صورة للعلم في ولاية ترامب الثانية
06 March 2025
نشرت بتاريخ 27 فبراير 2025
ستبحث هذه التجربة المصغرة إمكانية زرع كُلى الخنازير المُعدَّلة جينيًّا في جسم الإنسان بشكلٍ آمن وفعّال.
Credit: Massachusetts General Hospital
وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على إجراء أول تجربة إكلينيكية لاختبار إمكانية زرع كُلى الخنازير في أجساد البشر الأحياء بشكلٍ آمن. سوف تتضمَّن التجربة، المزمع انطلاقها في وقت لاحق من العام الجاري، زراعة كُلى مُستأصَلة من خنازير مُعدَّلة جينيًّا في أجساد مرضى بالفشل الكلوي المزمن، لم تعُد الكُلى لديهم تؤدي وظائفها بدون تدخل طبي.
تمثّل موافقة الهيئة على هذا إجراء هذه الجراحة التجريبية خطوةً أخرى نحو ذاك اليوم الذي يمكن فيه توفير أعضاء بديلة لآلاف المرضى الذي يُمنُّون النفس بالعثور على متبرعين بالأعضاء. يقول جاي فيشمان، أخصائي الأمراض المعدية المرتبطة بعمليات زراعة الأعضاء في مستشفى ماساتشوستس العام بمدينة بوسطن الأمريكية: "الجميع يتحرق شوقًا إلى بدء التجارب الإكلينيكية الرسمية".
يُذكر أن ستة أشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو نحو ذلك، سبق أن خضعوا لعمليات نقل أعضاء من خنازير مُعدَّلة الجينوم (ما بين نقل كُلى، ونقل قلب، ونقل كَبِد، ونقل غدة زعترية). غير أن الموافقة على هذه الجراحات جميعًا جاءت تحت بند «الاستخدام الرحيم»، أي أن حالة المرضى كانت متأخرة للغاية، بحيث لم تتوفر أمامهم أية خيارات أخرى. وأكثر مَن خضعوا لهذه العمليات لم يبقوا على قيد الحياة سوى لبضعة أشهر بعد إجرائها، وذلك لأسباب عديدة، منها أنهم كانوا في حالة مرضية حرجةٍ لم يستطيعوا معها تحمُّل جراحة كبرى.
يقول فيشمان: "هؤلاء الذين خضعوا لعمليات زراعة أعضاء حيوانية قدَّموا للمجال خدمة جليلة". إلا أن التجارب الإكلينيكية الرسمية تخضع لمعايير موحدة، حسب قوله، ومن ثمّ يمكن أن تخلُص إلى معلومات مهمة، تشمل بيانات لا غنى عنها للبتّ في مدى أمان مثل هذه العمليات وفاعليتها؛ ما يمثّل خطوةً إلى الأمام في هذا المجال.
التجربة الأولى
سوف يشارك في التجربة ستة مرضى ابتداءً، حسبما أفادت شركة «يونايتد ثيرابيوتكس» United Therapeutics الأمريكية الموكَل إليها تنفيذ التجربة، وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية يقع أحد مقرَّيْها في منطقة سيلفر سبرينج بولاية مريلاند، ويقع مقرها الآخر في «ريسيرش تريانجل بارك» (أو حديقة مثلث الأبحاث) بولاية نورث كارولينا. سوف تستقطب التجربة أشخاصًا في مرحلة متأخرة من الفشل الكلوي، تتراوح أعمارهم بين 55 و70 عامًا، على أن يكونوا غير مستوفين لاشتراطات الخضوع لجراحات زراعة الكُلى التقليدية لأسباب طبية، أو يكون من غير المرجَّح خضوعهم لهذه الجراحات التقليدية خلال السنوات الخمس المقبلة، وربما يعاجلهم الموت وهم ينتظرون.
سيخضع المرضى للمراقبة الدقيقة طوال حوالي ستة أشهر بعد الخضوع للجراحة، للتعامل مع ما قد يطرأ عليهم من مضاعفات خطيرة، أو الإصابة بأمراض مُعدية، أو ظهور مؤشرات على تلف الكُلى. وبعد انقضاء تلك الفترة، سيخضع المرضى للمتابعة الطبية الدورية طيلة ما تبقى من حياتهم.
تستهدف التجربة تقييم مدى فاعلية العملية، من خلال تتبع عدد المرضى المشاركين الذين سيبقون على قيد الحياة بعدها، وكذلك عدد الكُلى المستزرعة التي ستمرُّ من الجراحة بسلام، ومدة بقاء هؤلاء المرضى وهذه الكُلى بعد العملية. كذلك تهدف التجربة إلى قياس مدى كفاءة الكُلى المستزرعة في تصفية الدم، وتتبع التغيُّرات الحادثة في حياة المرضى المشاركين بعد العملية.
يقول فيشمان إن هيئة الغذاء والدواء فرضت الالتزام بفواصل زمنية محددة بين العمليات، تجنُّبًا لأية مفاجآت غير سارة. وتتولى لجنة رقابية مراجعةَ بيانات الأمان والفاعلية الخاصة بالمشاركين الستة الأوائل، وذلك قبل أن تتخذ قرارها فيما إذا كان ينبغي توسيع نطاق التجربة لتشمل عددًا من المرضى يصل إلى 50 فردًا.
وأوضح محمد محيي الدين، وهو جراح وباحث بكلية طب جامعة مريلاند بمدينة بالتيمور الأمريكية، أن التجارب في مرحلتها الثانية ستُجيز للباحثين انتقاء المرضى الذي يتمتعون بحالة صحية أفضل، بالمقارنة بالمرحلة الأولى التي تُجرى فيها الجراحة تحت بند «الاستخدام الرحيم»، وذلك من أجل قياس أمان عملية الزرع وفاعليتها على شريحةٍ أكبر من المرضى.
ويضيف واين هوثورن، وهو جراح متخصص في زراعة الأعضاء بجامعة سيدني الأسترالية، أن نجاح هذه التجربة سيمهّد الطريق لإجراء تجارب إكلينيكية أكبر حجمًا، على مدى زمني أطول.
يشير محيي الدين، الذي قاد في عام 2022 أول عملية لزراعة قلب خنزير في جسد إنسان حي، إلى أنه بصدد تقديم طلب إلى هيئة الغذاء والدواء لبدء تجارب إكلينيكية جديدة؛ وإن كان الحصول على موافقة الهيئة على عمليات زراعة القلب مهمةً أصعب، حسب قوله.
على صعيد آخر، تقدمت شركة أخرى، هي «إي-جينيسِس» eGenesis، الكائن مقرها بمدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، بطلب إلى هيئة الغذاء والدواء للشروع في إجراء تجربة لزراعة أعضاء حيوانية في جسم إنسان، بحسب فيشمان، الذي سبق أن قدَّم المشورة لشركتَيْ «يونايتد ثيرابيوتكس» و«إي-جينيسِس» فيما يخص السلامة الميكروبيولوجية، وسيشارك في إحدى تجارب «إي-جينيسِس» في حال حصولها على موافقة الهيئة. وفي بيانٍ وَرَد إلى Nature عبر البريد الإلكتروني، أفادت شركة «إي-جينيسِس» بأنها تلقت في ديسمبر الماضي موافقة الهيئة على إجراء ثلاث عمليات لزراعة كبد خنزير في جسم إنسان وفق قواعد الاستخدام الرحيم. ولم تعلّق الشركة على الموقف التنفيذي لتجربتها الإكلينيكية.
خنازير مُعدَّلة جينيًّا
تتضمن التجارب الجديدة أن تُزرع في أجساد المشاركين أكبادٌ مُستأصَلة من خنازير مُعدَّلة جينيًّا تعديلًا هدفه الحد من خطر رفض الأجسام البشرية للأعضاء المنقولة إليها.
تربي كل شركة خنازير تحمل مجموعة فريدة من التعديلات الجينيّة، أي تختلف عن التعديلات التي تحملها خنازير غيرها من الشركات. سوف تعتمد شركة «يونايتد ثيرابيوتكس» في تجاربها، مثلًا، على خنازير تحمل عشرة تعديلات جينية، في حين تحمل خنازير شركة «إي-جينيسِس» 69 تعديلًا، أغلبها يستهدف تعطيل عمل الفيروسات التي قد تكون كامنةً في جينوم الخنازير.
كما تستخدم الشركتان سلالتين مختلفتين من الخنازير: حيث تستخدم «إي-جينيسِس» سلالة من الخنازير المتقزمة، وذلك لمنع نمو الأعضاء المزروعة بمجرد زراعتها، أما شركة «يونايتد ثيرابيوتكس» فتعمد إلى تعطيل جين محدد في الخنازير، بهدف منع العضو المزروع من مواصلة نموه بعد عملية الزرع.
لم يخضع سوى خمسة أشخاص في الولايات المتحدة لعملية زراعة عضو مُستأصَل من خنزير، عاش أطولهم بقاءً على قيد الحياة بعد العملية 71 يومًا حتى تاريخ نشر هذا المقال؛ وهو لا يزال في عِداد الأحياء. إن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدلُّ على أن هناك العديد من التحديات التي لا تزال ماثلةً أمام الباحثين في هذا الصدد. وهنا تأتي التجارب الجديدة لتختبر فعَّالية هذه الجراحات على المدى البعيد.
فعلى سبيل المثال، كما يبيّن محيي الدين، سيحتاج خبراء الطب الإكلينيكي في هذه التجارب إلى التحكم في الأجسام المضادة التي تنتِجها أجسام المرضى لمواجهة المستضدات التي تحملها أعضاء الخنازير، وذلك لمنع رفض الأجسام البشرية للأعضاء المزروعة. فضلًا عن ذلك، رُصِد ظهور حالةٍ مَرَضية بعينها لدى الرئيسيات غير البشرية التي خضعت لجراحات زراعة أكباد الخنازير، تتسم باحتواء بول هذه الرئيسيات على كمية مفرطة من البروتين، وفقًا لما أفاد به ديفيد كوبر، أخصائي المناعة المتخصص في عمليات نقل الأعضاء الحيوانية إلى جسم الإنسان بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن.
وذكر كوبر أن الباحثين بذلوا جهودًا مُضنية في محاولةٍ لابتكار طريقة للسيطرة على هذه الحالة، ولم يتأكَّد بعد ما إن كانت ستصيب البشر كذلك.
أضِف إلى ذلك المخاوف من احتمال أن تكون الخنازير حاملةً لفيروسات أو غيرها من مسبِّبات العدوى، فتنقل الأمراض إلى أجساد مَن يخضعون لعمليات زراعة الأعضاء. وفي تعليق لفيشمان حول هذه التخوفات، ذكر أن الفِرَق البحثية تفطَّنت إلى أهمية فحص الخنازير، من جهة، ومتابعة مَن يخضعون لهذه الجراحات، من جهةٍ أخرى، للكشف عن أية عدوى محتمَلة.
لوهان يانج، الرئيسة التنفيذية لشركة «تشي هان بيوتِك» Qihan Biotech المتخصصة في تعديل الجينوم، والكائن مقرها بمدينة خانزو الصينية، هي من بين مؤسسي شركة «إي-جينيسِس»، وتأمل في أن تؤدي موافقة هيئة الغذاء والدواء على هذه التجارب إلى تشجيع الجهات الرقابية المناظِرة لها في أوروبا والصين على النظر في إجراء تجارب مماثلة. منذ عقود ويانج تسمع عن اقتراب اللحظة التي تُزرع فيها أعضاء الحيوانات في جسم الإنسان؛ وها هي اللحظة قد حانت أخيرًا، ولذا رأت في الإعلان عن انطلاق هذه التجارب "قفزةً كبيرة في هذا المجال".
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 4 فبراير 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.21
تواصل معنا: