أيهما أكثر ابتكارية: الأفكار وليدة الذكاء الاصطناعي أم وليدة البشر؟
01 December 2024
نشرت بتاريخ 15 سبتمبر 2023
اكتشاف ثوري لـ«تلسكوب جيمس ويب الفلكي» يسفر النقاب عن سحب وتفاعلات كيميائية تكتنف عالمًا خارج نظامنا الشمسي.
أمدنا «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» James Webb Space Telescope بمعلومات تُعد الأكثر تفصيلًا على الإطلاق لكوكب خارجي، ليضيف إلى رصيد معارفنا عن الكوكب وتصبح الأكثر اكتمالًا بين ما نعرفه عن العوالم خارج نطاق الكواكب الثمانية الرئيسية في نظامنا الشمسي. إذ كشفت بيانات أرصاد الكوكب، المعروف باسم WASP-39b، عن بقع من السحب، وتفاعلات كيميائية مثيرة للفضول في غلافه الجوي، كما قدمت خيوطًا تدلنا على ظروف نشأته وتكوينه.
تعقيبًا على هذا الاكتشاف، تقول لورا كريدبيرج، مدير معهد ماكس بلانك لعلم الفلك (MPIA) في مدينة هايدلبرج الألمانية، وإحدى أعضاء فريق الرصد: "لقد درسنا كواكب كثيرة من قبل، غير أن مجموعة البيانات التي استقبلناها هذه المرة كانت غير مسبوقة". وقد نشر الفريق خمس أوراق بحثية1-5 حول النتائج التي توصل إليها على خادم مستودع المسودات البحثية «أركايف»arXiv الشهر الماضي.
ويمكن القول بأن كوكب WASP-39b هو "نظير حار لكوكب المشتري". وهو يقع على بعد 215 فرسخًا فلكيًا (أو 700 سنة ضوئية) من الأرض. وتبلغ كتلة هذا العملاق الغازي حوالي ثلث كتلة كوكب المشتري، الذي يُشبهه بعض الشيء ظاهريًا، إلا أنه أقرب في التركيب الكيميائي إلى كوكب زحل. ويستغرق هذا الكوكب أربعة أيام أرضية ليُتم دورة كاملة حول النجم المضيف له، ويبعُد عن هذا النجم بمسافة أقصر بثماني مرات من تلك الفاصلة بين الشمس وعطارد، وهو ما يجعل حرارته شديدة، تصل تقريبًا إلى 900 درجة مئوية. ووقوع الكوكب في مدار متاخم إلى هذه الدرجة لنجمه المضيف، ومن ثم سطوعه وتوهجه، يقضي على احتمالية احتضانه لأحد أشكال الحياة كما نعرفها. إلا أن هذه الظروف تجعله "هدفًا مثاليًّا" لأرصاد «تلسكوب جيمس ويب الفلكي»، خلال مرحلة تشغيل التلسكوب الأولية، إذ تسمح للتلسكوب باختبار قدراته في مراقبة الكواكب الخارجية، حسبما تفيد كريدبيرج.
رصد التلسكوب، الذي أُطلق في ديسمبر من عام 2021، الكوكب لما يزيد على 40 ساعة خلال شهر يوليو من العام الماضي. وقد أظهرت النتائج الأولية احتواء الغلاف الجوي للكوكب لغاز ثاني أكسيد الكربون، لتُعد هذه المرة الأولى التي يُرصد فيها هذا الغاز على كوكب خارج نظامنا الشمسي.
تركيب كيميائي مُفاجئ
باستخدام ثلاثة من أدواته، تسنى لـ«تلسكوب جيمس ويب الفلكي» رصد دفقات الضوء المُنبعثة من النجم المضيف لكوكب WASP-39b في أثناء تسللها نفاذًا إلى الغلاف الجوي للكوكب، من خلال تقنية تُعرف باسم "التحليل الطيفي العابر". ويعزى لهذه التقنية الفضل في نجاح فريق بحثي قوامه أكثر من 300 عالم فلك في اكتشاف الماء، وأول أكسيد الكربون، والصوديوم، والبوتاسيوم، وغير ذلك في الغلاف الجوي للكوكب، ناهيك عن ثاني أكسيد الكربون. ومع أن الكوكب يتشابه في تكوينه الكيميائي مع كوكب زحل، لا تطوقه حلقات مرئية.
كذلك فوجئ الفريق البحثي باكتشاف غاز ثاني أكسيد الكبريت، الذي بدا من بيانات الرصد الأولية كما لو أنه يشكل كتلة بارزة غامضة. ويُنبئ وجود هذا الغاز بحدوث تفاعل كيميائي ضوئي في الغلاف الجوي للكوكب في أثناء مرور ضوء النجم من خلاله، على غرار التفاعل الذي يولِّد غاز الأوزون في الغلاف الجوي للأرض. وفي حال كوكب WASP-39b، يعمل الضوء المُنبعث من نجمه المضيف - وهو نجم أصغر حجمًا من شمسنا بقليل - على تحليل الماء الموجود في غلافه الجوي إلى هيدروجين وهيدروكسيد يتفاعل مع كبريتيد الهيدروجين لإنتاج ثاني أكسيد الكبريت.
حول ذلك، تقول فيكتوريا ميدوز، عالمة الفلك من جامعة واشنطن في سياتل: "هذا التحليل الطيفي يقدم تفاصيل غاية في الروعة، كما يكشف طريقة إضافية يستطيع من خلالها النجم التأثير على تكوين الغلاف الجوي للكوكب؛ عبر الكيمياء الضوئية".
وعلى صعيد متصل، أضاف جاكوب بين، عالم الفلك من جامعة شيكاجو بولاية إلينوي الأمريكية، والقائد المشارك لفريق الرصد: "بالأخذ في الاعتبار أهمية الكيمياء الضوئية على كوكب الأرض، فقد لا تكون هذه الكيمياء أقل أهميةً في الكواكب الأخرى الصالحة لأن تؤوي أشكال حياة. وحتى الآن، بتعبيره: "لم يتسن لنا التحقق من مدى فهمنا لمجال الكيمياء الضوئية إلا في نظامنا الشمسي، إلا أن الكواكب التي تدور في أفلاك نجوم أخرى تتيح لنا التحقق من صحة هذه المفاهيم في ظروف فيزيائية مختلفة كل الاختلاف".
هجرة كوكبية
أظهرت النتائج أيضًا انخفاضًا شديدًا في نسبة الكربون إلى نسبة الأكسجين على الكوكب، وهو ما يدل على أن كوكب WASP-39b قد امتص كمية كبيرة من الماء في صورة جليد، وعلى الأرجح أن ذلك حدث في ظروف مختلفة، كان الكوكب قد ولد فيها بمدار بعيد عن نجمه، ربما على مسافة مشابهة لـ"موقع كوكب المشتري من الشمس"، وفق تصريحات إيفا ماريا أهرير، عالمة الفلك من جامعة وارويك بالمملكة المتحدة، والمؤلفة الرئيسة لإحدى الأوراق البحثية للدراسة3.
ومع أن هجرة نظائر المشترى الحارة نحو المدارات الداخلية مُتوقعة، وتُفسر قرب هذه الكواكب من النجم المضيف لها، بيد أن الوقت الذي استغرقته هذه العملية يبقى مجهولًا. فتُرى هل كانت وتيرتها بطيئة إلى حد ربما استغرق عشرات الملايين من السنين، أم أنها كانت ناتجة عن "دفع" قوى جاذبية كوكب أو نجم آخر. ولا جرم أن معرفة ظروف نشأة WASP-39b وتكوينه ستقدم لعلماء الفلك مفاتيح تساعدهم في الوقوف على السيناريو الذي حدث.
من النتائج الأخرى التي تجدر الإشارة إليها، أن الكوكب محتجز في مدار نجمه؛ أي أن أحد جوانبه يبقى مواجهًا للنجم بشكل دائم، بسبب قوى الجاذبية الهائلة بين الجرمين. ويتضح، علاوة على ذلك، أن الكوكب يتشح بغطاء سحابي غير مكتمل، وهو اكتشاف ثوري لم يرصده علماء الفلك على أي كوكب خارج نظامنا الشمسي من قبل. فعند الحدود الفاصلة بين الليل والنهار على الكوكب، بتعبير بين: "تغطي الغيوم ما نسبته 60% فحسب" من الكوكب". وقد يُعزَى هذا إلى تبخُّر السحب عندما تصل إلى الجانب الأكثر حرارة (جانب النهار) وتكثفها عند وصولها إلى الجانب الأكثر برودة.
ويجري «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» خلال عامه الأول مهام رصد لما يقرب من 70 كوكبًا خارج نظامنا الشمسي، انطلقت في يوليو من عام 2022. ويُعد كوكب WASP-39b نموذجًا معياريًا لتلك الدراسات كما يقول بين. وعن نتائج مهمة رصد كوكب WASP-39b، يقول هيو أوزبورن، المتخصص في دراسة الكواكب خارج النظام الشمسي: "إنها تبرهن على أنه عند سبر أغلفة الكواكب خارج نظامنا الشمسي، فإن «تلسكوب جيمس ويب الفلكي» يرقى بمعنى الكلمة لمستوى التوقعات المنعقدة عليه" والكواكب التي يأمل الفريق في دراستها خلال الأشهر المقبلة تضم كواكب نظام «ترابيست-1» TRAPPIST-1، حيث يدور سبعة كواكب بحجم الأرض حول نجم قزم أحمر. ويمكن الكشف عن مدى صلاحية بعض هذه الكواكب للحياة عليها من خلال تقنية التحليل الطيفي العابر.
كذلك تجدر الإشارة إلى أنه في ديسمبر الماضي، أُعلنت خطط تقرر بموجبها أن يرصد التلسكوب كوكبًا آخر يُسمى WASP-43b في أثناء دورانه دورة كاملة حول نجمه، وهي دورة تستغرق يومًا أرضيًا واحدًا. ومن شأن هذا أن يكشف عن تفاصيل غير مسبوقة لمناخ الكوكب وتركيبه الكيميائي. وتعقيبًا على هذا الإعلان، تضيف كريدبيرج: "نعتقد أن هذا الكوكب يتخذ ستارًا من الغيوم الكثيفة ينسدل على جانبه المظلم، ولكن يحدونا أمل في استكشاف مكونات هذا الستار، فمن شأن هذا أن يكون اكتشافًا مذهلًا".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.258
1. Rustamkulov, Z. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2211.10487 (2022).
2. Alderson, L. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2211.10488 (2022).
3. Ahrer, E.-M. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2211.10489 (2022).
4. Ahrer, E.-M. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2211.10489 (2022).
5. Feinstein, A. D. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2211.10493 (2022).
تواصل معنا: