مقالات

الحرب تفاقم انتشار الملاريا في اليمن

نشرت بتاريخ 21 سبتمبر 2024

انتشار البعوض الناقل للملاريا في أفريقيا إلى مناطق جديدة في اليمن.. ومطالب بتوزيع عادل للقاح وتوفير وسائل الحماية

محمد السيد علي

أكثر من
21 مليون يمني يعيشون في مناطق معرضة لخطر الإصابة بالملاريا

أكثر من 21 مليون يمني يعيشون في مناطق معرضة لخطر الإصابة بالملاريا


Abdulnasser Alseddik/Anadolu Agency via Getty Images Enlarge image

أكدت دراسة أجراها فريق من الباحثين بجامعة "بايلور" الأمريكية، بالتعاون مع البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا في اليمن، انتشار البعوض الناقل للملاريا في أفريقيا من نوع "أنوفيليس ستيفنسي"، إلى مناطق يمنية جديدة مثل الحديدة وعدن.

وأوضح الباحثون -في الدراسة التي نشرتها دورية (Emerging Infectious Diseases)- أن هذه البعوضة مسؤولة عن نقل الملاريا إلى مناطق لم تكن تعاني من المرض سابقًا، ما يستوجب استمرار المراقبة واتخاذ إجراءات للسيطرة على انتشار الملاريا في اليمن ومنطقة شبه الجزيرة العربية.

وفقًا للدراسة، رُصد بعوض "أنوفيليس ستفينسي" لأول مرة في جيبوتي عام 2012، ثم انتشر في عدة دول أفريقية مثل إثيوبيا والصومال والسودان ونيجيريا وغانا وكينيا وإريتريا، وأظهرت الدراسات مقاومة هذا البعوض لعدة فئات من المبيدات الحشرية.

وقام الباحثون بمراقبة انتشار هذا البعوض الغازي في اليمن وعلاقته بشرق أفريقيا، وأُبلغ لأول مرة عن وجود هذا النوع من البعوض في عدن عام 2021، وتم تأكيد وجوده بتحليل جيني في 2023، في حين أظهرت المراقبة اللاحقة وجوده في منطقتي الضاحي وزبيد في الحديدة.

انعدام المساواة

"مرض الفقراء".. هكذا تصف منظمة الصحة العالمية الملاريا، باعتبارها وباءً ناتجًا عن الفقر وانعدام المساواة، وانتشاره بشكل رئيسي في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الصحية الجيدة والبنية التحتية الملائمة.

والملاريا هي أحد الأمراض المدارية، وتحدث الإصابة بها عندما يلدغ البعوض المُصاب الإنسان، فتتسلل طفيليات مثل "المتصورة المنجلية" إلى الجسم، وتنتقل إلى الكبد لتتكاثر ثم تُحرر إلى الدم مجددًا، مسببةً تدمير خلايا الدم الحمراء.

ويزداد الأمر سوءًا بالنسبة لدولة اليمن بسبب الحرب الأهلية التي بدأت في سبتمبر 2014، وأدت إلى خروج 45% من المرافق الصحية من دائرة العمل على مدى السنوات العشر الماضية، وسط تحذيرات من أن الاضطرابات المدنية من جرَّاء الحرب وانعدام الأمن قد تؤدي إلى تقويض عمليات مكافحة الملاريا في بلد اشتهر ذات يوم بأنه "اليمن السعيد".

وتشير تقديرات منظمة الصحة إلى أن أكثر من 21 مليون يمني يعيشون في مناطق معرضة لخطر الإصابة بالملاريا، مع حدوث أكثر من مليون حالة إصابة بالملاريا سنويًّا.

فمع اندلاع الحرب الأهلية في اليمن ارتفع عدد حالات الإصابة بالملاريا بسبب عدة عوامل، أهمها نزوح السكان من المناطق التي تتوطن فيها الملاريا إلى مناطق أخرى.

تحليل جيني

أجرى الباحثون تحليلًا جينيًّا ليرقات من البعوض الناقل للملاريا، جُمعت من موقعين شبه حضريين في منطقتي "الضاحي" و"زبيد"، واكتشفوا وجود نمطين وراثيين مختلفين للبعوضة، أحدهما يرتبط بالنمط الوراثي الموجود في شرق أفريقيا، أما الآخر فقد اكتُشف حديثًا، ما يبرز التنوع الجيني الكبير لهذه البعوضة في اليمن.

تقول تامار كارتر، الأستاذ المساعد في علم الأحياء وخبيرة علم أحياء الأمراض الاستوائية بجامعة بايلور، والباحثة المشاركة في الدراسة: "هناك أدلة متزايدة على مقاومة هذا البعوض لمجموعة من المبيدات الحشرية وارتباطه بتفشي الملاريا الأخير، وتشير الأدلة الجينومية إلى أن مواقع تفشي المرض قد تكون أيضًا نقاط انطلاق لنقل هذا البعوض إلى مناطق جديدة".

ودعت "كارتر" -في بيان- إلى إجراء تحليلات جينومية موسعة وزيادة جهود المراقبة في اليمن والمناطق المجاورة لفهم انتشار هذا البعوض والسيطرة عليه بشكل أفضل، مؤكدةً أن هذه الخطوات حيوية لمعالجة التأثير الصحي للملاريا، خاصةً في المناطق ذات الانتشار الكثيف.

ورفضت "كارتر" طلب "نيتشر ميدل إيست" للإدلاء بمزيد من التفاصيل.

تأثير الحرب

لتوضيح الموقف الوبائي للملاريا في اليمن، وتأثير الحرب وتردي الأوضاع الصحية على انتشار المرض في البلاد، تواصلت "نيتشر ميدل إيست" مع 4 مسؤولين في البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا في اليمن، لكنهم امتنعوا عن الإدلاء بتصريحات.

وكان من هؤلاء المسؤولين ميثاق السادة -المدير العام للبرنامج الوطني لمكافحة الملاريا في اليمن، والباحث الرئيسي للدراسة- الذي قال لـ"نيتشر ميدل إيست": للأسف، لم أعد مخولًا لتقديم أي معلومات ذات صلة بعد الآن.

بينما أوضح مواطن يمني من محافظة "المحويت" أن "مرض الملاريا يتسبب في وفاة العديد من سكان القرى والتجمعات السكانية في بطون الأودية بسبب نقص الأدوية ووسائل الوقاية من البعوض، في ظل انتشار البرك وتجمعات المياه".

وطالب المواطن اليمني، الذي فضّل عدم ذكر اسمه -في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست"- وزارة الصحة اليمينة بإجراء حملات توعوية مكثفة حول الوقاية من البعوض، وتنفيذ حملات رش في المستنقعات والمناطق الموبوءة، وتوفير أدوية مجانية في المستشفيات والمراكز الصحية، خاصةً في المناطق النائية والفقيرة.

تحديات 

من جهته، يؤكد طاهر الدمرداش -أستاذ طب المناطق الحارة بجامعة طنطا- أن "تدهور الخدمات الصحية والبنية التحتية في اليمن، بما في ذلك نقص الرعاية الصحية الكافية والمواد الوقائية مثل الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية، يقلل من قدرة المجتمع على التعامل مع المرض".

وأضاف "الدمرداش" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": "انتشار برك المياه الراكدة، نتيجة الأمطار الغزيرة والفيضانات، من العوامل التي تعمق الأزمة في اليمن؛ حيث توفر بيئة مثالية لتكاثر البعوض الذي يفضل البيئات الرطبة والمياه الراكدة".

لقاح فعال

يقول إسلام عنان -أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة مصر الدولية- في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": الإعلان عن لقاح (R21) الفعّال ضد الملاريا، والذي أوصت به منظمة الصحة في أكتوبر 2023، يُعدّ خطوةً مهمة، نظرًا لانخفاض تكلفته وسهولة إنتاجه، ما يجعله متاحًا على نطاق واسع.

ويتميز لقاح (R21) -الذي طوّرته جامعة أكسفورد- بفاعلية تصل إلى 75% وتكلفة تتراوح بين 2-4 دولارات، ويتطلب 3 جرعات بفارق 4 أسابيع، مع جرعة تنشيطية بعد عام، وهو اللقاح الثاني لمواجهة المرض بعد لقاح (RTS) الذي تمت التوصية به في 2021.

ويضيف "عنان": الملاريا من الأمراض التي يمكن القضاء عليها، وقد نجحت دول شرق أوسطية مثل الجزائر في ذلك من خلال القضاء على بعوضة الأنوفيليس عن طريق التدريب الجيد للعاملين بالقطاع الصحي، وتقديم خدمات تشخيص مرضى الملاريا وعلاجهم، وتوجيه الاستجابات السريعة لفاشيات المرض.

لكن "عنان" يحذر -في الوقت ذاته- من عدم عدالة توزيع اللقاحات، مُعربًا عن أمله في توفير اللقاح لمناطق النزاعات مثل اليمن، التي تعاني من الملاريا، والسودان وغزة.

ويبقى تكرار التجربة الجزائرية في اليمن مرهونًا بالقدرة على مواجهة تحديات غياب اللقاح، ونقص وسائل الحماية من البعوض، وتدهور البنية التحتية، واستمرار الحرب، وهي تحديات ربما احتاجت إلى سنوات بحثًا عن بقعة ضوء في نهاية نفق شبه مظلم.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.294