هل من نطاق محدد لحجم الدراسة المناسب؟
20 November 2024
نشرت بتاريخ 20 أغسطس 2024
بحثٌ جديد يتعرف على بعض الجينات التي من شأنها أن تساعد في تفسير سر ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الرئة مع التقدم في العمر، لتعاود تلك المعدلات التراجع بعد سن الخامسة والسبعين.
أنْ يبلغ الإنسان نيفًا وثمانين عامًا قد يأتي ومعه فوائد لا تخطر على بال: تراجع خطر الإصابة بسرطان الرئة، وفقًا لدراستين أُجريتَا على الفئران2،1.
النتائج، التي نُشرت في مسوّدتين بحثيتين على خادم «بيوآركايف» bioRxiv، تسلط الضوء على جينات بعينها من شأنها أن تسهم في تقلص الخطر، وتكشف عن علاقة غير متوقعة بين هذه الجينات وأيض الحديد. ولم تخضع الدراستان للتحكيم بعد.
وهي نتائج قد تبدو منافيةً للمنطق: فالسرطان مرض مرتبط بالتقدم في العمر، واحتمالات تشخيص الكثير من السرطانات تبلغ ذروتها في الستينيات أو السبعينيات من عمر الإنسان. إلا أنه بعد الستينيات والسبعينيات من العمر، وعلى نحو يتعذر تفسيره، تتراجع معدلات الإصابة بالكثير من تلك السرطانات.
"ليست هذه هي المرة الأولى التي نرصد فيها هذه الملاحظة، فلطالما رصدناها طيلة عقود"، بحسب آنا جوميز، التي تدرس الشيخوخة والسرطان في مركز ومعهد بحوث إتش لي موفيت للسرطان في تامبا بولاية فلوريدا، والتي لم تشارك في الدراستين. وتتابع قائلة: "على أننا كنا عاجزين فعليًّا عن إيجاد تفسير لحدوث ذلك".
تراكمات العمر
يحدث السرطان نتيجةً لتراكم طفرات الحمض النووي بمرور الوقت. وهكذا، يعني المزيدُ من سنوات العمر المزيدَ من فرص تراكم تجميعة الطفرات اللازمة لتوليد الخلايا السرطانية المارقة التي تنمو بجموح. أما الاستجابات المناعية التي ربما كانت قادرة في وقت من الأوقات على كبح جماح الورم، فقد تصير هي نفسها أيضًا أقل نشاطًا مع التقدم في العمر.
ولكن التغييرات التي تطرأ على الأنسجة مع الشيخوخة من شأنها أيضًا أن تثبط نمو الورم بتغيير البيئة التي تعيش فيها الخلايا السرطانية. فالرئة الشائخة، على سبيل المثال، تكون أنسجتها أكثر تندبًا من أنسجة الرئة الأصغر. ناهيك بأن خلايا الرئة تصير أيضًا أقل قدرة على التجدد، وأقل قدرة على الصمود أمام الإجهاد الناجم عن النمو الجامح. تقول جوميز: "على المستويين البنيوي والوظيفي، تختلف البيئة الداخلية للإنسان وهو في سن كبيرة كل الاختلاف عن تلك التي يملكها وهو صغير".
ولمعرفة المزيد حول تأثير الشيخوخة في نمو الأورام، عمدتْ إيملي شولدنر، اختصاصية بيولوجيا السرطان بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، هي وزملاؤها إلى دراسة فئران لديها طفرة مسببة للسرطان يمكن التحكم فيها بمفتاح جيني1. فعّل الباحثون هذه الجينات المتطفرة في رئات الفئران الصغيرة والمُسنة على حد سواء، فما كان من الأورام إلا أنها كانت أكبر حجمًا وأكثر عددًا في الفئران الأصغر منها في الفئران الأكبر.
استخدم الباحثون أيضًا تقنية التحرير الجيني «كريسبر كاس-9» مع أورام الفئران لتقييم آثار تعطيل ما ينيف على 24 جينًا تتولى عادةً كبح نمو الأورام. وفي المتوسط، أدى تثبيط غالبية هذه الجينات إلى زيادة وتيرة نمو الأورام في الفئران من جميع الأعمار، إلا أن عدد الأورام وحجمها كان أكبر في الفئران الأصغر سنًا، مقارنةً بالفئران الأكبر. في ظل هذا، ربما تكون هناك آلية مختلفة وراء كبح السرطان في الفئران الأكبر سنًا.
قبضة على الأورام من حديد
ثم جاء فريق آخر بقيادة سويكيان شوانج، المتخصصة في بيولوجيا السرطان بمركز ميموريال سلون كيترينج للسرطان في مدينة نيو يورك، ووجد أن الشيخوخة تزيد إنتاج بروتين يُعرف بـNUPR1 - ويؤثر في أيض الحديد - في الخلايا الرئوية للفأر والإنسان2. ومع زيادة هذا البروتين، سلكت الخلايا كما لو كانت تعاني نقص الحديد، ما أسفر عن كبح قدرتها على النمو السريع، تلك السمة المميزة للسرطان.
وللتحقق من هذه النتيجة، استعان الفريق بتقنية التحرير الجيني «كريسبر-كاس9» لتعطيل الجين Nupr1 في الفئران الأكبر سنًا. فما كان من نِسب الحديد إلا أن ارتفعتْ في الرئة، لتصير الفئران أكثر ميلًا للإصابة بالأورام، شأنها في ذلك شأن أقرانها الأصغر سنًا.
توصل الباحثون أيضًا إلى أن الأشخاص فوق سن الـ80 يمتلكون نِسبًا أكبر من بروتين NUPR1 في أنسجة الرئة، مقارنة بالأشخاص دون سن الـ55، ما يشير بالأدلة إلى أن هذه الآلية قد توجد في البشر كما في الفئران.
إجهاد السرطان
تبرهن النتائج جيدًا على أن الشيخوخة يمكنها أن تؤثر في قدرة خلايا سرطان الرئة على الصمود، بطرق تحُول دون تكوّن الأورام، كما تشير جوميز. على أنه قد توجد فروق مهمة وجوهرية في آلية تكوّن الأورام في البشر وفي هذه الفئران، حسبما أضافت. ففي البشر، يمكن أن تُزرع بذور السرطان قبل أن يصير الورم قابلًا للاكتشاف بعقود، وعادة ما تتراكم الطفرات المسببة للسرطان تدريجيًّا. أما في فئران التجربة، فالأورام حفزها التنشيط المفاجئ للجين المسبب للسرطان والفئران كبيرة في السن بالفعل.
والنتائج التي توصل إليها الباحثون من دراسة سرطان الرئة قد لا تنطبق على السرطانات الموجودة في أنسجة أخرى، كما تشير سيسيليا راديويز، اختصاصية علم الأورام وأوبئة السرطان بمعهد كارولنسكا بستوكهولم، التي أردفتْ قائلةً: "يختلف الأمر باختلاف مواضع السرطان حيث تختلف المحددات البيولوجية".
وكانت راديويز قد توصلتْ إلى أن التراجع الملحوظ في الإصابة بالكثير من السرطانات في الشيخوخة ربما لا يعبّر عن الحقيقة. فعندما فحصتْ مدى تواتر الأورام إبان تشريح الجثث، لم يكن هذا التراجع موجودًا3 غالبًا. تقول راديويز: إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن معدلات الإصابة بمختلف السرطانات غالبًا لا تتغير حتى في السن الكبيرة، وإنما ما يتراجع هو معدل تشخيص السرطانات أو الإبلاغ عنها في الأشخاص فوق سن الخامسة والسبعين.
وتضيف قائلة: وأما سرطان الرئة فهو مستثنى من هذه النتائج؛ فحقًا شهد معدل الإصابة به تراجعًا في الأشخاص الطاعنين في العمر، حتى في ظل تمثيل بيانات التشريح.
وإجمالًا، تسلط النتائج الضوء على أهمية دراسة السرطان في الفئران الطاعنة في العمر، بحسب شوانج، التي تتابع قائلة: إن هذه النوعية من الدراسات تشوبها صعوبات، فتربية فئران حتى تصير طاعنةً في العمر أمر مكلف ومستنزِف للوقت. على أن هذه النتائج من شأنها أن تبشّر بسبل جديدة لعلاج السرطان لدى كبار وصغار السن على حد سواء، كما أنها تسلط الضوء على أهداف مهمة في مجال الطب التجديدي.
ومن جهته يقول دمتري بيتروف، اختصاصي البيولوجيا التطورية بجامعة ستانفورد، والمؤلف المشارك في المسوّدة البحثية بمعية شولدنر: "كثيرًا ما يظن الناس أن الشيخوخة سيئة وحسب، ولكن إن صح هذا [العمل البحثي]، فالشيخوخة إذن لها دور نافع".
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.262
References:
1. Shuldiner, E. G. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.05.28.596319 (2024).
2. Zhuang, X. et al. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.06.23.600305 (2024).
3. Radkiewicz, C., Krönmark, J. J., Adami, H-O. & Edgren, G. Cancer Epidemiol. Biomarkers Prev. 31, 280–286 (2022).
تواصل معنا: