هل من نطاق محدد لحجم الدراسة المناسب؟
20 November 2024
نشرت بتاريخ 22 أغسطس 2024
يملك البشر البروتين نفسه، المعروف باسم IL-11، ما يفتح بابًا للأمل في تطوير علاج يطيل الأعمار.
استنادًا إلى نتائج دراسة، لعل المفتاح لحياة أطول وصحة أفضل يكمن في بروتين معزز للالتهاب. إذ أدى تعطيل هذا البروتين، المعروف باسم IL-11، في فئران متوسطة العمر إلى تعزيز عملية الأيض لديها، وتمتعها بقوة أفضل وبمدى عمري أطول بنسبة 25%.
ورغم أن الفريق الذي أنتج الدراسة أجرى اختبارات للتعرف على الآثار الصحية لهذا الإجراء في الفئران، تجدر الإشارة إلى أن البروتين IL-11 والجزيئات المقترنة به - ومنها جزيئات كيميائية تختص بنقل الرسائل إلى الجهاز المناعي، تعرف بالإنترلوكينات - يوجدان أيضًا لدى البشر. وقد بدأ بالفعل استخدام عقاقير واعدة تُعطل البروتين IL-11 في تجارب على البشر لعلاج السرطان وتليُف الأنسجة، والأخير هو حالة مرضية ترتبط بتقدم العمر، تحل فيها أنسجة متندبة محل الأنسجة السليمة.
وتشير الدراسة المذكورة آنفًا، والتي أُعلن عن نتائجها في السابع عشر من يوليو الماضي في دورية Nature1 إلى أن هذه العلاجات الواعدة قد تؤثر كذلك في المدى العمري بإطالته، غير أن الجزم بذلك يستلزم إجراء دراسات إكلينيكية منفصلة.
على أن سهولة تجربة البروتين IL-11 على البشر، تميزه عن غيره من سائر البروتينات والعلاجات التدخلية لتجديد الشباب، والتي يتعثر أداء الكثير منها في المراحل المؤدية إلى التجارب الإكلينيكية، وإن أبدت نتائج مبشرة في النماذج الحيوانية. حول ذلك، تقول كاثي سلاك، المتخصصة في دراسة الخصائص البيولوجية لعملية تقدم العمر، من جامعة وارويك في المملكة المتحدة: "ثمة فرصة حقيقية هنا للخروج من ذلك بعلاجات إكلينيكية. وهي النقطة التي توقف عندها تقدم المجال في الوقت الحالي".
اكتشاف بمحض الصدفة
لطالما وعى الباحثون إلى أن الالتهاب المزمن يسهم في الأمراض المرتبطة بتقدم العمر. فعلى حد قول ستيوارت كوك، وهو باحث طبي متخصص في دراسة البروتين IL-11 من جامعة ديوك الوطنية في كلية سنغافورة للطب، مع تقدم العمر ومراكمة الجسم لبروتينات وجزيئات تالفة أخرى، ينظر الجهاز المناعي في الأغلب إلى هذه التطورات على أنها علامات تنذر بالتهاب. وهذا قد يحفز بالتبعية نشوء استجابات التهابية قد تسبب المزيد من التلف وتسهم في أمراض مثل السرطان واضطرابات المناعة الذاتية.
وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن دور البروتين IL-11 في تعزيز الالتهاب لطالما كان واضحًا2. غير أن العلاقة بينه وتقدم العمر اكتُشفت بسبيل الصدفة، عندما كانت زميلة كوك، أنيسا وِيدجاجا، وهي بدروها من جامعة ديوك الوطنية في كلية سنغافورة للطب تجري اختبارات للتحقق من فاعلية طريقة لرصد البروتين. إذ صودف أنها أدرجت في تجاربها عينة بروتينات جُمعت من فأر شائخ، وأظهر اختبار فحص تلك العينة أن مستويات بروتين IL-11 بها أعلى كثيرًا منها في العينات التي جُمعت من فئران أصغر عمرًا.
وحدت تلك النتائج بالفريق البحثي إلى التحوُل إلى مبحث آخر بخلاف سابقه الذي لم يركز من قبل على المدى العمري للفئران. فعمد الفريق البحثي إلى فحص العديد من العينات، من فئران شابة وأخرى شائخة، ليكتشف أن البروتين وُجد على الدوام بصورة مرتفعة في أنسجة الفئران الأكبر عمرًا، مثل الأنسجة العضلية الهيكلية، والأنسجة الدهنية والكبدية1. وعندما حذف الفريق البحثي الجين الذي يُرمِّز التعبير عن البروتين IL-11 في بعض الفئران، تحسَّن المدى العمري المتوقع لها، وتمتعت بصحة جيدة لوقت أطول، وبأعمار أطول بنسبة 25% مقارنة بالفئران التي احتفظت بمستويات طبيعية من البروتين.
الخطوات القادمة
خلص الفريق البحثي إلى نتائج مماثلة عندما استخدم لمدة 25 أسبوعًا جسمًا مضادًا لتعطيل البروتين في الفئران اللاتي بلغت 75 أسبوعًا من العمر، وهو ما يعادل تقريبًا 55 عامًا بأعمار البشر. ويجري حاليًا اختبار فاعلية أجسام مضادة مماثلة في تجارب على البشر لمحاربة السرطان والتليُف.
وعِظَم حجم الاستجابة لهذه الآلية العلاجية مماثل لذلك الذي لوحظ في بعض الدراسات التي عولجت بها فئران بعقار «رابامايسين» Rapamycin، وهو من العقاقير البارزة في مجال مقاومة تقدم العمر، ويخضع حاليًا لاختبارات للتحقق من جدواه. غير أن استخدام عقار «رابامايسين» ارتبط، بآثار جانبية غير مرغوبة، بحسب ما يفيد كوك، الذي شارك في تأسيس شركة كائنة في سنغافورة باسم «إنليوفِن» Enleofen، تعمل في مجال تطوير العقاقير المضادة للتليف. وعن هذا العقار، يضيف كوك: "«رابامايسين» مفيد على صعيد المدى العمري، وليس على صعيد المدى الصحي".
وبحسب دان واينر المتخصص في دراسة دور الجهاز المناعي في عملية تقدم العمر بمعهد باك لدراسات تقدم العمر في مدينة نوفاتو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، فإن نتائج الدراسة واعدة وتستدعي إجراء المزيد من الدراسات. وإحدى أهم الخطوات التالية يُتوقع أن تتمثل في اختبار فاعلية العقاقير الواعدة المُعطِّلة للبروتين IL-11 بين فئران تتنوع خلفياتها الجينية في عدة مختبرات للتأكد من رسوخ صحة النتائج.
وعلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الوقوف على تأثيرات العقاقير الواعدة المضادة للبروتين IL-11 في المدى العمري للبشر قد يواجه تحديات. فمن جانب، يُتوقع أن تكون التجارب الإكلينيكية التي تتناول هذه التأثيرات مكلفة، ومن جانب آخر قد يستعصي تفسير نتائجها، إذ ثمة العديد من العوامل الملتبسة بعضها ببعض، والتي قد تؤثر في طول العمر.
وكبديل، يرى كوك أن الحل الأسلم أمام الباحثين قد يتمثل في التركيز على فاعلية تعطيل البروتين في حالات مرضية معينة مقترنة بتقدم العمر، مثل نقص الكتلة العضلية، فهذا من شأنه أن يسفر عن نتائج أسرع وأكثر دقة.
وهنا يضيف: "تقدم العمر هو حقل يصعب سبره بالدراسة، لكن يبقى أمامنا تناوُل الكثير من الزوايا العلاجية، والكثير من الجوانب البيولوجية التي علينا أن نفهمها".
Nature 631, 716-717 (2024)
نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ 17 يوليو عام 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.267
References:
1. Widjaja, A. A. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-07701-9 (2024).
2. Cook, S.A. & Schafer, S. Annu. Rev. Med. 71, 263–276 (2020).
تواصل معنا: