازير حول العالم، وطلبوا إلى كلٍّ منهم أن يصوِّر نفسه بصحبة حيوانه في غرفة مغلقة، وأن يُسمعه أصواتًا مسجَّلة لأناسٍ يبكون، وآخرين يهمهمون. ثم كان أن سجَّل الباحثون عددًا من السلوكيات التي تنمُّ عن توتُّر — مثل التأوُّه والتثاؤب في حالة الكلاب، وحركة الأذن السريعة في حالة الخنازير — التي أبدَتْها الحيوانات في أثناء التجربة.
وكما كان متوقعًا، أظهرت الكلاب "قدرة عالية حقًا على التقاط ما في أصواتنا من حمولة شعورية"، حسبما ذكرت الباحثة المشاركة في الدراسة بولا بيريز فراجا، المتخصصة في دراسة السلوك الحيواني بجامعة أوتفوش لوراند في العاصمة المَجَرية بودابست. فقد ظهرت على الكلاب أمارات التوتُّر لدى سماع أصوات بكاء، ولم يتأثروا في غالب الأحيان بأصوات الهمهمات. أما في حالة الخنازير، فرغم أنها أبدت درجةً من درجات التأثُّر استجابةً لأصوات البكاء، كان تأثُّرها بالهمهمات — كما بدا من سلوكها — أكبر بكثير.
ترى ناتاليا ألباكركي، عالمة السلوك الإدراكي الحيواني بجامعة ساو باولو البرازيلية، أن الهمهمة يمكن أن تكون "غايةً في الغرابة" بالنسبة إلى الخنازير، "بما لا تستطيع معه معالجتها".
وأضافت ألباكركي أن نتائج الدراسة تظهر كيف أن الحيوانات الملازمة للبشر، قياسًا إلى حيوانات المزرعة، ربما تملك درجة أعلى من العدوى الشعورية مع البشر. لكنها ترى أننا في حاجةٍ إلى مزيد من الأبحاث في هذا الشأن، قائلة: "الخنازير حيوانات على درجة عالية من الحساسية، وقد كنتُ أتوقع أن تظهر على هذه الحيوانات علامات العدوى الشعورية هي الأخرى".
وباولا فراجا لا تختلف مع ما ذهبت إليه ألباكركي. تقول: "لم نقل بأن الخنازير مجرَّدة من [العدوى الشعورية]. والمسألة تتعلَّق أصلًا بمدى حساسية الكلاب، لا بقلة حساسية الخنازير".
* هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور بدورية Nature بتاريخ 18 يوليو 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.250
References:
1. Lehoczki, F., Pérez–Fraga, P.,& Andics, A. Anim. Behav. https://doi.org/10.1016/j.anbehav.2024.05.011 (2024).
2. Smith, A. V. et al. Sci. Rep. 8, 13052 (2018).
3. Maigrot, A.-L., Hillmann, E. & Briefer, E. F. BMC Biol. 20, 106 (2022).
4. Huber, A. et al. Anim. Cogn. 20, 703–715 (2017).
5. Yong, M. H. & Ted Ruffman, T. Behav. Process. 108, 155–165 (2014).
تواصل معنا: