هل
يمكن للبكتيريا أن تدعم الرحلات الطويلة عبر الفضاء؟
14 March 2025
نشرت بتاريخ 12 مارس 2025
وفقًا لوثائق حصلت عليها Nature، ربما تشهد الأيام المقبلة وقف الدراسات التي تبحث في صحة مجتمع «الميم»، والهوية الجندرية، والقضايا المتعلقة بالتنوُّع والمساواة والشمول الاجتماعي في أوساط العاملين بمجال الطب الحيوي.
Credit: Gibson Green/Alamy
في سابقة هي الأولى من نوعها، شرعت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH) في قطع عددٍ كبير من المِنَح التي تموِّل مشاريع بحثية قائمة، بداعي أنها لم تعد تلبي "أولويات الهيئة".
تلقَّى موظفو هذه الهيئة الحكومية توجيهات بتحديد المِنَح التي تموِّل مشاريع بحثية في تخصصاتٍ عدة، ربما تمهيدًا لتجميدها، وفقًا لما جاء في تسجيل صوتي ووثائق حصلت عليها Nature. خصَّت المذكرة التوجيهية الأبحاث التي تدرس أحوال العابرين جنسيًّا، والهوية الجنسانية أو الجندرية، وبرامج «التنوُّع والمساواة والشمول الاجتماعي» (التي يُشار إليها ببرامج DEI) بين العاملين في الحقل العلمي، وكذلك الدراسات التي تتناول العدالة البيئية، وأي دراسة أخرى قد يُفهم منها أنها تميِّز على أساس العِرق أو الهوية الإثنية. كما أُخضعت للتدقيق كلُّ المِنَح التي تموِّل مشاريع بحثية بالجامعات الصينية، والأبحاث المتعلقة بتغيُّر المناخ.
أصدرت الهيئة خطابات الإنهاء لما لا يقلُّ عن 16 منحة حتى الآن، حسبما أفادت بريتاني شارلتون، باحثة الأوبئة بكلية تي إتش تشان للصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، والتي تُعنَى بمتابعة هذه الخطابات. وسوف نشهد في قادم الأيام مئات من هذه الخطابات، على حد قول اثنين من موظفي معاهد الصحة، طلبا عدم الإفصاح عن هويتهما لأنهما غير مصرَّح لهما بالحديث إلى وسائل الإعلام.
وفي تعليقٍ أدلت به ليزا فازيو، باحثة علم النفس الإدراكي بجامعة فاندربِلت في ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية، وهي متخصصة في دراسة المعلومات المضللة، قالت: "مما يبعث في النفس قلقًا شديدًا أن تُلغَى مِنَح بحثية اعتمدها المجتمع العلمي، وعدَّها مؤثرةً ومهمةً لفهم العالم، وأن يكون إلغاؤها مبنيًّا على أيديولوجية سياسية. بعد كل هذا التشدُّق بحرية التعبير، ها نحن بإزاء رقابة سافرة تُفرض على البحث العلمي".
تأتي هذه الإجراءات في الشهر الثاني لتولِّي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد السلطة. في أول يوم له بالبيت الأبيض، أصدر ترامب حزمةً من الأوامر التنفيذية "لاستعادة حرية التعبير" لصالح "الشعب الأمريكي"، و"الدفاع عن المرأة ضد غلوّ الأيديولوجية الجندرية"، وذلك عبر حظر تخصيص الأموال الفيدرالية لتمويل المشاريع البحثية التي من شأنها "دعم الأيديولوجية الجندرية أو رعايتها بأي شكل من الأشكال".
وقد توجهت Nature إلى معاهد الصحة، التي تعد أكبر جهة مموِّلة للأبحاث الطبية الحيوية في العالم، بأسئلة تخص قرارات قطع المِنَح ومدى قانونيتها، وعدد المنح التي تزمع الهيئة إنهاءها، لكنها لم تتلقَّ منها ردًّا حتى تاريخ نشر هذا المقال.
الاقتطاعات مقسَّمة إلى فئات
صحيحٌ أن كثيرًا من منح معاهد الصحة تمتدُّ لأكثر من عام، إلا أن الباحث، من حيث المبدأ، يحصل على التمويل لعامٍ واحد، ويكون مطالبًا بتقديم تقرير سنوي للهيئة يوضح مستوى التقدُّم المُحرَز في إنجاز البحث. ثم يُعهد إلى موظفي الهيئة بمراجعة هذا التقرير، وبناءً على هذه المراجعة يقررون إن كانت الهيئة سوف تواصل تمويل البحث.
وقد نما إلى علم Nature أن معاهد الصحة، الكائن مقرها في مدينة بيثيسدا بولاية مريلاند الأمريكية، أصدرت في الآونة الأخيرة تعليماتٍ لموظفيها بمراجعة المشاريع البحثية ذات الصلة ببرامج «التنوع والمساواة والشمول الاجتماعي» (DEI)، سواءٌ المشاريع الجديدة والقائمة، وتصنيفِها إلى أربع فئات: المشاريع التي ينحصر هدفها في دعم أنشطة التنوُّع والمساواة والشمول (الفئة الأولى)، والمشاريع تدعم هذه الأنشطة جزئيًّا (الفئة الثانية)، والمشاريع التي لا تدعمها غير أنها تُورد مفردات وتعبيرات مرتبطة بها (الفئة الثالثة)، والمشاريع التي لا تدعم هذه الأنشطة على أي نحو (الفئة الرابعة).
بحسب المذكرة التوجيهية التي جرى تعميمها على بعض موظفي الهيئة في وقت سابق من الأسبوع الجاري، وتنفرد Nature بنشرها، حظرت الهيئة على معاهدها، البالغ عددها 27 معهدًا، تقديم منحة لأي بحث يندرج تحت الفئة الأولى. وبالنسبة إلى الأبحاث الواقعة في الفئة الثانية، يتعيَّن أن يُراجَع فيها الباحثُ الرئيس أو المؤسسةُ الحاصلة على المنحة لحذف كل ما يتصل بالأنشطة آنفة الذكر. وجاء في المذكرة أنه إذا تعذَّرت المراجعة، فعلى المعهد أن يعمل على قطع المنحة.
أما أبحاث الفئة الثالثة فيمكن أن تتواصل بغير معوقات ما دام طلب الحصول على المنحة وتقرير الإنجاز خاليين من أي ذِكر لمفردات أو عبارات مرتبطة بتلك الأنشطة. وأما أبحاث الفئة الرابعة فيمكن أن تستمر كما هي.
على الرغم من تركيز المذكرة التوجيهية على الأنشطة ذات الصلة ببرامج التنوع والمساواة والشمول الاجتماعي، نجد أنها تحوي كذلك ملحقًا يضم نماذج وأمثلة على صنوف البحث الأخرى التي تعتزم الهيئة قطع الدعم عنها. ومن هذه الأنواع التي سوف يُرفع عنها الدعم، المشاريع البحثية الجارية في الصين، وتلك التي تتناول "قضايا العابرين جنسيًّا".
صاغت هذه المذكرة ليزا بونديسن، التي كانت تشغل آنذاك منصب نائب مدير مكتب الأبحاث الخارجية (OER)، التابع لمعاهد الصحة، واعتمدها ماثيو ميمولي، مدير الهيئة، حسب رسالة إلكترونية حصلت Nature على نسخة منها. سوف تخرج بونديسن من الهيئة في السابع من مارس الجاري، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على صعودها إلى مقعد مدير مكتب الأبحاث الخارجية، وفقًا لما أفاد به مسؤول بالهيئة طلب عدم الإفصاح عن هويته لكونه غير مصرَّح له بالحديث إلى وسائل الإعلام.
على أن المذكرة لم توضِّح الأساس الذي يُحدَّد بناءً عليه إن كان المشروع البحثي ينطوي على تمييز؛ وهو ما أشاع حالةً من القلق والارتباك بين العاملين بالهيئة، على حد قول مسؤول آخر. وأضاف أن الكثيرين يخشون أن يفقدوا وظائفهم؛ وهو عامل ربما يؤدي بهم إلى الإسراف في التحوُّط، والتشدُّد في تطبيق التعليمات، فتكون النتيجة عرقلة مزيد من الأبحاث، بما يتجاوز الحد "المطلوب". وساق مثالًا عن ذلك، فقال: "هَبْ أن منحةً تقدِّم الرعاية للأفراد من أصول هسبانية ولاتينية، وتراعي خصوصيتهم الثقافية: هل هذا يُعد تمييزًا؟"
تفريط في البيانات
في ساعةٍ متأخرة من ليل الثامن والعشرين من فبراير الماضي، تلقَّت تارا ماكاي، التي تدرس صحة الأقليات الجنسية والجندرية (التي يُطلق عليها مجتمعة «مجتمع الميم» LGBT+) بجامعة فاندربِلت، رسالةً عبر البريد الإلكتروني من معاهد الصحة الوطنية. جاء فيها أن الهيئة قررت سحب تمويلها لمشروع ماكاي البحثي الذي كان يستهدف متابعة صحة أكثر من 1200 شخصٍ بالغ من المنتمين إلى «مجتمع الميم» في الولايات المتحدة.
تهدف دراسة ماكاي إلى الوقوف على مصادر التوتر والصلابة النفسية لدى أفراد «مجتمع الميم»، وإخضاعهم لفحص إدراكي، وجمع عينات دم منهم لفهم أثر تقدُّمهم في السن على مدى عشر سنوات. تقول الباحثة: "الدراسات الطولية تستقي قيمتها من النقاط الزمنية" المتباعدة التي تُجمَع فيها البيانات. ولما كان الأمر كذلك، فإن إلغاء المنحة ولمَّا تبلغ الدراسة غايتها يعني التفريط في بيانات المتابعة، حسب قولها. وأضافت: "هذا تبديد لقيمة الأموال التي أُنفقت من قبل".
وَرَد في الرسالة التي تلقَّتها ماكاي أن المنحة المقدَّمة لها لم تستوفِ اشتراطات بعينها، مشيرةً إلى تعرُّض الدراسة "لمسائل متعلقة بالتحوُّل الجنسي"، وذكرت أن مثل هذه البرامج البحثية "لا تقوم عادةً على أساس علمي، وليس لها عائد استثماري معروف، كما أنها لا تسهم بأي قدر في تحسين صحة الكثرة الكثيرة من الأمريكيين". وهي نفس الصياغة الواردة في المذكرة الداخلية التي جرى تعميمها على موظفي معاهد الصحة.
تقول ماكاي إن عملها البحثي لا يرتكز على تجربة العابرين جنسيًّا، وكل ما هنالك أن الدراسة تضم أشخاصًا يصنِّفون أنفسهم على أنهم كذلك. وتعلِّق قائلة: "لا نريد لهذه المجموعات أن تُستبعَد من عملنا البحثي".
واحد من كل عشرة بالغين في الولايات المتحدة تقريبًا يصنِّف نفسه على أنه ينتمي إلى مجموعات «الميم»، وترتفع هذه النسبة بين الفئات الأحدث سنًّا إلى الضِّعف تقريبًا، بالنظر لما تحظى به هذه المجموعات من تقبُّل اجتماعي في هذه الفئات العمرية، وذلك حسبما أفادت به شارلتون، التي تقول: "ندرك أن [هذه المجموعة] تواجه من التمييز الشيء الكثير، وأن هذا الأمر يضرُّ بالصحة العامة ضررًا جسيمًا". وتابعت: "علينا أن نجد طريقة لمواصلة عملنا".
ترى فازيو أن قطع المِنَح البحثية خطوة تبثُّ الخوف في نفوس الباحثين، وتبعث إلى الجامعات والباحثين رسالةً مفادها أنهم لا يمكنهم الوثوق في احترام الجهات المانحة لهذه المِنَح والالتزام بها. لن يَسلم من هذه الإجراءات حتى الأبحاث التي تُجرى على الحيوانات، إن كانت متصلةً بالموضوعات المشار إليها آنفًا: فبعدما أتى ترامب على ذِكر الدراسات التي "تحوِّل الفئران جنسيًّا" في خطابه أمام الكونجرس في الرابع من مارس الجاري، أصدرت وزارة الكفاءة الحكومية، التي تتلقَّى المشورة من رائد الأعمال الملياردير إيلون ماسك، منشورًا عبر صفحتها على منصَّة التواصل الاجتماعي «إكس» X، أعلنت فيه أن معاهد الصحة الوطنية ألغت سبع مِنَح، منها منحتان على الأقل كانتا تموِّلان أبحاثًا تستهدف إعداد نماذج من القوارض لاختبار علاجات هرمونية.
وأضافت فازيو أنَّ من عجبٍ أنْ تتغنَّى حكومة بالكفاءة، ثم تُقدِم على إلغاء هذه المشاريع البحثية في منتصف الطريق. وقالت: "نحن نفقد بذلك نتائج هذه المشاريع التي يمكن أن تسهم في [تعزيز] صحة الشعب الأمريكي".
إشكاليات قانونية
قرار إدارة ترامب قطع مِنَح معاهد الصحة الموجَّهة إلى دراسات تتناول موضوعاتٍ بعينها ليس سوى مسعًى جديد من الرئيس وإدارته لإجهاض برامج التنوُّع والمساواة والشمول الاجتماعي.
في السابع والعشرين من يناير الماضي، حاول مكتب الإدارة والميزانية الأمريكية تجميد جميع المِنَح والقروض الفيدرالية، بداعي أنه كان بحاجةٍ إلى مراجعة الإنفاق الحكومي بما يجعله متماشيًا مع ما جاء في أوامر ترامب التنفيذية التي نصت على إنهاء هذه البرامج، التي وصفها بأنها "غير قانونية، وغير أخلاقية". إلا أن قاضيًا فيدراليًا أوقف قرار التجميد مؤقتًا في التاسع والعشرين من الشهر نفسه، ثم شجب موقف الإدارة الأمريكية في وقتٍ لاحق لعدم امتثالها لقراره.
وأصدر القاضي نفسه قرارًا ثانيًا وجَّه فيه الحكومة الأمريكية إلى استئناف تمويل الهيئات الحكومية، خاصًّا بالذِّكر معاهد الصحة الوطنية، ليثير بذلك التساؤلات حول مدى قانونية قرارات قطع المِنَح، على حد وصف ديفيد سوبر، الباحث المتخصص في القانون الإداري بمركز القانون التابع لجامعة جورج تاون في العاصمة واشنطن. يقول: "ربما تكون هذه الإدارة غير مهتمة بهذه الأبحاث، أو غير [راغبة] في دعمها، لكنها ستكون مخالِفةً لهذا الأمر [القضائي] إن أنهت [أي منحة] لأسباب لا تندرج تحت طائلة سوء السلوك البحثي".
يقول سوبر إنه مع إقدام معاهد الصحة على قطع مِنَح قائمة، وتعطيل أخرى جديدة، وفي ظل تعليق العديد من جلسات مراجعة المِنَح، "ستجد الهيئة صعوبة بالغة في إنفاق ما بحوزتها من أموال بنهاية العام المالي الجاري، الذي ينتهي في الثلاثين من سبتمبر المقبل". وأوضح أن هذا يرقى إلى "احتجاز" اعتمادات مالية صادَق عليها الكونجرس، بالمخالفة للقانون.
مذكرة توجيهية صادرة عن معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (بالإنجليزية)
* هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 6 مارس 2025.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.28
تواصل معنا: