صورة للعلم في ولاية ترامب الثانية
06 March 2025
نشرت بتاريخ 2 مارس 2025
وفقًا لما خلص إليه استطلاع رأي، ضغوط الموازنة بين التدريس وإجراء الأبحاث العلمية في أوساط شباب الباحثين قد تفاقم حالات القلق والاكتئاب بينهم، ما يفضي بالعديد منهم إلى التفكير في ترك الساحة الأكاديمية.
حقوق نشر الصورة: Maya/Getty.
أظهر استطلاع رأي تفاقُم أعراض القلق والاكتئاب بين عدد من طلاب الدراسات العليا من جراء ضغوط السعي إلى التوفيق بين إجراء الأبحاث العلمية والتدريس. وتأتي حدة الانتقادات اللاذعة التي توجه إلى هؤلاء الطلاب والمبالغة في رفع سقف المأمول منهم لتلقي المزيد من الوقود على النار وتزيد الطين بلة.
فمما أشار إليه الاستطلاع، أنَّ الباحثين الذين وصفوا أنفسهم بأنهم مصابون بأعراض شديدة من الاكتئاب أو القلق، كانوا أكثر عرضة للانسحاب من برامج الدراسات العليا، بنسبة تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف، مقارنةً بمن عانوا أعراضًا أقل حدة.
في هذا الإطار، تقول كاتلين كوبر، الباحثة المتخصصة في تدريس الأحياء في جامعة ولاية أريزونا في مدينة تيمبي الأمريكية، وهي الباحثة الرئيسة في الدراسة التي أطلقت الاستطلاع ونُشرت نتائجها نوفمبر الماضي في دورية «نيتشر بيوتكنولوجي» Nature Biotechnology1: "لا بد وأن تُثار مخاوفنا إذا كنا بصدد أن نخسر بعضًا من ألمع العقول وأبرزها لأنَّنا لا نُوَلي اهتمامًا كافيًا لتأثير برامجنا الأكاديمية على الصحة النفسية للطلاب".
أجرت كوبر وفريقها البحثي 83 مقابلة متعمقة مع طلاب بمرحلة الدكتوراة في عدد من المعاهد الأمريكية، ممن وصفوا أنفسهم بأنهم مصابون بالاكتئاب أو القلق أو كليهما، وذلك بهدف الوقوف على جوانب التدريس وإجراء الأبحاث التي أدت إلى تدهور صحتهم النفسية من جهة، وتلك التي عززتها من جهة أخرى.
بعد ذلك، استعان الباحثون بالمعلومات المستقاة من هذه المقابلات في تصميم استطلاع رأي، شارك فيه طواعية 2161 طالب دراسات عليا من 142 معهدًا أمريكيًا. وعلاوة على استكشاف جوانب التدريس أو إجراء الأبحاث التي عززت الصحة النفسية للطلاب أو أدت إلى تدهورها، تناول الاستطلاع أيضًا أثر أعراض اضطراب الصحة النفسية للطلاب على أدائهم لمهامهم، ووقف على احتمالات أن تدفعهم هذه الأعراض إلى الانسحاب من برامج الدراسات العليا.
كان ما حرك الدراسة هو ورقة بحثية نُشرت عام 2018 في دورية «نيتشر بيوتكنولوجي»2، خلصت إلى أن طلاب الدراسات العليا تزايدت بينهم احتمالية الإفادة بالإصابة بالقلق والاكتئاب، مقارنةً بأقرانهم من العموم. حول ذلك، تقول كارلي بوش، الباحثة المتخصصة في تدريس الأحياء من جامعة واشنطن في ولاية سياتل الأمريكية، وهي بدورها باحثة رئيسة في الدراسة التي صدرت مؤخرًا: "إن الوقوف على الأسباب وراء هذه الظاهرة وفهم الجوانب التي تفاقم مشكلات الصحة النفسية في الدراسات العليا يُعد مجالًا بحثيًا واعدًا".
وأفاد المشاركون في الاستطلاع بأنَّه، فيما يتعلق بإجراء الأبحاث العلمية، فإن ممارسات التعزيز السلبي والمبالغة في رفع سقف المأمول من هؤلاء الطلاب كان لهما أفدح الأثر على صعيد زيادة مستويات القلق والاكتئاب بينهم. وفي سياق التدريس، كان أكثر ما أدى إلى تدهور الصحة النفسية للطلاب هو افتقارهم إلى التدريب في هذا المضمار وإثقال كاهلهم بالمسؤوليات. وبوجه عام، فاقمت عملية البحث العلمي مشكلات الصحة النفسية بين طلاب الدراسات العليا، أكثر مما فاقمها التدريس.
ولا عجب في أن للبحث العلمي هذا التأثير، بحسب ما يرى جابور كيسيمهوك، الباحث في مجال التعليم وسوق العمل، والذي يرأس مبادرة «مرصد الصحة النفسية للباحثين» التابعة لـ«منظمة التعاون الأوروبي في العلوم والتكنولوجيا»Researcher Mental Health Observatory COST Action، وهي مبادرة أوروبية تهدف إلى التصدي لقضايا الصحة النفسية في بيئات العمل بمجال البحث العلمي. فيقول كيسيمهوك: "العمل أكاديميًا أو باحثًا يشكل حسًا قويًا بالهوية. لكنه مجال مليء بالتخبط، إذ تجهل ما ستؤول إليه جهودك على مدار ثلاث أو أربع أو خمس سنوات".
طريق محفوف بالتخبط
تقول باحثة في علم الكيمياء بمرحلة الدكتوراة، ممن شملهم الاستطلاع في شمال شرق الولايات المتحدة: "مرحلة الدراسات العليا تسببت لي في العديد من المشكلات". وقد طلبت عدم الكشف عن هويتها خوفًا من أن يضر إفصاحها عن تجربتها في هذا الإطار بمسيرتها المهنية. وتضيف: "أنا مصابة إما بالقلق أو الاكتئاب، فإن لم أكن مصابة بأحدهما، فأنا مصابة بالآخر".
وتُعزي العديد من أعراض اضطراب صحتها النفسية إلى التحديات التي تواجها في إعداد مشروعها البحثي. وهو ما أوضحته قائلة: "لا شك في أن التحدي الأكبر هو أنني لم أكلل بالنجاح على أية جبهة. إذ لا أحرز تقدمًا كبيرًا في دراساتي، ولا يُتوقع أن أتخرج في الوقت المنشود. لم أعد قادرة على مواجهة أي من هذه الضغوط".
كذلك أفاد المشاركون في الاستطلاع أن إصابتهم بالقلق دفعتهم إلى تجنب بعض المهام، في حين أن الاكتئاب أصابهم بانعدام الحافز وأفقدهم القدرة على التركيز على أهدافهم. في هذا الصدد، تقول كوبر، لافتة إلى النتائج التي توصلت إليها مع غيرها من الباحثين الرئيسيين في الدراسة: "في بعض الأحيان، نظن أن الطالب لا يكترث بالبرنامج الأكاديمي أو لا يرغب في الاستمرار فيه. لكن يُحتمل أنه يعاني بالفعل من بعض اضطرابات الصحة نفسية، وما نراه ليس سوى انعكاسًا لبعض أعراض هذه الاضطرابات. نستقي من ذلك عبرة قوية مفادها أن نكرس الوقت دومًا لسؤال الطلاب عن أحوالهم، وألّا نقفز إلى تبني الافتراضات بشأنهم".
وتقول باحثة علم الكيمياء التي سبق أن أشرنا إلى أنها آثرت عدم الكشف عن هويتها، أنها واجهت صعوبة في التركيز على أكثر من مشروع بحثي في آن واحد، ناهيك عن حضور اجتماعات الفرق البحثية التي يشارك فيها زملاؤها. لكنَّها أشادت بسعة صدر الباحث الرئيسي المشرف على دراساتها وتفهُّمه في هذا الإطار. فعندما أخذت إجازة لمدة عام للتعافي والتفكير فيما إذا كان استكمال الدراسات العليا هو الخيار الصائب لها، أم لا، دعم الباحث الرئيسي لها قرارها دعمًا كليًا. وتقول: "أعتز حقًا بالباحث الرئيس المشرف على دراساتي. فـ60% على أقل تقدير من أسباب عودتي إلى دراساتي يمثلها هو".
وهي تحرز تقدمًا في كتابة بحثها منذ استئنافها لدراساتها، وهي الآن بصدد نشره. وتضيف: "تحسن كل شيء كثيرًا".
وأظهر الاستطلاع أنَّ المشاركين فيه من النساء أو ممن لا ينتمون إلى الثنائية الجندرية أو من أفراد مجتمع الميم أو ممن يعانون من عدم الاستقرار المالي، تزايدت بينهم احتمالية الإفادة بتفاقم الشعور بالقلق والاكتئاب بسبب جوانب في إجراء الأبحاث أو التدريس، منها التعرُض للتعزيز السلبي أو مواجهة الفشل. بالإضافة إلى ذلك، فإن تدهور الصحة النفسية للطلاب الأكاديميين من جراء جوانب مختلفة في الدراسات العليا يعزز احتمالية لجوئهم إلى التفكير في الانسحاب من برامج هذه الدراسات وسلك مسارات وظيفية بديلة.
حلول
لم يقتصر الاستطلاع على دراسة العوامل التي أدَّت إلى تفاقم الاضطرابات النفسية للطلاب أثناء إجراء الأبحاث والتدريس، بل تناول أيضًا العوامل التي أسهمت في تخفيف حدة هذه الاضطرابات. فعلى صعيد البحث العلمي، كان إحراز تقدم في كتابة الأبحاث وتلقي الدعم النفسي لهما الأثر الأكبر في التخفيف من حدة هذه الاضطرابات. أمَّا فيما يتعلق بالتدريس، فكان للتعزيز الإيجابي وشعور الطلاب بالثقة في قدرتهم على التدريس الدور الأكبر في التخفيف من حدة الاضطرابات. تقول كوبر: "كثيرًا ما نعتقد أنَّ الدراسات العليا ما هي إلا تجربة مؤلمة، ولكن من المهم أن نتذكر أنَّ هذا ليس صحيحًا".
وتشجع الدراسة الباحثين الرئيسيين والمشرفين على الطلاب على تقديم الدعم النفسي والتعليقات الإيجابية، عوضًا عن الانتقادات اللاذعة. وتوصي كوبر قادة المختبرات بدراسة موارد الإرشاد التي توفرها هيئة «الأكاديميات الوطنية الأمريكية»US National Academies و«مركز تحسين التوجيه الأكاديمي» Center for the Improvement of Mentored Experiences in Research.
كما تدفع الدراسة بأهمية تلقي طلاب الدراسات العليا تدريبًا مناسبًا في مجال التدريس، فضلًا عن زيادة الدعم المادي الموجه لهم وتيسير الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية النفسية. فتقول كوبر: "أدرك أنَّه ليس بإمكاننا جميعًا إحداث تغييرات كبيرة بين عشية وضحاها، ولكن عندما يكون هدفنا هو استقطاب مجتمع علمي متنوع الأطياف والحفاظ عليه، فلا بد أنْ نبدأ الاهتمام بالصحة النفسية".
doi: https://doi.org/10.1038/d41586-024-04187-3
هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 14 يناير عام 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.22
1. Busch, C. A., Wiesenthal, N. J., Gin, L. E. & Cooper, K. M. Nature Biotechnol. 42, 1749–1753 (2024).
2. Evans, T., Bira, L., Gastelum, J., Weiss, L. T. & Vanderford, N. L. Nature Biotechnol. 36, 282–284 (2018).
تواصل معنا: