أخبار

تعاقب فترات الجفاف الطويلة والمطر العنيف فاقم تأثيرات عاصفة درنة

نشرت بتاريخ 22 أغسطس 2024

استخدم فريق البحث «الصور الرادارية» لدراسة ظروف التعرية التي أحدثتها الفيضانات في السنتيمترات الأولى من سطح التربة

محمد السعيد

زيادة
الضغط والتفريغ المائيين المتعاقبين على السدود تُضعف قدرتها على التصدي للفيضانات

زيادة الضغط والتفريغ المائيين المتعاقبين على السدود تُضعف قدرتها على التصدي للفيضانات


Creative Commons

Enlarge image

في 12 سبتمبر من عام 2023، ضربت العاصفة دانيال الساحل الشرقي لليبيا، مما تسبب في فيضانات مفاجئة غير مسبوقة مع حصيلة وفيات مأسوية وأضرار واسعة النطاق في البنية التحتية.

وفي دراسة حديثة نشرتها دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications)، استخدم الباحثان "عصام حجي" و"جوناثان نورماند" الصور الرادارية لتوصيف عمليات النحت الناجمة عن تلك الفيضانات المفاجئة ورسم خرائط للأضرار  التي نجمت عنها. 

وتشير نتائج الدراسة إلى أن تعاقب فترات الجفاف الطويلة والمطر الشديد كان السبب الرئيسي في تفاقُم تأثيرات الفيضانات الفجائية التي ضربت مدينة درنة الليبية؛ إذ تسببت فترات الجفاف الطويلة في زيادة صلابة التربة وضعف قدرتها على امتصاص المياه، ومن ثم زيادة قوة تدفق تيار المياه وقدرته التدميرية.  

يقول "حجي"، الباحث في علوم الأرض في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، والمشرف على الدراسة: "رغم وقوعها في قلب الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا، شهدت مدينة درنة الليبية أكثر الفيضانات فتكًا في آخر 100 عام، وهو ما يتزامن مع مرور 100 عام على كارثة "الطبعة" -أي "الطين" في اللهجة الخليجية- التي أحدثت فيضانات مدمرة في منطقة الخليج العربي ومجاعة راح ضحيتها الآلاف، وبالرغم من مرور 100 عام على كارثة الطبعة، إلا أن حالة عدم الاستعداد الجيد للكوارث الطبيعية في المنطقة العربية استمرت بسبب عدم توقع حدوثها".

يضيف "حجي" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": ركزت الدراسات السابقة على وصف حالة العاصفة وعلى منطقة درنة كمدينة، لكن الدراسة الجديدة ركزت على حوض تصريف وادي درنة بالكامل، الذي يبلغ طوله 140 كيلومترًا. 

وتشير الدراسة إلى أن السبب الذي جعل العاصفة أكثر حدةً هو تعرض حوض التصريف الذي تقع فيه مدينة درنة لفترة جفاف طويلة، ومن ثم حدثت حالة من التصلب لطبقة التربة، ما جعلها أقل قدرةً على امتصاص المياه والتخفيف من قوة جريانها وسرعته، إضافةً إلى تمكُّن المياه من نحت القشرة الخارجية للتربة وجرفها، ما جعل تيار المياه يحمل معه بعضًا من هذه التربة المنحوتة.

يقول "حجي": الأرض الجافة بنسبة 100% لا يمكنها امتصاص المياه، وحين ينخفض المحتوى الرطوبي للتربة إلى أقل من 3% تتحول التربة إلى ما يشبه الفخار في صلابته، وتُضعف زيادة الضغط والتفريغ المائيين المتعاقبين على السدود قدرتها على التصدي للفيضانات مع مرور الوقت، لذلك تحتاج إلى صيانة دورية.

وفي حين استخدمت معظم الدراسات الصور المرئية الصادرة عن الأقمار الاصطناعية، استخدم مؤلفا الدراسة الجديدة الصور الملتقطة بواسطة الرادار "سار" (SAR) لدراسة ظروف التعرية التي أحدثها السيل في السنتيمترات الأولى من سطح التربة.

وتتميز الصور الرادارية بـ"قدراتها على اختراق السحب ودراسة الخواص الفيزيائية للتربة، بعكس الصور المرئية العادية الملتقطة بالأقمار الاصطناعية".

تتفق "مباركة الغرياني" -‏‎رئيس مشروع إدارة الكوارث والأزمات في ‏‎الهيئة الليبية للبحث العلمي‎‏، والباحثة المتخصصة في الهيدرولوجيا- مع نتائج الدراسة؛ "لكونها تؤكد أهمية إدارة المناطق الساحلية على نحوٍ فعال لتقليل مخاطر الفيضانات المفاجئة من خلال دراسة التغيرات في استخدام الأراضي، والنمو الحضري خارج المخططات الآمنة، كما تدعو إلى مزيد من الدراسات لتقييم تأثير الفيضانات على المناطق الحضرية الساحلية في المناطق الجافة".

 

 عصام حجي الباحث في علوم الأرض في جامعة كاليفورنيا الجنوبية

 عصام حجي الباحث في علوم الأرض في جامعة كاليفورنيا الجنوبية


Enlarge image

وتؤكد "الغرياني" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست" أن مواجهة الظواهر الطبيعية المشابهة لعاصفة درنة يجب أن تشمل بعض الإجراءات، مثل تعزيز البنية التحتية من خلال تحسين نظام التصريف وتطوير خطط عمرانية آمنة، والتأهب للطوارئ من خلال أنظمة إنذار مبكر وخطط طوارئ واضحة، وتوعية فرق الاستجابة بالظواهر المماثلة وتدريبها عليها، فضلًا عن الاهتمام بالبيئة من خلال الحلول القائمة على الطبيعة لتقليل تأثيرات الكوارث المستقبلية. 

من جهته، يحذر "حجي" من أن حادثة درنة يمكن أن تتكرر في مدن عربية أخرى مثل الإسكندرية والعلمين الجديدة في مصر، ويلفت إلى أن تقنيات مثل الاستمطار الصناعي يمكن استخدامها ليس فقط في ري الأراضي، ولكن للحماية من السيول أيضًا حين ينخفض المحتوى الرطوبي في التربة بشدة في فترات الجفاف، وفي حال عدم القدرة على توفير هذه التقنية لارتفاع تكلفتها، يجب الاهتمام بتنظيف مخرات السيول التي تطل على مدن ساحلية وتهيئتها.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.264