أخبار

منظمة الصحة العالمية تعلن فاشيات جدري القرود طارئة صحية عامة

نشرت بتاريخ 19 أغسطس 2024

في ضوء اندلاع أولى حالات الإصابة بهذا المرض الناجم عن فيروس جدري القرود في عدة دول، أعلنت هيئة المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بدورها حالة طوارئ.

ماكس كوزلوف

Credit: CHARLES BOUESSEL/AFP via Getty Images

تحديث:  بعد 15 شهرًا فقط من انتهاء حالة الطوارئ السابقة التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية استجابةً لمرض جدري القرود، جددت المنظمة في الرابع عشر من أغسطس الجاري إعلانها بأن المرض يشكل "حالة طوارئ صحة عامة تثير قلقًا دوليًا".  ويوجه الإعلان دعوة إلى دول العالم بالتكاتف معًا لتوفير الموارد اللازمة لتحسين جهود رصد انتشار المرض، وعلاج حالات العدوى به، ووضع نهاية لفاشياته.

منذ أشهر قليلة، أخذت سلالة باعثة على القلق من فيروس جدري القرود  في الانتشار سريعًا عبر أنحاء وسط إفريقيا، ما دعا هيئة المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Africa CDC) إلى أن تعلن في الثالث عشر من أغسطس الجاري، وللمرة الأولى في تاريخها، حالة طوارئ صحة عامة استجابة للمرض. وعلى الخلفية نفسها، عقدت منظمة الصحة العالمية (WHO) اجتماعًا في الرابع عشر من أغسطس الجاري لبحث إعلان حالة طوارئ صحة عامة.

وتعكس هذه الخطوة "تخوُف العلماء البالغ من تطوُر موجات انتشار هذا المرض الناجم عن فيروس جدري القرود  وتفاقمها إلى وباء مستوطن ينتشر عبر القارة السمراء، وربما إلى خارجها. وينوهون إلى أن الفيروس المسبب للمرض، قد أخذ ظهوره يتجدد بصورة مقلقة، لا في المناطق الريفية وحسب، بل أيضًا في مناطق أخرى عالية الكثافة السكانية.

ويذكر أنه خلال الشهر الماضي، ارتفعت مستويات انتشار العدوى بالمرض في وسط إفريقيا، ليضرب عدة مناطق، منها مدينة بوكافو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تضم أكثر من مليون نسمة، ولتعلن أربعة دول في القارة السمراء ظهور حالات عدوى بالمرض بها للمرة الأولى. ويرجح أن حالات العدوى تلك ترتبط بموجة انتشار للمرض دبت في أواخر عام 2023 في مقاطعة كيفو الجنوبية بالكونغو الديمقراطية حيث أعاث الدمار والخراب صراع دائر هناك.

وتشير أدلة من فاشيات المرض السابقة إلى أن السلالة الفيروسية الجديدة الآخذة في الانتشار في وسط إفريقيا أشد فتكًا من تلك التي أشعلت فاشية جدري القرود العالمية التي شهدها عام 2022 وأصابت أكثر من 95 ألف شخص وأودت بحياة أكثر من 180 منهم.

في ذلك الصدد، تقول آن ريموين، اختصاصية علم الوبائيات من جامعة كاليفورنيا بولاية لوس أنجلوس الأمريكية، والتي شاركت في جهود التصدي لفاشيات جدري القرود في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ عام 2002 : "آمل أن نكون قد نبذنا منذ وقت طويل الفكر القائل بأن ما يحدث في منطقة نائية عنا لا يمكن أن يمسنا. فالعدوى أينما دبت، يمكن أن تدب في أي مكان، وقد اختبرنا وطأة حدوث ذلك مرات عديدة".

فئة عمرية مهددة

أفاد عدد من الدول الإفريقية بالفعل بأن الحالات المؤكدة إصابتها بجدري القرود والمشتبه في إصابتها بهذا المرض يربو إجماليها في عام 2024 عنه في عام 2023، إذ بلغ تعدادها 17500 هذا العام، مقارنة بـ15 ألف في العام السابق. والأطفال هم الأكثر عرضة لخطر المرض، إذ نشب حوالي ثلثي حالات العدوى في الكونجو الديمقراطية بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا.

ويُعزى بعض من حالات العدوى إلى سلالة تُسمى بالفرع الحيوي 2، هي التي تقف وراء فاشيات عام 2022. غير أنه منذ أشهر قليلة، ظل عدد متزايد من حالات العدوى المعلنة يُعزى إلى سلالة أخرى، يشير إليها العلماء باسم الفرع الحيوي 1. وقد تسببت هذه السلالة لعقود في فاشيات صغيرة في وسط إفريقيا، انحصر انتشارها في الأغلب بين عدد قليل من الأسر والمجتمعات.

لكن في إبريل الماضي، بناءً على تحليل عينات جُمعت من مقاطعة كيفو الجنوبية في أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، أسفر عدد من الباحثين النقاب عن1 سلالة متحورة من الفرع الحيوي 1، باسم الفرع الحيوي 1b، يُعتقد أنها تتمتع بقدرة عالية على الانتشار بطرق شتى، من بينها الاتصال الجنسي، لينتشر بعدها الفيروس إلى دول مجاورة وإلى مناطق عالية الكثافة السكانية، محمولًا، على ما يبدو، عبر مجموعات سكانية كثيفة التنقلات مثل المشتغلين بالجنس. كذلك تواجه مقاطعة كيفو الجنوبية أزمة إنسانية تجعل تتبُع فاشيات المرض وعلاجه أصعب، إذ تكافح جمهورية الكونغو الديمقراطية أيضًا انتشارًا ضاريًا لأمراض أخرى، مثل الكوليرا.

وفي تطور جديد لفاشيات المرض، أعلنت دول بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا خلال الشهر الماضي ظهور أولى حالات الإصابة بجدري القرود بها، وسجلت جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال أسبوع واحد في أوائل أغسطس حوالي 2400 حالة مشتبه في إصابتها بالمرض و56 حالة وفاة من جرائه.  ودعت هذه التطورات كاسيا المدير العام لهيئة المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في أديسا بابا إلى اغتنام السلطات الممنوحة من قبل الاتحاد الإفريقي للهيئة في عام 2023 لإعلان حالة طوارئ صحة عامة.

كذلك بعثت موجة انتشار المرض الأخيرة منظمة الصحة العالمية على المناشدة بعقد اجتماع للتباحث حول ما إذا كانت الفاشية تسترعي إعلان حالة طوارئ عالمية، وهو ما من شأنه أن يبعث برسالة إنذار لشتى دول العالم تفيد بضرورة تنسيق الجهود والتأهب للسيطرة على انتشار المرض.

سلالة فيروسية غامضة

يسبب مرض جدري القرود ظهور بثور جلدية مليئة بالسائل، قد تكون مؤلمة، ويؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة. ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت أعراض الإصابة بالفرع الحيوي 1b تختلف عن تلك المميزة للإصابة بالفيروس المسبب لفاشيات عام 2022 من الفرع الحيوي 2. كذلك يلف الغموض الآلية المحددة التي ينتشر بها الفيروس ومدى قدرته على الانتشار. حول ذلك، تقول ريموين: "هذا هو السؤال الأهم والأصعب في إجابته".

ورغم أن الوفيات الناجمة عن الفرع الحيوي 1 ، معروفة بأنها أعلى من تلك التي يحصدها الفرع الحيوي 2، يصعُب الوقوف على السبب، بحسب ما يضيف إسبوار بوينجي ماليمباكا، وهو عالم وبائيات من الجامعة الكاثوليكية في بوكافو. بيد أنه بغض النظر عن قدرة الفيروس الكامنة على الإمراض، قد تقف عوامل عديدة وراء قدرة الفرع الحيوي 1 على التسبب في معدل وفيات أعلى. على سبيل المثال، لطالما أُفيد باكتشاف هذا الفرع في المناطق الريفية التي تفتقر إلى مرافق الرعاية الصحية، ما قد يجعله أشد فتكًا هناك، بحسب بوينجي ماليمباكا.

من هنا، كما يضيف بوينجي ماليمباكا، من المتوقع أن يلعب إسراع وتيرة جهود رصد انتشار المرض في الدول التي يضربها دورًا محوريًا في السيطرة على الجائحة. بيد أن علاجات المرض واللقاحات المضادة له، التي طرحتها العديد من الدول مرتفعة الدخل عام 2022، تبقى تقريبًا غير متوفرة للدول الإفريقية.

لقاحات ضرورية

غير أن هذا الوضع قد يختلف عن قريب؛ ففي الوقت الحالي تخوض هيئة المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها مفاوضات مع شركة التقنيات الحيوية البافارية الاسكندنافية «هيليراب» Hellerup الكائنة في الدنمارك، للحصول على 200 ألف جرعة من  لقاح الشركة المضاد للمرض والمؤلف من جرعتين، وذلك على حد ما أعلن عنه جين كاسيا في بيان صحفي موجز في الثامن من أغسطس الجاري. لكنّ شوطًا طويلًا لا يزال يفصل القارة السمراء عن الحصول على العشر ملايين جرعة التي تقدر هيئة المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها أن القارة تحتاجها لوقف انتشار الفاشية الحالية.

وبحسب ما تفيد ريموين، حال الوصول إلى اتفاق في هذه المفاوضات، يُتوقع أن يظل هناك الكثير مما يجب القيام به؛ إذ يُتوقع أن يصعب إمداد المناطق ضعيفة البنية التحتية على صعيد الصحة العامة بهذه الجرعات، ناهيك عن توفيرها للمجتمعات التي تعاني الوصم، المعرضة بدرجة كبيرة لخطر العدوى بالمرض مثل المشتغلين بالجنس والمثليين من الرجال. كما أن فاعلية اللقاحات في مقاومة سلالة الفرع الحيوي 1b تبقى محل شك، لكن بحسب ما تشير ريموين، بالنظر إلى الموقف المأزوم الذي يواجهه وسط إفريقيا، ينبغي ألا يؤخر هذا خطط الحصول على جرعات اللقاحات.

وتضيف ريموين أنها تأمل ألا تعمد الدول مرتفعة الدخل إلى اكتناز اللقاحات عقب أي إعلان لحالة طوارئ استجابة للمرض، كما فعلت إبان جائحة «كوفيد-19» وخلال فاشية جدري القرود لعام 2022.  وتوضح ذلك قائلة: "من الأهمية الشديدة بمكان أن نتذكر أن أفضل فرصنا للسيطرة على الجوائح تتأتى بإمداد الدول الأكثر عرضة لخطر ظهور الممرضات وانتشارها بالأدوات اللازمة لوأد الفاشيات في منبعها".

نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ 13 أغسطس 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.261


References:

  1. Vakaniaki, E. H. et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/10.1101/2024.04.12.24305195   (2024).