مقالات

«زويل» وأثره في إرساء دعائم النهضة العلمية في مصر

نشرت بتاريخ 8 أكتوبر 2024

«بكم ستُبنى مصر الجديدة ويشيد هرمها الرابع».. هكذا قال «زويل» لطلابه الذين كان حريصًا على الاجتماع بهم

بقلم: علي عبده

الراحل أحمد
زويل في أثناء تأسيس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا

الراحل أحمد زويل في أثناء تأسيس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا


Ali Abdo Enlarge image

كان حلم مصر والمصريين بعد فوز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 أن يكون سببًا في نهضتها العلمية ومشاركًا في بناء صرح علمي عالمي لمصر والمصريين من أجل تعليم أبنائها العلوم ومستجداتها وربطهم بتكنولوجيا العصر ودوله المتقدمة.

وتحقق حلم المصريين وأصبح حقيقةً بُعيد ثورة يناير عام 2011، عندما كلفت الحكومة المصرية "زويل" بتأسيس صرح علمي عالمي تحت مسمى مشروع مصر القومي للنهضة العلمية مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وأُسست المدينة بقانون يقضي باعتبارها كيانًا علميًّا خاصًّا.

لقاء الصدفة

في أثناء دراستي للدكتوراة في أواخر التسعينيات في جامعة ويسكونسن -ماديسون، التقيت أستاذًا زائرًا من الهند صدفةً في منزل أحد الأصدقاء، وعندما علم بأني مصري قال لي: إن أحد علمائكم هو أعظم عالِم في مجال الكيمياء الإحصائية وتطبيقاتها ومرشح لنيل جائزة نوبل.

 لم أكن يومها أعلم عن "زويل" سوى حصوله على ميدالية فرانكلين، وهي من أرفع الجوائز العلمية الأمريكية، وقد صدق حدس الرجل ونالها "زويل".

وفي منتصف عام 2012، تواصل معي أحد علماء مصر المغتربين وأبلغني بأن الحكومة المصرية خصصت قطعة أرض للدكتور زويل لإنشاء مشروعه عليها، وأنه فتح باب التقدم لعلماء مصر في الخارج للعمل في الجامعة.

تقدمت بأوراقي للجامعة، وتواصل معي الدكتور شريف صدقي في اليوم التالي، وذكر لي أن الدكتور زويل مهتم بسيرتي الذاتية وأنه مرحب بانضمامي للجامعة.

بدأت العمل مع الجامعة عن بُعد من منتصف 2012 وحتى أوائل العام 2013 حين وطئت أقدامي مطار القاهرة إيذانًا ببدء رحلة العمر للمساهمة في إنشاء المدينة، وكنت حديث عهد بالعمل في مصر بعد غياب امتد لـ15 عامًا من العمل خارج مصر.

وجدت من "زويل" إصرارًا عجيبًا على استكمال مشروعه القومي وألا نلتفت إلى أي شيء سوى العمل الدؤوب لإنجازه وإخراجه في أحسن مظهر والتفاني في العمل.

ستائر مسدلة

لا أنسى تلك اللحظة التي اصطحبني فيها الأستاذ الدكتور شريف صدقي -الرئيس الأكاديمي المؤسس لجامعة زويل- إلى مكتبه ليريني ستائره المسدلة مع أن شبابيكها تطل على منظر بديع ليخبرني كيف أن "زويل" حثنا على إسدال ستائر مكاتبنا حتى لا تشغلنا عن أهدافنا بالوصول بهذا المشروع إلى بر الأمان، وكان يحثنا بفعل الشيء نفسه بإسدال ستائرنا عن العالم الخارجي والعمل الدؤوب.

كنا قلة من المؤسسين لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، في البداية وضعنا مناهج علمية لأقسام الجامعة غير المسبوقة عالميًّا ولتطبيق فلسفة الدكتور زويل بتداخل العلوم والمعارف العلمية، وهي برامج النانو تكنولوجي الهندسية، وهندسة علوم الفضاء، وهندسة البيئة، وهندسة الطاقة المتجددة، وعلوم المواد، والعلوم الطبية الحيوية، وفيزياء الأرض والكون.

Enlarge image

كما حرص "زويل" على إقامة سبعة معاهد بحثية عالمية تعمل في التخصصات نفسها على غرار معاهد ماكس بلانك الألمانية، وبناء هرم التكنولوجيا المعني بربط الصناعة والبحث العلمي ومخرجاته وبناء المركز الإستراتيجي للعلوم لمساعدة الدولة المصرية من الناحية الاستشارية في أيٍّ من مشاريعها المستقبلية لتكون مبنيةً على أسس علمية.

الاهتمام بالنشء

لم ينس "زويل" الناشئة؛ إذ أمر بتخصيص جزء من مشروع مصر للنهضة العلمية سمي "مدينة زويل" ليكون مدرسة ثانوية، وكان الاتفاق بين العلماء العاملين في المشروع على أن يكون الاهتمام البحثي للمشروع منصبًّا على حل مشكلات مصر في مجالات المياه وتلوث البيئة والطاقة والصحة من خلال إيجاد وسائل غير تقليدية للكشف الدقيق عن داء السكري والتهاب الكبد الوبائي، ثم في المراحل اللاحقة محاولة إيجاد حلول لها.

وكنا نجتمع مع علماء مثل الدكتور محمد غنيم والدكتور مجدي يعقوب والدكتور أحمد عكاشة والدكتورة لطفية النادي وغيرهم من علماء الخارج من أوروبا وأمريكا للتناقش في مستجدات العلم وأحدث ما وصل إليه في مجالات البحث المقترحة في مدينة زويل.

وكان من ثمرة هذا الجهد أن أنتجت المدينة وحدها من الأبحاث ما لم ينتج من جامعات عريقة في عشرات السنين، وعندما أقيمت الجامعة، استحدثنا نظام قبول بمعايير عالمية لقبول الطلاب يعتمد على كفاءة الطلاب وذكائهم وقدراتهم العلمية.

وسهل "زويل" لطلاب الجامعة سبل الانتقال، وكان حريصًا على أن يجتمع بهم وجهًا لوجه عند زياراته المتكررة لمصر، أو عن بُعد من خلال مؤتمرات الفيديو قائلًا لهم: بكم ستُبنى مصر الجديدة ويشيد هرمها الرابع.

* الدكتور علي عبده أستاذ الهندسة النووية

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.312