مقالات

الخطاب الإعلامي في إثيوبيا ومصر يعكس وجهات نظر مختلفة جذريًّا بشأن سد النهضة 

نشرت بتاريخ 10 يوليو 2024

الإستراتيجيات الخطابية لكلتا الدولتين تعكس تأثير التمثيل الإعلامي على الرأي العام والمواقف السياسية في الصراعات الدولية

محمد منصور

سد النهضة الإثيوبي
سد النهضة الإثيوبي
Minasse Wondimu Hailu/Anadolu Agency via Getty Images Enlarge image

يمثل سد النهضة الإثيوبي مشروعًا ضخمًا للفخر الوطني والأمل الاقتصادي لإثيوبيا، بينما يشكل في الوقت ذاته تحديًا كبيرًا لدولتي المصب مصر والسودان، اللتين تعتمدان اعتمادًا كبيرًا على نهر النيل لتلبية احتياجاتهما المائية.

 

ومع اقتراب هذا المشروع من الاكتمال، أصبحت المخاطر السياسية والاجتماعية والبيئية أكبر من أي وقت مضى، خصوصًا مع تقاطع شبكات المصالح والمخاوف المعقدة المحيطة بسد النهضة.

 

وترصد دراسة نشرتها دورية "هيومان آند سوشيال ساينسز كومينكيشنز" (Humanities and Social Sciences Communications) جانبًا من تلك التحيزات.

 

في تلك الدراسة، حلل الباحث المصري "أيمن الصوفي" الخطاب الإعلامي المحيط بسد النهضة، وتأثير المواقف السياسية والأيدلوجية على وسائل الإعلام.

 

ركزت الدراسة على الخطاب الإخباري، وهو نوع قادر بشكل فريد على تغيير تصورنا للواقع؛ ففي حين أن الهدف من التقارير الإخبارية هو إعلام الجمهور بالأحداث الجارية، فقد أصبح من الواضح أن تمثيل الأخبار "ليس محايدًا ولا خاليًا من القيمة"، وفق تصريحات "الصوفي" لـ"نيتشر ميدل إيست".

 

وتقول مصر إنه ينبغي الحفاظ على حصتها التاريخية من مياه النيل بناءً على اتفاقيات المياه الموقعة في عامي 1929 و1959، بينما تدعو إثيوبيا إلى تخصيص عادل لها واعترضت على هذه الاتفاقيات باعتبارها معاهدات غير عادلة تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

 

وقد أدى إطلاقها لمشروع سد النهضة -وهو أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا- إلى تعطيل الوضع الراهن الذي طال أمده على طول نهر النيل.

 

الإستراتيجيات الخطابية

 

استهدفت الدراسة تحديد الكلمات الرئيسية الأكثر بروزًا في الخطاب الإعلامي لكلتا الدولتين وإجراء فحص متعمق لتجميعاتها وتفضيلاتها الدلالية والعروض المستنتجة من هذه التجميعات للكشف عن الانعكاسات الأيديولوجية في التقارير الإخبارية حول سد النهضة.

 

للإجابة عن أسئلة البحث، حدد الباحث أولًا الكلمات الرئيسية الأكثر بروزًا من الناحية الإحصائية في مجموعة الأخبار المصرية، وقام بتحليل الكلمات المرتبطة بها، وكانت هذه الخطوة حاسمةً في فهم الإستراتيجيات الخطابية المستخدمة لتمثيل قضية سد النهضة.

 

ويكشف تحليل مجموعة الأخبار المصرية عن رواية متسقة تصور سد النهضة باعتباره تهديدًا كبيرًا لمصر، مع التركيز على جهود البلاد لحل الأزمة وحماية مصالحها، ويسلط استخدام الكلمات الرئيسية وتجميعاتها الضوء على الأسس الأيديولوجية لهذه الرواية، وذلك باستخدام إستراتيجيات مثل الإيذاء، والتمثيل الدرامي، وإسناد الوكالة لتشكيل التصور العام.

 

يقول "الصوفي": من خلال فهم هذه الإستراتيجيات الخطابية، يُمكن فهم كيفية تأثير التمثيل الإعلامي على الرأي العام والمواقف السياسية في الصراعات الدولية.

 

مصطلحات سائدة

 

ظهرت كلمة "أزمة" بشكل متكرر في مجموعة الأخبار المصرية، مما يشير إلى التركيز الكبير على الآثار السلبية لبناء السد على حصة مصر من مياه النيل، وغالبًا ما يظهر مصطلح "الأزمة" مع كلمات مُصاحبة مثل "اقتصادية"، و"جارية"، و"حادة"، و"مستمرة لسنوات"، و"مستمرة"، و"حقيقية"، و"مختلفة"، مما يعكس سردًا يؤكد خطورة الأزمة وأهميتها.

 

كما تُستخدم كلمة "أزمة" أيضًا في السياقات التي تربطها بقضايا أخرى، مثل "الصراع" و"المشكلة" و"النتيجة"، مما يربط سد النهضة بالنزاع المستمر بين مصر وإثيوبيا، ويؤكد هذا الاستخدام تصوير وسائل الإعلام المصرية لسد النهضة باعتباره تهديدًا كبيرًا.

 

وتؤدي كلمة "مخاوف" أيضًا دورًا بارزًا؛ إذ تصف مخاوف مصر بشأن قضية سد النهضة، بما في ذلك صفات مثل "سيئ" و"شعبي" و"خطير، كما تُستخدم كلمة "المفاوضات" على نحوٍ متكرر في السياقات التي تسلط الضوء على الجهود الدبلوماسية والتحديات التي تواجه حل نزاع سد النهضة.

 

وتظهر الكلمة الرئيسية "يؤثر" بشكل متكرر في السياقات التي تؤكد التأثير السلبي لسد النهضة على مصر، وغالبًا ما يتم استخدام الكلمة الرئيسية "مصالح" في السياقات التي تسلط الضوء على المخاطر التي ينطوي عليها نزاع سد النهضة.

 

في حين تكشف مجموعة الأخبار الإثيوبية عن تركيز واضح على موضوعات التنمية الاقتصادية والنمو الوطني فيما يتعلق بمشروع سد النهضة.

 

وجاء تمثيل وسائل الإعلام الإثيوبية لمشروع سد النهضة مشبعًا بموضوعات التنمية والعدالة والفخر الوطني، من خلال الاستخدام الإستراتيجي للغة والتجميع، قامت وسائل الإعلام الإثيوبية ببناء رواية تؤطر سد النهضة كمشروع حيوي لمستقبل الأمة، ويتحدى هذا الخطاب الهيمنة التاريخية لمصر على نهر النيل ويقدم إثيوبيا كقوة ناشئة ملتزمة بالاستخدام العادل للموارد والنمو الاقتصادي.

 

واستخدمت وسائل الإعلام الإثيوبية مصطلح "الطاقة" على نحوٍ متكرر في السياقات التي تسلط الضوء على فوائد الطاقة الكهرومائية الناتجة عن سد النهضة، وتؤكد الكلمات المصاحبة مثل "الكهرباء"، و"الطاقة الكهرومائية"، و"التوليد"، و"التصدير"، و"الإمداد" سرد استقلال الطاقة والتقدم الاقتصادي.

 

وتنقل هذه الارتباطات خطابًا إيجابيًّا، وتصور سد النهضة باعتباره حجر الزاوية في إستراتيجية التنمية في إثيوبيا، وتعكس الأهمية الإحصائية العالية لهذه المجمعات تركيز وسائل الإعلام على دور السد في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة.

 

كما ظهرت أيضًا كلمة "استغلال" مع الكلمة المصاحبة "الاستفادة" في السياقات التي تناقش الاستخدام العادل والمنصف لموارد النيل، والتي تسلط الضوء على التزام إثيوبيا بإدارة الموارد بشكل عادل ورشيد.

 

التأطير الأيديولوجي

 

يعزز هذا العرض الدلالي الإيجابي موقف إثيوبيا من سد النهضة باعتباره مشروعًا ومفيدًا، وعلى العكس من ذلك، فإن الربط مع كلمة "غير عادل" يقدم لغةً سلبيةً عند مناقشة الاختلالات الملحوظة، في إشارة في كثير من الأحيان إلى موقف مصر.

 

ويعكس هذا الانقسام التأطير الأيديولوجي لإثيوبيا على أنها تسعى إلى تحقيق العدالة بينما تشير إلى أن معارضة مصر غير معقولة.

 

كما ارتبط مصطلح "النمو" بالتنمية الاقتصادية، وهو موضوع متكرر في التغطية الإعلامية الإثيوبية لسد النهضة، تؤكد الكلمات المصاحبة مثل "الاقتصادي" و"السريع" و"المستدام" و"الرائع" قدرة المشروع على تحفيز التقدم الوطني، ويدعم العرض الإيجابي لهذه التجميعات رواية الازدهار والتحسن، مما يضع سد النهضة كحافز للنمو التحويلي، ويتوافق هذا الإطار مع الأهداف التنموية الأوسع لإثيوبيا وتطلعاتها لتعزيز النفوذ الإقليمي.

 

ويصور السرد الإثيوبي سد النهضة على أنه مشروع وضروري للتنمية الوطنية، ويؤكد موضوعات العدالة والنمو والفخر الوطني، ويضع إثيوبيا كجهة فاعلة مسؤولة ومتطلعة إلى المستقبل، ويتناقض هذا التصوير بشكل صارخ مع روايات وسائل الإعلام المصرية، التي غالبًا ما تصور سد النهضة باعتباره تهديدًا.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.213