من واقع تجربة مؤرِّقة: ما العمل إذا قوبلت أطروحتك بالرفض؟
12 November 2024
نشرت بتاريخ 12 مايو 2016
صحراء محيط قديم تصبح موقعًا لأول متحف للتغيُّر المناخي في الشرق الأوسط.
قبل أربعين مليون سنة، كان وادي الحيتان، الأرض التي بدت لا متناهية المساحة من المسطحات والتلال والهضاب الرملية، مختلفًا إلى حد كبير.
هذا الموقع الذي تبلغ مساحته 200 كيلو متر مربع، والذي صنفته اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي، كان يشكل قاع بحر التيثس المركزي، الجسم المائي الذي كان موجودًا منذ حوالي 200 مليون سنة، والذي يمتد خطه الساحلي من الإسكندرية الى الأقصر. وكانت مياه بحر التيثس الغنية بالمغذّيات السبب الذي جعل منه البقعة المفضلة لتجوال الوحوش البحرية القديمة مثل باسيلوسورس إيزيس Basilosaurus Isis، وهو حوت قوي عمره 37 مليون سنة، يبلغ طول جسمه 15- 20 مترًا، وله أسنان حادة، وحوت دوريوندون أتروكس Dorundon Atrox الذي يبلغ طوله خمسة أمتار، والذي يُعتقد أنه السلف الأول لجميع الحيتان الحديثة.
الجماجم والهياكل العظمية التي بقيت كاملة في بعض الأحيان، لتلك الكائنات البحرية الضخمة، التي كانت مغمورة برواسب تراكمت منذ ملايين السنين، ظهرت ببطء على السطح، وذلك بفضل الرياح الدائمة للصحراء الغربية.
ونظرًا لكونه من مواقع التراث العالمي منذ عام 2005، فقد استقطب أعدادًا كبيرة من السياح. في صناديق العرض الممتدة على مسار كيلومترين في المحميّة، تبدو عظام نادرة للحيتان وأسماك القرش والسلاحف. الآن يستضيف الموقع بنيانًا جديدًا مذهلًا: المتحف الأول للأحفوريات وتغيّر المناخ في الشرق الأوسط، واحد من المتاحف القليلة في العالم التي تركّز على تغيّر المناخ.
صُمّم المتحف على شكل بنية مستديرة بلون الأرض، ملائمة لطبيعة وادي الحيتان، وهو مغطى بقُبّة. وقد بُني جزئيًّا تحت الأرض لينسجم مع المناظر الطبيعية المحيطة به، وليساعد في الحفاظ على الأحفوريات في وسط أكثر برودة، وفقًا لقول جابرييل ميخائيل، معماري البيئة الذي عمل على البنية التحتية لعدة متنزهات طبيعية في كافة أرجاء مصر.
"من المنطقي أن يوجد هذا المتحف في وادي الحيتان، لا في القاهرة، لأنك ستتمكن من تشكيل انطباع مباشر عن التعديلات الهائلة التي سبَّبها تغيُّر المناخ محليًّا عن طريق رؤية الأصداف والأحفوريات المنطبعة في وسط الصحراء القاحلة".
الطبقات المرئيّة من الترسبات التي توشّي جوانب تلال الأحجار الجيرية المحيطة تحمل شهادة على تغيّر مستويات مياه البحر عبر مختلف العصور الجيولوجية. "يجب أن يكون تغيُّر المناخ مُشاهَدًا في الميدان"، يضيف ميخائيل... "وهذا يتحقق عندما يصبح مؤثرًا ويتمكن من جذب الانتباه".
يُعَد المتحف موطنًا لأحفوريات مختلفة من النباتات، مثل أشجار القرم والشعاب المرجانية والبطيخ، وحيوانات كالحيتان وأسماك القرش والدلافين، والتماسيح، كما يضم هيكلًا عظميًّا كاملًا لنمر. كافة العيّنات أتت من وادي الحيتان، وسيوة، ومنخفض القطارة وسيناء، قصور العرب ووادي الريان القريب.
في ساحة المعرض المركزية تتوضع أحفورة كاملة لأحد ذكور باسيلوسورس إيزيس، يبلغ طولها 18 مترًا، كانت قد اكتُشفت في مايو 2015، على بعد سبعة كيلومترات فقط من موضعها الحالي. وتستلقي أحفورة أنثى الباسيلوسورس إلى جانب الهيكل العظمي للذكر– رأسان عملاقان وفكان ضخمان مستندان إلى سرير رملي مرتفع.
ما يميّز باسيلوسورس هو جسمها، فهو مجهز بساقين خلفيتين صغيرتين لكن لهما شكلًا مثاليًّا. "كان الباسيلوسورس أول حوت قديم يمتلك أطرافًا خلفية مكتملة التطور تحتوي على ركبة وكاحل وقدم وأصابع قدم"، وفق تفسير فيليب جنجريتش، عالم الآثار المختص بالفقاريات في جامعة ميشيجان، والذي كان قد اكتشف الأحفوريات أصلًا. "لقد كانت هذه مفاجأة؛ لأن الحيتان الحديثة لم تعد تمتلك شيئًا أكثر من بقايا عظام الحوض".
منح هذا الاكتشاف مزيدًا من الدعم للنظرية القائلة بأن الحيتان تطورت من الثدييات البرية.
في عام 1989، وخلال واحدة من زياراته الميدانية إلى وادي الحيتان، اكتشف جنجريتش وفريقه وجود ركبة على هيكل عظمي كامل للباسيلوسورس المائي- مع عظام كاملة للحوض والساق والكاحل والقدم وأصابعها. هناك 11 مليون سنة تفصل بين الباسيلوسورس والـPakicetus inachus، السلف شبه المائي الذي كان قد اكتشفه في باكستان عام 1978، ولم يتمكن جنجريتش من فهم سبب استمرار الباسيلوسورس في حمل بقايا الساق؛ نظرًا لعدم اتصال الحوض بالعمود الفقري، ولشدة صغر حجم قدميها بالمقارنة مع حجم جسمها.
وأكد اكتشاف لاحق في عام 2000 أن الحيتان تتحدر من رتبة مزدوجات الأصابع في طائفة الثدييات، والتي تشمل الأبقار والأغنام والغزلان وأفراس النهر الحديثة. وقد توسع في النشر عن تطور الحيتان وعن أصلها المشترك مع مزدوجات الأصابع الأولى.
محمد سامح، كبير الجيولوجيين في وادي الحيتان، وضع خطة إدارة شاملة للموقع في عام 2000. كما تمكن أيضًا من إقناع الحكومة الإيطالية، من خلال برنامج التعاون الإيطالي المصري (EIECP)، باستثمار 3.5 ملايين جنيه مصري (450,000 دولار أمريكي) في إنشاء المتحف الجديد. وقد أسهمت وزارة البيئة المصرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقديم الدعم التقني الإضافي.
أشرف سامح على ترتيب 70- 100 أحفورة كاملة أو جزئية يمكن مشاهدتها داخل خزنة المتحف؛ من أجل تسليط الضوء على الطريقة التي أدى بها تغيُّر المناخ إلى تعديل الطبيعة الجيولوجية والمنظر الطبيعي في وادي الحيتان وجبل قطراني، فيما بين العصرين الإيوسيني والأوليجوسيني، ويومنا هذا.
ووفقًا لقول لسامح، فإن الآثار المتحجرة من أشجار القرم تشير إلى أن هذه المنطقة كانت قبل 40 مليون سنة وسطًا شبه استوائي وساحليًّا بحريًّا يتسّم بمعدّل مرتفع لدرجات الحرارة وبالمياه الدافئة. في الحقبة الأوليجوسينية، غطّت الغابات الاستوائية الخصبة المنطقة تدريجيًّا إلى أن انخفضت درجات الحرارة. تراكمت الثلوج على القطبين، مما أدى إلى انكماش بحر التيثس وتراجعه شمالًا إلى البحر المتوسط.
"إننا نعطي هذا المثال للزوار لتوضيح أن الاستمرار المتزايد في ارتفاع درجة حرارة الأرض، قد يجعلنا نشهد عكسًا لهذه العملية بمجملها"، وفق تفسيره.
وفقًا لجنجريتش، فإن متحف الحفريات وتغيّر المناخ المقام في موقع وجودها يوفر "فرصة مثالية لتثقيف الناس حول التغيرات الجيولوجية والتطورية والبيئية والمناخية، وعدم النجاح في إظهار تلك التعديلات الكبيرة سيهدر فرصة تعليمية".
doi:10.1038/nmiddleeast.2016.55
تواصل معنا: