هل من نطاق محدد لحجم الدراسة المناسب؟
20 November 2024
نشرت بتاريخ 1 سبتمبر 2024
بالاستعانة بمعالج نفسي حقيقي أو افتراضي، قد تساعد المحاكاة في تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز المرضى على بناء ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بتقدير الذات
في سيناريو محاكاة بإحدى تقنيات الواقع الافتراضي، يدلف شاب مدخل نفق تحت الأرض، لتتسارع دقات قلبه مع هبوط سلم كهربائي متحرك، إلا أنه يتابع مضيه. فيشتري تذكرة، ويستقل قطارًا حيث يصطدم بآخرين يتحدثون في مجموعات صغيرة أو يجلسون وحدهم. لكن عندما يرتفع مستوى شعوره بالقلق مع غلق باب القطار، قد يساعده صوت معالج نفسي يتحدث إليه على الشعور بالاطمئنان. والمعالج واقعي هنا، أما القطار والأشخاص، فلا؛ هم جزء من محاكاة مبرمجة لبناء واقع افتراضي (VR).
قبل عدة عقود، بدأ علماء النفس في استخدام تقنيات الواقع الافتراضي لعلاج حالات الرهاب، مثل رهاب ركوب القطارات والطائرات. واليوم، تُستخدم التقنيات نفسها لعلاج طيف من الأمراض النفسية. يؤكد على ذلك دانيال فريمان، مؤسس ومدير مختبر الواقع الافتراضي لعلاج اضطرابات الصحة النفسية التابع لجامعة أوكسفورد، فيقول: "يبشر العلاج بتقنيات الواقع الافتراضي بأن يكون أسرع وأكثر فاعلية وأكثر جذبًا للمرضى من الطرق التقليدية لعلاج اضطرابات الصحة النفسية". غير أنه في كثير من الحالات، تبقى هناك حاجة إلى البرهنة على فاعلية هذا النهج العلاجي في تجارب إكلينيكية.
بعض مواقف الحياة اليومية، مثل شراء القهوة، قد يكون مثار شعور بالقلق والتوتر لدى البعض.
وفي هذا المقطع المرئي، ينخرط المعالج والمريض في سيناريو لعب أدوار، حيث يلعب المعالج النفسي دور عامل تحضير قهوة في مقهى.
وهنا، تساعد تقنية الواقع الافتراضي المعالج على معرفة المواقف التي قد تزعج المريض، في الوقت الذي تسمح فيه للمريض ببناء ثقته بنفسه.
يُمكن تعريف الواقع الافتراضي (VR) على أنه "محاكاة ثلاثية الأبعاد مستحدثة حاسوبيًا"، كاستحداث مجموعة من المشاهد والأصوات التي تميز مواقف واقعية، بحيث يمكن أن يتفاعل معها المرء على نحو شبه واقعي باستخدام معدات إلكترونية خاصة1. على سبيل المثال، بمجرد استخدام سماعة رأس جاهزة من سماعات الواقع الافتراضي (المُعدة للاستخدام في ألعاب الفيديو)، والاستعانة ببرمجية تخلق واقعًا افتراضيًا، يمكن لاختصاصيِّ طب النفس الاستعانة بتقنيات الواقع الافتراضي لتقييم حالة المريض أو علاجه.
فتقول لوسيا فالماجيا، أستاذة علم النفس الإكلينيكي من مختبر «أوريجِن ديجيتال إكس آر إنوفيشن» Orygen Digital XR Innovation التابع لجامعة ملبورن، إنه لتقييم حالة المريض: "قد يرغب الطبيب النفسي في ملاحظة شعور أو سلوك الشخص في موقف معين". وتورد فالماجيا كمثال سيناريو يتسوق فيه المريض لشراء بعض البقالة. عندئذ، يمكن للمُعالج أن يلحظ آنيًا ما يحفز شعورًا بالانزعاج لدى المريض، وهذا قد يساعده في وصف علاج ملائم له.
لكن بتعبير كيم بولوك، المؤسسة والمديرة لـ«عيادة الدراسات السلوكية والعصبية التابعة لجامعة ستانفورد» Stanford's Neurobehavioral Clinic، ولـ«عيادة ومختبر الواقع الافتراضي وتقنيات المحاكاة الحية» Virtual Reality & Immersive Technology Clinic and Laboratory، عند تقييم المريض أو علاجه، "يخدم الواقع الافتراضي كأداة تعزيزية رائعة، لكنه لا يُغني [عن المعالج]". وتعلل لذلك بأن الواقع الافتراضي "يُستخدم كوسيلة تفاعلية مع المعالج الذي يخدم كمرشد ومدرب للمريض". غير أن المعالج يخرج من المعادلة في بعض المواقف.
عندما يتكشف مشهد في أحد السيناريوهات التي تخلقها تقنيات الواقع الافتراضي، لا تبدو الصورة واقعية دائمًا به، مما لا يترك أمام المريض مجالًا للشك في أن الصور التي يراها استحدثها حاسوب. ومما يدعو للدهشة والعجب، أن هذا لا يصنع فارقًا. توضح لنا ذلك كيم بولوك قائلة: "عند الانفعال أو الشعور بالخوف، فإن عقل المرء لا يحتاج إلى بيئة واقعية بالكامل ليجد شيئًا ما بها مخيفًا على سبيل المثال". أما دانيل فريمان، فيرى أنه في بعض الحالات، يكون من المفيد أن يعرف الشخص أن المحاكاة ليست حقيقية. فيقول: "الرائع في الأمر هو أن الوعي بالمحاكاة يسمح للأشخاص بتجربة أشياء قد يتهيبونها في الحياة الواقعية، لكن تعلمها يحقق منافع كبيرة في الحياة اليومية". وبتعبيره، ما يكسب تقنيات الواقع الافتراضي فاعليتها هو أنها "تصب في صميم العلاج الناجح؛ بمساعدة الأشخاص على خوض تجربة تعليمية مباشرة لتعلُم أساليب أفضل في التفكير والاستجابة والتصرف".
لكن كما هو الحال مع أي علاج آخر، الشيطان يكمن في التفاصيل. فيقول فريمان: "تتسم تقنيات الواقع الافتراضي بفاعليتها الكبيرة، عندما تعرض محتوى مناسب للمريض، لكن فاعليتها تتلاشى وتصبح مخيبة للآمال إن جانب المحتوى المعروض الصواب. ولتمييز المناسب من هذه التقنيات، من الضروري أن تُختبر فاعلية كل علاج بالواقع الافتراضي في تجربة إكلينيكية محكمة".
من هنا، على سبيل المثال، يجري فريمان وفريقه البحثي تجربة علاجية قائمة على تقنية واقع افتراضي باسم «فينيكس في آر» Pheonix VR، للتداوي ببناء الثقة في الذات 2. صُممت التجربة بهدف مساعدة الشباب المصابين بالذهان غير الانفعالي على تعزيز سلامتهم النفسية وشعورهم بتقدير الذات من خلال تقوية الاعتقادات الإيجابية عن أنفسهم. وحول التجربة، يقول فريمان: "تتيح برمجية «فينيكس في آر» تجارب مباشرة تعود بشعور بالنجاح، وبالقدرة على التأقلم، وبمتعة واطمئنان، وتُستخدم لإزكاء الرغبة في خوض تجارب كهذه في العالم الواقعي". ويستخدم المشاركون في التجربة تقنية «فينيكس في آر» في المنزل، ويتاح لهم أسبوعيًا لقاء مع اختصاصي طب نفسي. ومن أمثلة سيناريوهات الواقع الافتراضي التي تعرضها التقنية، سيناريو للعناية بحديقة مشتركة، أو للتحدُث أمام كاميرا في استديو إذاعة تلفزيونية افتراضي، أو لخوض ألعاب على مشارف غابة، بالقرب من بحيرة. وقد أفاد المشاركون في الدراسة بنمو اعتقاداتهم الإيجابية عن الذات عقب هذه التجربة صغيرة النطاق التي امتدت لستة أسابيع 3، ويجري حاليًا ضم مشاركين آخرين في تجربة أوسع نطاقًا.
في بعض الجوانب، يسهل استخدام تقنيات الواقع الافتراضي في مجال الصحة النفسية، فيمكن للطبيب النفسي المعالج أن يشتري إحدى سماعات الرأس الخاصة بتقنيات الواقع الافتراضي، مثل سماعة برمجية «ميتا كويست 2»Meta Quest 2 لقاء مبلغ يقل عن 250 يورو. غير أن ابتكار سيناريو افتراضي مناسب أصعب كثيرًا ويتطلب عادة تكليف مبرمج لابتكار البرمجية المنشودة. تعقيبًا على ذلك، تقول بولوك: "ثمة عدد قليل جدًا من الأنظمة المُعدة للاستخدام من قبل اختصاصيّ علم النفس. والمعروض من المحتوى الذي نستخدمه محدود جدًا، وهذه إحدى العقبات التي نواجهها في الوقت الحالي". على سبيل المثال، إن أراد طبيب النفس المعالج خلق سيناريو محدد، سيتطلب ذلك عادة تصميمه بحيث يوائم خصيصًا المريض.
والإقبال على تبني تقنيات الواقع الافتراضي ظل حتى الآن ضعيفًا، إذ أقدم عدد قليل من علماء النفس على تجربة التقنية. على سبيل المثال، في قسم بولوك الذي يضم حوالي 500 اختصاصي طب نفس إكلينيكي، لم يستخدم إلا نحو خمسة من هؤلاء تقنيات الواقع الافتراضي لعلاج المرضى. ونقص التدريب على استخدام تقنيات الواقع الافتراضي يعرقل التوسع في تبني اختصاصيّ طب النفس له.
تجدر الإشارة هنا إلى أن تقنيات الواقع الافتراضي قد تساعد في مواجهة أحد أكبر التحديات التي تجابه الرعاية الصحية في مجال الطب النفسي، ألا وهو نقص الأطباء المعالجين. في الولايات المتحدة وحدها، على سبيل المثال، يعيش 122 مليون أمريكي (أكثر من ثلث تعداد سكان البلد) في مناطق تفتقر إلى الموارد الكافية لتلبية احتياجات الرعاية الصحية النفسية، بحسب هيئة إدارة الخدمات والموارد الصحية الأمريكية4. وتواجه مناطق أخرى في أنحاء شتى من العالم عجزًا مماثلًا. فحسبما يوضح فريمان: "لاستيفاء الطلب المرتفع على خدمات الرعاية الصحية النفسية، لا يوجد إلا عدد قليل جدًا من المعالجين ممن يبرعون في تقديم أفضل العلاجات، ما يعني أن ملايين الأشخاص يُتركون لانتظار الحصول على مساعدة مناسبة". وهو يرى أن تقنيات الواقع الافتراضي قد تسد هذا العجز.
فيضيف: "العلاج بالواقع الافتراضي وحده لا يحتاج إلى معالج". يبرهن على ذلك طرح «جيم تشينج» gameChange، أداة العلاج الإدراكي القائمة على تقنية الواقع الافتراضي، والتي اعتمدتها للاستخدام هيئة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة 5. وأداة الواقع الافتراضي تلك، التي يجري التسويق لها كأداة طبية فعالة معتمدة في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، ومصنفة في فئة الأدوات الطبية الأقل خطرًا، تسمح لمستخدمها بخوض ست سيناريوهات، أحدها يجري في مقهى، والثاني هو تدريب عام في غرفة انتظار، والثالث في حانة، والرابع في حافلة، والخامس في شارع أو متجر محلي صغير. وحول الأداة، يقول فريمان: "يوجه معالج افتراضي - يضطلع بالأداء الصوتي له شخص حقيقي- المريض، ويساعده على التدرب على أساليب للتغلب على الصعاب التي يواجهها".
«جيم تشينج»، كما يوضح هذا المقطع المرئي، هي أداة علاج إدراكي قائمة على تقنية الواقع الافتراضي، اعتمدتها للاستخدام في المملكة المتحدة هيئة الصحة الوطنية في البلد.
ويعتمد العلاج الإدراكي في الأداة على مدرب افتراضي، مصمم لمساعدة المرضى المصابين بالذهان على العودة إلى الانخراط في أنشطة خارج المنزل، مثل مسح رسوم الجرافيتي من على الجدران.
اختبر فريمان وفريقه البحثي سلامة وفعالية الأداة بتجربتها على مجموعة من المصابين بالذهان، الذين عانوا أيضًا من رهاب الزحام، ومن ثم تجنبوا مغادرة منازلهم6. وقد برهنت تجربتهم العشوائية التي تضم مجموعة مقارنة على أن أداة «جيم تشينج» تخفف الشعور بالتوتر، وتسمح للمشاركين في التجربة بمغادرة منازلهم دون مرافق. وعن مزايا الأداة، يقول فريمان: "تساعد هذه الأداة المرضى على الانخراط في أنشطة الحياة اليومية، فتقودهم من تجربة الحياة في المنزل إلى تجربة الحياة في العالم خارجه".
كذلك قد تستفيد الحلول المؤتمتة القائمة على تقنيات الواقع الافتراضي لرعاية الصحة النفسية من الأخذ بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وهذا بالضبط ما فعله مع زملائه اختصاصي طب النفس عمر ليران، المدير المساعد لبرنامج طب الواقع الافتراضي من مركز «سيدارز-سيناي» الطبي في لوس أنجلوس، بالاستعانة بالمعالج الرقمي «زايا» XAIA (الذي يأتي اسمه اختصارًا لتقنية المساعِد المعزز بالذكاء الاصطناعي والواقع الممتد Extended reality artificially intelligent ally). ويوضح ليران الغاية من المعالج الرقمي قائلًا: "لم تقم فكرة المعالج على الاستغناء عن اختصاصيِّ الرعاية الصحية النفسية، وإنما على دعمهم في عملهم وتوفير الرعاية الصحية النفسية لمن لا تتاح لهم".
وفي البداية، لم يعلِّق ليران آمالًا كبيرة على نجاح برمجية «زايا»، لكن مع تدرب البرمجية لأشهر على بيانات نصوص من جلسات لمرضى مع المعالجين البشريين المختصين بهم، "تحول أداء البرمجية فجأة من مريع إلى التحسن كثيرًا"، بتعبير ليران، الذي أضاف:ً "كان التفاعل مع «زايا» يستهوي المرضى، الذين آثر كثير منهم التفاعل مع البرمجية على التفاعل مع الطبيب النفسي الخاص به". من هنا، يعتزم ليران وفريقه البحثي إطلاق تجربة عن قريب لاختبار فاعلية «زايا».
غير أن فريمان يحذر من أن الواقع الافتراضي ليس إلا جزءًا من الحل لمشكلات الصحة النفسية التي يواجهها الأفراد حول العالم. فيستدرك قائلًا: "الواقع الافتراضي يمكن أن يغدو جزءًا من منظومة الرعاية الصحية النفسية، وليس المنظومة برمتها".
ثبتت بالفعل فاعلية تقنيات الواقع الافتراضي في أحد أكثر المواقف امتلاءً بالتحديات الذهنية للبشر؛ ألا وهو: التحليق في الفضاء. إذ يواجه رواد الفضاء "أياما عصيبة مشحونة بالتوتر في بيئة شديدة الخطورة"، بحسب ما يفيد لوندال تومسِن، المسؤول الفني الأول بشركة «نورد سبيس» Nord Space، الكائنة في الدنمارك، والذي يسعى إلى التخفيف من حدة هذا التوتر بالاستعانة بتقنيات الواقع الافتراضي.
تخدم تقنيات الواقع الافتراضي في التخفيف من حدة الشعور بالتوتر في مهام السفر عبر الفضاء، وفي التدريب على هذه المهام وفي تحسين الصحة النفسية.
على سبيل المثال، يصور هذا المقطع المرئي رائد الفضاء أندرياس مورجنسن في أثناء استخدامه لتقنية الواقع الافتراضي على متن محطة الفضاء الدولية.
غير أن تومسون واجه عقبة كؤود في الاستعانة بتقنيات الواقع الافتراضي؛ فسماعات الرأس الخاصة بهذه التقنيات لا تعمل في ظروف الجاذبية الصغرى، بل تستخدم الجاذبية الطبيعية كوسيلة لإرشاد عداد السرعة في السماعة وتعقب حركة الشخص. من هنا، تعاون تومسِن مع شركة «إتش تي سي فايف» HTC VIVE الكائنة في تايوان لإنتاج نظام «فايف فوكس 3» VIVE Focus 3 القائم على تقنية الواقع الافتراضي. وبدلًا من تفسير حركات الشخص بالاسترشاد بالجاذبية، تقارن سماعة رأس تقنية الواقع الافتراضي في هذا النظام حركة رأس الشخص بموقعها من جهاز تحكم يخدم كنقطة مرجعية إرشادية.
يمكن لرواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية الاختيار من بين مجموعة من سيناريوهات المحاكاة القائمة على تقنية الواقع الافتراضي لتخفيف شعورهم بالتوتر، كاختيار سيناريو يسبحون فيه مع دلافين، كما يصور هذا المقطع المرئي.
وفي أثناء كتابة هذا المقال، اختبر رائد الفضاء الدنماركي أندرياس موجنسن أداء نظام «فايف فوكس 3» 15 مرة، خلال فترة توليه قيادة محطة الفضاء الدولية. ويحتوي نظام الواقع الافتراضي الذي استخدمه على خمسة أفلام للمشاهدة، تتمتع بصورة عالية الوضوح في جميع الزوايا، من أمثلتها فيلم يعرض تجربة سير على الشاطئ وآخر يعرض تجربة سباحة مع دلافين. ورغم أنه يبقى أن نتأكد من الفاعلية الإكلينيكية لهذا النهج، كما هو الحال مع تطبيقات الواقع الافتراضي الأخرى، يرى تومسِن أن موجنسن يجد التقنية "ممتعة للغاية للوقت الحالي".
بعكس تقنيات الواقع الافتراضي التي تتيح الانغماس تمامًا في تجربة بين أحضان عالم افتراضي، تضفي تقنيات الواقع المعزز (AR) عناصر افتراضية على العالم الواقعي. على سبيل المثال، باستخدام هذه التقنيات، قد يسنح لمريض يخشى ركوب قطارات الأنفاق خوض تجربة حقيقية يستقل فيها قطار أنفاق وتُعزز بركاب افتراضيين تعرضهم سماعة رأس أو نظارة ذكية.
وقد درست توبا موتلوير، الأستاذة المساعدة في مجال طب نفس الأطفال والمراهقين من كلية طب جامعة كوتش في إستانبول بتركيا، مع فريقها البحثي الآفاق التي يبشر بها استخدام تقنيات الواقع المعزز على صعيد الرعاية الصحية النفسية7، وخلصوا إلى أن التفاعل مع شخصيات افتراضية يستهوي الأطفال بالأخص. فتقول موتلوير إن تقنية الواقع المعزز "تدعم عمليات المعالجة الشعورية والتواصل الاجتماعي" في هذه الفئة العمرية. وتضيف أن التقنية قد تفيد بالأخص الأطفال المصابين بالتوحد، الذين يتعرضون باستخدامها "لتفاعلات اجتماعية مع شخصيات افتراضية، فيخرجون من التجربة بتعلم دلالات اجتماعية أساسية ومهارات إدراك شعوري".
تقنية الواقع المعزز تضفي عناصر افتراضية إلى العالم الواقعي، ومن ثم يمكنها مساعدة الأطفال المصابين بالتوحد على تحسين مهاراتهم في التواصل الاجتماعي.
يعرض هذا المقطع المرئي إيدا، شخصية في برمجية واقع معزز، يمكن أن تُستخدم مع الكتب الدراسية.
وبالإضافة إلى هذه الاستخدامات في مجال الصحة النفسية، تجد موتلوير استخدام الواقع المعزز جذابًا في حالات الأطفال الذين يخضعون لعلاجات ضد السرطان أو أمراض مزمنة. إذ يواجه الأطفال الذين يخضعون لعلاجات ضد السرطان العديد من العوامل التي تهدد بالإصابة بمشكلات الصحة النفسية، فهم أكثر عرضة بنسبة 29% للإصابة باضطرابات القلق، وأكثر عرضة بنسبة 57% للإصابة بالاكتئاب، وأكثر عرضة للإصابة باضطرابات الذهان، مقارنة بالأصحاء من أخواتهم، والمشاركين في مجموعات المقارنة من الأصحاء غير المصابين بالسرطان، وفقًا لدراسة تجميعية8.
ورغم أنه يمكن للعلاجات القائمة على تقنيات الواقع المعزز أن تحد من خطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية، تبقى فاعلية هذا النهج غير مجربة تمامًا، كما تفيد موتلوير. وبالاستعانة بشخصية تعرف باسم إيدا في برمجية واقع معزز، تساعد موتلوير الأطفال على معالجة المشاعر المرتبطة بتشخيصهم بالسرطان وتلقيهم علاجات ضد هذا المرض. ورغم أن نتائج دراسة موتلوير في هذا الإطار لم تُنشر بعد، تبين من اختبار تأثير إيدا في حال 12 طفلًا مصابًا بالسرطان "أن الأطفال تمتعوا بالجانب الذي ينطوي على رسوم متحركة من الواقع المعزز، فوجدوه مشوقًا وممتعًا".
كذلك وجدت موتلوير أنه عند ابتكار شخصيات الواقع المعزز، تجب مواءمة تصميم هذه الشخصيات مع تفضيلات كل طفل.
وتؤيد فالماجيا هذا الرأي، قائلًة: "مع صغار السن، ينبغي تطوير نظام يتحدث لغة تجذب هذه الفئة العمرية" على سبيل المثال، كما توضح فالماجيا، إن أضفت شخصًا كبير السن إلى مشهد عيد مولد مراهق في السادسة عشر من العمر، لن يلفت هذا الشخص الاهتمام في المشهد إلا بقدر ما يلفته مقعد، على سبيل المثال. وتعلل لذلك قائلة إنه لكي تحقق أدوات الواقع الافتراضي وأدوات الواقع المعزز تأثيرًا إكلينيكيًا، تجب مواءمتها لاحتياجات المستخدم وللسياق المحلي. وتضيف: "شخصيات الأفاتار ينبغي أن تشبههم، والتجربة برمتها ينبغي أن تكون ملائمة ثقافيًا".
نبذة عن المؤلف مايك ماي هو كاتب صحفي حر ومحرر يقيم في مدينة أوك هاربور في العاصمة الأمريكية واشنطن.
نُشر هذا المقال في يوليو عام 2024 في دورية Nature Medicine
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.276
1. Emmelkamp, P.M.G. & Meyerbr, K. Annu. Rev. Clin. Psychol. 17, 495–519 (2021).
2. Freeman, D. et al. BMJ Open 13, e076559 (2023).
3. Freeman, D. et al. Behav. Cogn. Psychother. 52, 277–287 (2024).
4. US Health Resources and Services Administration. data.HRSA.gov https://go.nature.com/3Q4OD9R (25 April 2024).
5. National Institute for Health and Care Research. NIHR https://go.nature.com/3w0jihH (15 November 2023).
6. Freeman, D. et al. Lancet Psychiatry 9, 375–388 (2022).
7. Bakir, Ç.N. et al. Digit. Health 9, 20552076231203649 (2023).
8. Lee, A.R.Y.B., Low, C.E. & Yau, C.E. JAMA Pediat. 177, 790–799 (2023).
تواصل معنا: