مقالات

عشر شخصيات أسهمت في رسم ملامح المشهد العلمي في عام 2024

Published online 22 ديسمبر 2024

خبيرة في كشف الاحتيال العلمي، ومبتكر فكرة ساعة نووية، ورائد تعقُب فيروسات: هؤلاء ليسوا إلا بعضًا من الشخصيات البارزة التي اُختيرت ضمن قائمة دوريةNature  لأبرز عشر شخصيات على الساحة العلمية هذا العام.

Image: Mark A. Garlick

قائمة دورية Nature لأبرز عشر شخصيات ترصد التطورات المهمة على الساحة العلمية في العام المنصرم وتروي قصص بعض من يقفون وراءها. وهي قائمة مختارة أعدها محررو دورية Nature  بهدف تسليط الضوء على التوجهات العلمية المهمة في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب، فضلًا عن الإشادة بالدور الذي يضطلع به الباحثون في تشكيل عالمنا. وتتنوع إنجازات الشخصيات العشر الأبرز لهذا العام ما بين وضع تصور مبتكر لكيفية التنبؤ بالطقس، وصولًا إلى قيادة أمة .

إكهَرد بايك: مُبتكر أول ساعة نووية في العالم 

بقلم: إليزابيث جيبني

اعتقد إكهَرد بايك أنه لن يستغرق سوى بضعة أشهر في ابتكار المكونات الأساسية لساعة ثورية جديدة. كان هذا في عام 2001، عندما طَرح مع زميله كريستيان تام فكرة جهاز بإمكانات قد تجعله أخف وزنًا وأكثر دقة من أفضل الساعات الذرية على مستوى العالم. 

 

إكهَرد بايك
إكهَرد بايك
Credit: Maria Feck for Nature 

إلا أن حسابات بايك أبخست تقدير هذه المدة بما يزيد على عقدين من الزمن. لكن هذا العام، نَجح أخيرًا مع فريقه ومجموعتين بحثيتين أخريين في ترجمة الفكرة التي اقترحها مع زميله تام إلى واقع، حيث تمكنوا من استحداث أول دَقَّة لساعة تعتمد على التغُّيرات الدقيقة في مستويات الطاقة داخل نواة ذرية.

وتجدر الإشارة إلى أن أفضل الساعات الذرية في العالم تعتمد في حساب الوقت على رصد التحولات في طاقة الإلكترونات التي تدور حول نواة الذرة. وتمتاز تلك الساعات بأنها فائقة الدقة، حيث تخطئ تقدير الوقت بمقدار ثانية واحدة فقط كل 40 مليار سنة.

وبايك وتام هما العالمان اللذان تفتّقت عن ذهنيهما فكرة استخدام النويات الذرية، وكلاهما فيزيائي في المعهد الألماني الوطني للقياس (PTB) في مدينة شارلوتنبورج الألمانية. ويشاركنا بايك رحلته للخروج بهذا الابتكار قائلًا: "كنا نعتقد أننا سنتمكن سريعًا جدًا من إجراء تجربة من نوع ما تثبت فكرتنا". ولأكثر من عام، جربا طْرقًا مختلفة لتحفيز نويات عنصر الثوريوم-229 المُشع على الوصول إلى حالة الاستثارة.   بعدها، تعين عليهما ضبط ترددات أشعة الليزر لتواكب هذا التغير في طاقة نواة العنصر، وأخيرًا استخدام ترددات الليزر لقياس الوقت. لكن، بتعبير بايك، "باءت جميع التجارب بالفشل". وفي عام 2003، نشر الثنائي طرحهما غير المُثبت (E. Peik and C. Tamm Europhys. Lett. 61, 181.2003).

ومع أن تام تقاعد لاحقًا، واصل بايك تكريس جهوده للعمل على هذه المشكلة. وآتت مثابرته ثمارها في العام الجاري، عندما أصبح فريقه البحثي الأول من بين ثلاثة فرق نجحت في استثارة النواة لجعلها تولّد "دَقَّة". لكن لا يزال أمام هذا النوع من الأنظمة شوط طويل قبل أن يتمكن من حل محلّ الساعات الأدق في الوقت الراهن. غير أن الشرارة الأولى لهذه الثورة قد انطلقت. "والكل يريد أن يكون جزءًا منها"، حسبما يفيد ثورستن شوم، اختصاصي الفيزياء النووية وزميل بايك في جامعة فيينا للتكنولوجيا.

لطالما أسرت الساعات الدقيقة اهتمام بايك. فكان يجد اتحاد الفيزياء الأساسية مع عدد من التطبيقات العملية فيها ساحرًا. وقد خطرت له فكرة ابتكار نوعٍ جديد تمامًا من الساعات، عندما لاحظ زميله في المعهد، أخصائي القياس أوفه شتير، سمة غريبة في المؤلفات العلمية المُتعلقة بالفيزياء النووية. إذ أشارت الدراسات إلى أن نواة عنصر الثوريوم-229 تحتاج للوصول إلى حالة الاستثارة إلى مستوى منخفض إلى حد عجيب من الطاقة، بحيث يمكن تحفيز انتقالها إلى هذه الحالة باستخدام جهاز ليزر دقيق. وقد وجد علماء الفيزياء النووية هذا الانتقال مثيرًا للفضول. أما بايك وتام، فأدركا أن بإمكانهما استغلال هذه الخاصية لصُنع ساعة.  حول هذا، يقول بايك: "كان من المنطقي تمامًا بالنسبة لنا المضي بهذه الفكرة، إذ لم يقدم أحد من قبل على ذلك".

وسرعان ما وعى بايك من خلال انغماسه في دراسة الفيزياء النووية، أن ساعةً تعتمد على عنصر الثوريوم-229 سيكون لها العديد من المزايا.  فساعة كتلك لن تتفوق على الساعات الذرية في دقتها فقط، بل ستكون أيضًا أكثر متانة؛ لأن النواة التي تستخدمها أقل تأثرًا بالحقول الكهرومغناطيسية مُقارنة بالإلكترونات.

ولينجح ابتكار بايك وتام، كان عليهما الوقوف على الطاقة المطلوبة لتحقيق الانتقال إلى حالة الاستثارة. حينها أعمل الباحثان قريحتهما الإبداعية، فعرَّضا عنصر الثوريوم بصورة مكثفة لضوء المصابيح والليزر والإشعاعات عالية الطاقة لدفع نوياته إلى الانتقال سريعًا إلى مستوى طاقة أعلى. إلا أن كل طريقة مُنيت بالفشل. ومع ذلك، كانا يتعلمان شيئًا جديدًا مع كل محاولة. ويقول بايك إن ذلك في حد ذاته كان كافيًا لدفعِهما للاستمرار.       

ويُشيد شوم، الذي انضم إلى المشروع في عام ٢٠١٠، بثقة بايك في أفكاره، قائلًا: "شخصية أخرى لم تكن لتثابر إلى هذا الحد".

وقد تحقَّق هذا النصر العلمي بفضل توسعة الثنائي لنطاق المشروع، لينهض به اتحاد على مستوى أوروبا يستخدم العديد من المقاربات البحثية. ولا يزال مختبر شوم يُجرب بعض الأفكار الواردة في أطروحة عام 2003، حيث بدأ بطمر تريليونات من ذرات عنصر الثوريوم-229 داخل بلورة، لتعزيز إشارة التغير في مستوى الطاقة ليسهُل رصدها.  في الوقت نفسه، صمم مختبر بايك جهاز ليزر يستخدم الأشعة البنفسجية يمكنه تحقيق استثارة نواة الثوريوم-229.

وفي عام 2023، من خلال إنتاج عنصر مشع قصير الأجل يتحوّل لاحقًا إلى عنصر الثوريوم-229، رصد فريق بحثي في الاتحاد سالف الذكر، من المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات (سيرن) الكائن بالقرب من مدينة جنيف في سويسرا، تغيرًا في مستوى طاقة النواة يحدث بشكلٍ تلقائي. 

 حينها، أصبح لدى فريق بايك وشوم فكرة أفضل عن المسار البحثي الذي عليهما أن يسلكاه، وباكتشاف تردد الليزر المناسب، نجحا في تحفيز التغير في مستوى طاقة النواة الدال على الاستثارة. ويصف بايك شعور فريقه حينذاك، قائلًا: "سرى بيننا جميعًا شعور بالحماس".

ومنذ ذلك الحين، اتخذ الفيزيائيون في الولايات المتحدة الخطوة الأولى نحو ترجمة هذا التغير في مستوى الطاقة إلى ساعة مسجلة للوقت. ولأن دقات الساعة تعتمد على تفاعلات القوى الأساسية داخل النواة؛ يستخدم الباحثون هذه الدقات لسبر الفيزياء الأساسية للأشياء، كدراسة طبيعة المادة المُظلمة.

لكن لتُحقق الساعات النووية ما تبشر به من إمكانات، يحتاج الفيزيائيون إلى تطوير أشعة ليزر أكثر دقةً وأصغر حجمًا. كما يتعين عليهم الوصول إلى فهم أعمق لمسببات اضطراب عمل الساعة، مثل تأثير نوع مادة البلورة في تغيُر مستوى الطاقة. واليوم، بينما يشهد المجال انطلاقة، لا ينوي بايك التراخي. ويقول: "مُجددًا، المسألة رهن بالتأني في الخروج بالأفكار وفي إحراز تقدم في التجارب العملية. أتحرق شوقًا لمعرفة ماذا سيتكشف بعد".

كيتلين خاراس
كيتلين خاراس
مصدر الصورة: Laura Proctor (لدورية Nature)

كيتلين خاراس: طالبة دكتوراه انتزعت علاوة كبيرة للباحثين الكنديين

بقلم: بريان أوينز

في السادس عشر من إبريل من العام الجاري، كانت كيتلين خاراس ضمن مجموعة صغيرة مختارة من الأشخاص الذين استقبلهم مكتب مقابل لمبنى البرلمان الكندي، حيث سُمح لهم بإلقاء نظرة على أحدث صيغة للميزانية الكندية.

ويرجح أن هذا الحدث الفريد أضفى سعادة غامرة على طالبة الدكتوراة تلك، التي انتظرت لزمن طويل مطالعة محتويات تلك الأوراق الحكومية الباعثة على الضجر، حول أكبر قفزة في الرواتب خلال 20 عامًا لطلاب الدراسات العليا وباحثي مرحلة ما بعد الدكتوراة في كافة أنحاء كندا. كذلك، أقرت الميزانية زيادة ضخمة في أعداد المنح الحكومية للباحثين وفي قيمة كل منحة. في هذا السياق تقول خاراس: "غمرني شعور عارم بالحماس والسعادة حين اطلعت على تلك الأرقام".

جاء ذلك تتويجًا لجهود استمرت على مدى الأعوام الست الماضية، والتي تولت خاراس في آخر ستة شهور منها إدارة زمام مشروع المطالبة بهذه الزيادات الممنوحة.

في ذلك الصدد، يقول مارك جونسون، اختصاصي علم الأحياء من جامعة تورونتو الواقعة في مدينة ميسيساجا الكندية والذي اشترك في إطلاق حملة «تشجيع العلم في بلدنا» Support Our Science (SOS) في عام 2022، إن منظمي الحملة أدركوا منذ البداية أهمية أن يضطلع طلاب الدراسات العليا بإدارتها وأن يعربوا من خلالها عن رؤاهم وتطلعاتهم.

وقد كانت سارة لافرامبواز، طالبة الدكتوراة من جامعة أوتاوا الكندية، أول مديرة تنفيذية للحملة. وعندما تركت منصبها في نوفمبر من عام 2023، اختار جونسون ومجلس إدارة الحملة خاراس، التي كانت في هذا الوقت تُعدّ رسالة دكتوراة في سرطان المخ بين الأطفال بجامعة تورونتو الكندية، خلفًا للافرامبواز. حول ذلك، يقول جونسون: "تميزت كيتلين بتعاملها مع القضايا بمهنية وفصاحة، وبمواكبتها لأحدث التطورات"، مضيفًا: "كانت هي وسارة خير ممثل ومتحدث باسمنا، ويعود الفضل لهما في ترجمة رؤيتنا إلى خطوات ملموسة".

 وقد تطلبت الحملة حشد تجمعات، وعقد اجتماعات مع وزراء الحكومة الكندية، وتدشين حملات على البريد الإلكتروني. كذلك عُقد ضمن فعالياتها مؤتمر صحفي خلال الأشهر القليلة التي سبقت إصدار الميزانية، دُعي فيه المؤيدين للحملة إلى كتابة الرسائل إلى كل من رئيس الوزراء ووزيرة المالية. إلا أن خاراس تذكر أن الحدث الأكثر تأثيرًا في هذا الإطار كان الإضراب الذي اندلع في شهر مايو من عام 2023. فبعد امتناع الحكومة عن زيادة المخصصات المالية للمنح البحثية في ميزانيتها لعام 2023، توقف ما يقرب من 10 آلاف باحث ينتمون إلى 46 مؤسسة بحثية في كافة أنحاء البلد عن العمل تعبيرًا عن احتجاجهم.

آنذاك، أسهمت خاراس في تنظيم الإضرابات داخل المؤسسات المحلية، كما اجتمعت مع كريستيا فريلاند وزيرة المالية التي احتشدت المسيرة الاحتجاجية المنطلقة في مدينة تورونتو أمام مكتبها. وعن هذا اللقاء، تقول خاراس: "كان أجمل لحظات الحملة بالنسبة لى".

كان ركود الاستثمار في البحوث الأساسية وارتفاع تكلفة المعيشة قد خلقا أزمة لشباب الباحثين، الذين بدأوا يدركون أن وظائفهم تهدد استقرارهم المادي وصحتهم النفسية.

وتعد قفزة الرواتب التي نجحت خاراس والحملة في تحقيقها لكافة أنحاء البلد مما يندر حدوثه، وإن كانت تحركات باحثين آخرين قد كللت بالنجاح على مستوى مناطق محدودة. على سبيل المثال، هذا العام، ساعدت التحركات التي نهضت بها النقابات المهنية الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراة بكلية إيكان ماونت سايناي للطب في مدينة نيويورك الأمريكية في زيادة رواتبهم. كذلك، أسهمت الإضرابات واسعة النطاق التي شهدتها جامعة كاليفورنيا الأمريكية عام 2022 في زيادة رواتب الباحثين هناك. أما على مستوى الدول، فقد رفعت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية US National Institutes of Health رواتب جميع طلاب الدراسات العليا والباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراة شهر إبريل الماضي، بناءً على توصيات إحدى مجموعات العمل.

وتعزو خاراس نجاح الحملة إلى أنها ساقت طرحًا يتسق مع أولويات الحكومة الكندية الحالية، إذ شددت الحملة على الدور الاقتصادي الذي يسهم به البحث العلمي والتنوع الطيفي بين طلاب الدراسات العليا.

 ورغم أن خاراس كانت ممثلة الحملة والمتحدثة باسمها، فقد أثنت على الأدوار التي لعبتها أطراف عديدة أخرى بها من داعمي الحملة والمتطوعين والمنظمين المنخرطين فيها، لا سيما لافرامبواز، وكورتني روبيشو نائبة رئيس الحملة. قتقول في هذا الصدد: "لم تكن الحملة لتنجح من دون الوقت والطاقة اللذين بذلهما الجميع".

ورغم أن هذه الزيادة في الرواتب لن تشمل خاراس وعديدًا ممن تعاونت معهم من الطلاب والباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراة  (إذ إن خاراس انتهت بالفعل من دراستها في شهر سبتمبر الماضي)، إلا أنها تشعر بالفخر لأن أوضاع البحث العلمي في كندا تحسنت على أثر جهودها.

فتقول: "لن يكون لهذه الأموال تأثير مباشر علينا، إلا أننا حرصنا كل الحرص على أن نترك لكل من سيأتي بعدنا منظومة علمية وبحثية كندية قادرة على النمو والاستدامة واستيعاب شتى الأطياف".

لي شونلاي
لي شونلاي
مصدر الصورة Jin Liwang/Xinhua News Agency

لي شونلاي: قائد دراسة أول صخور مستخرجة من الجانب البعيد للقمر

بقلم: سمريتي ملاباتي

في الخامس والعشرين من يونيو الماضي، تابع لي شونلاي بحماس كبسولة فضائية حملت أول عينات جيولوجية مستخرجة من الجانب البعيد من القمر خلال هبوطها على الأرض. وقتها حدَّث شونلاى نفسه قائلًا: "أخيرًا، وقعتِ بين يداي أيتها العينة!"، وكأنما يخاطب غريمًا أمضي سنوات في محاولة التفوق عليه دهاءً ومكرًا.

جاءت هذه اللحظة تتويجًا لعقود طويلة من الجهود المضنية، بذلها لي نائب رئيس وكبير مصممي بعثة الفضاء الصينية «تشانج إي-6» Chang’e-6، التي انطلقت إلى القمر في الثالث من مايو الماضي. وقد أمضت مركبة هبوط البعثة البالغ وزنها 3200 كيلو جرام، أي ما يعادل وزن شاحنة صغيرة، يومين في حفر سطح هذا الجرم والتقاط بعض المواد الموجودة على سطحه قبل إرسال هذه العينات إلى الأرض.

ولعب لي دورًا محوريًا في تحديد موقع هبوط المركبة على سطح القمر، كما كان من ضمن أول من أجروا تحليلًا للصخور التي حملتها المركبة في رحلة عودتها إلى الأرض. ويتولى مع فريقه المكون من نحو 70 عضوًا دراسة البيانات المجمعة خلال البعثات الفضائية التي تطلقها الصين، بما في ذلك الإشراف على تخزين العينات وتوزيعها. فحسبما يقول جيمز هيد، اختصاصي الجيولوجيا الكوكبية من جامعة جورج تاون بمدينة بروفيدانس في ولاية رود آيلاند الأمريكية والذي جمعته بلي علاقة تعاون طويلة: "يتميز لي ببراعته في التنسيق".

ويقول لي إنه حين كان باحثًا شابًا يدرس الجيولوجيا والكيمياء الكونية، لم يكن ليتخيل يومًا أنه سوف يمسك بين يديه عينات مستخرجة من القمر. لكنه أصبح بمرور الأيام جزءًا من الفريق الذي شارك في تحديد الأهداف العلمية للبرنامج الصيني لاستكشاف القمر منذ انطلاقه، والذي شهد إرسال بعثة «تشانج إي-1»Chang’e-1  في دورة حول القمر في عام 2007. أما البعثة الحالية فهي ثان ما يشرف عليه لي من بعثات جمع العينات والعودة بها إلى الأرض من القمر في إطار عمله لدى إدارة الفضاء الوطنية الصينية. إذ لعب دورًا مشابهًا في البعثة الفضائية «تشانج إي-5»Chang’e-5  التي جلبت عينات تربة وصخورًا من جانب القمر القريب من الأرض.

وبحسب ما يفيد باحثون، من المتوقع أن تكشف هذه الشحنة الأخيرة، التي تتضمن نحو كيلوجرامين من المواد القمرية المأخوذة من نصف القمر غير المكشوف للأرض، عن أسرار عديدة حول المراحل الأولى من تطور القمر والكواكب الواقعة فيما ورائه.

فيقول باتريك بينيه، اختصاصي العلوم الكوكبية من معهد بحوث الفيزياء الفلكية والعلوم الكوكبية في مدينة تولوز الفرنسية: "نحلم منذ زمن بالحصول على عينات من جانب القمر البعيد عن الأرض".

بعد يوم واحد من وصول الكبسولة إلى كوكب الأرض، كانت تقبع داخل مختبر لي الواقع في مبنى المراصد الفلكية الوطنية بالعاصمة الصينية بكين. عندئذ، باستخدام أدوات شتى، استغرق لي وفريقه عدة أيام في التحايل على أقفال الكبسولة لتحرير المواد الثمينة الحبيسة داخلها، بطرقها طرقًا مدويًا تارة ولي أجزاء منها تارة أخرى. بعد ذلك، عمد الفريق إلى تخزين تلك المواد في صناديق مملوءة بالهيدروجين للحفاظ عليها. كان مسحوق تلك المواد الغبارية "ناعمًا وخفيفًا" و"احتفظ إلى حد كبير بحالته"، على حد قول لي. كما تميزت العينات بلون أفتح من العينات المستخرجة من جانب القمر القريب من الأرض. ويعلق لي على ذلك قائلًا: "إنها لعينات نفيسة!".

جُمع الصخر والغبار في العينات من أعمق نقطة داخل حوض «أيتكين» Aitken بالقطب الجنوبي للقمر، والذي يُعتقد أنه أضخم الفوهات الصدمية الموجودة على سطح الجُرم وأقدمها. وقد وقع الاختيار على هذا الموقع نظرًا لتنوع المواد التي قد يحتوي عليها، مثل تدفقات الحمم وشظايا القشرة القمرية، بل وشظايا الغلاف الواقع أسفل القشرة. وعن هذه العينات، يقول يي شو، اختصاصي العلوم الكوكبية من جامعة ماكاو للعلوم والتكنولوجيا بالصين، إنها "بمثابة سجل يسرد تاريخ جميع الأحداث الجيولوجية السابقة".

أما يوكي تشيان، اختصاصي الجيولوجيا الكوكبية من جامعة هونج كونج، فيقول إن دراسة هذه العينات سوف تسهم في الكشف عن "الكثير من أسرار القمر."

ومن بين أهم ما قد يتكشف من تلك الأسرار، بحسب ما يوضح هيد، العوامل التي تصنع الاختلاف الكبير بين شكل الجانب البعيد من القمر وشكل الجانب القريب منه. إذ تتميز القشرة في هذا الجانب البعيد بأنها أكثر سمكًا وأقل خصوبةً بالعناصر المشعة. لذلك، فإن فهم تاريخ القمر يمثل خطوة فارقة في فك شفرات تطور كواكب أخرى مثل المريخ والزهرة وعطارد، مضيفًا: "تلعب دراسة القمر دورًا محوريًا في فهم تطوُر الكواكب بصفة عامة".

وفي سبتمبر الماضي، نشر لي وفريقه البحثي، وصفًا مبدئيًا للعينات المذكورة (C. Li et al. Natl Sci. Rev. 11, nwae328 2024). كما أفادت ورقتان بحثيتان للفريق نشرتا في نوفمبر الماضي بأن جانب القمر البعيد عن الأرض شهد نشاطًا بركانيًا حتى زمن قريب، يفصلنا عنه اليوم 2.8 مليون عامًا فقط(Q. W. L. Zhang et al. Nature http://doi.org/g8rffr (2024); Z. Cui et al. Science http://doi.org/ns2w; 2024)..

ويتطلع اختصاصيو العلوم الكوكبية في كافة أنحاء العالم في الوقت الحالي إلى الحصول على بعض هذه العينات. ورغم أن المختبر الذي ينتمي إليه لي قد وزع بالفعل نذرًا قليلًا من هذه العينات على عدد من الفرق البحثية في ربوع الصين، إلا أن العينات لن تكون متاحة للباحثين خارج البلاد إلا بعد عدة سنوات، بحسب ما ذكره لي، لكي تُمنح الأولوية للعلماء الصينيين. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة فيضًا وفيرًا من نتائج الأبحاث العلمية، إذ يتطلع لي إلى إرسال مزيد من البعثات الفضائية الصينية المعنية بجمع العينات والعودة بها إلى الأرض، ومنها بعثات إلى بعض الكويكبات القريبة من كوكب الأرض في عام 2025، وبعثات إلى كوكب المريخ بعد ذلك بعدة أعوام. تعقيبًا على ذلك، يقول لي إن الرؤى المتعمقة التي أسهمت بعثة هذا العام إلى القمر في صياغتها "ما هي إلا نقطة البداية."

 

آنا أبالكينا
آنا أبالكينا
مصدر الصورة: Stefani Loos (لدورية Nature)

آنا أبالكينا: خبيرة كشف الاحتيال العلمي الجسورة

بقلم: هولي إلس

في مطلع هذا العام، اكتشفت آنا أبالكينا أن اسمها يرِد ضمن أحد قوائم المراقبة التابعة لوكالة «روسكومنادزور» Roskomnadzor  الروسية، وهي وكالة لرصد أنشطة مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد حاولت أبالكينا، التي تحمل الجنسية الروسية وتعمل الآن في العاصمة الألمانية برلين، ألا تجزع من هذا الإجراء، وأن تقنع نفسها بأنه لن يمثِّل أي خطورة إذا قررت العودة إلى روسيا. لكن بتعبيرها، "المشكلة تكمن في أنه لا يمكن الجزم بذلك". كما أن زملاءها نصحوها بعدم العودة.

والسبب وراء ترصد النظام الروسي لألبالكينا هو أنها كرَّست 13 عامًا من عمرها للقضاء على ممارسات الاحتيال في الأبحاث الأكاديمية. كما أن جهودها لكشف السرقات العلمية وفضح الشركات التجارية التي تبيع أبحاثًا مزورة، (ويُطلق عليها «مصانع فبركة الأوراق البحثية»)، كانت معنية في المقام الأول بروسيا ودول ما عُرف سابقًا بالاتحاد السوفيتي، ومؤخرًا بإيران والهند أيضًا.    

كذلك تولت ألباكينا على المستوى العالمي تتبُع أنشطة الدوريات العلمية المقرصَنة، وهي مواقع رقمية تنتحل وتستنسخ أسماء ومواقع بعض الدوريات العلمية الحقيقية بهدف خداع الباحثين والحصول منهم على رسوم مقابل النشر. وقد أوضحت أبالكينا أن تلك المواقع المقرصَنة، تعمد إلى تلميع وتبييض صورتها من خلال إدراجها على قواعد بيانات بحثية شهيرة مثل «سكوبوس»Scopus . من هنا، حذفت شركة النشر «إلسيفير» Elsevier التي تملك قاعدة البيانات «سكوبوس» في ديسمبر الماضي كافة الروابط المتصلة بمواقع الدوريات بهدف القضاء على هذه المشكلة، مشيدة بجهود أبالكينا. إلا أن أبالكينا أفادت في شهر يونيو الماضي أن عددًا من الدوريات العلمية المقرصنة لا يفتأ يتسرب إلى قاعدة بيانات «سكوبوس».

تعقيبًا على ذلك، صرح متحدث رسمي باسم شركة النشر «إلسيفير» بأن "حالات قرصنة الدوريات العلمية غالبًا ما تكون معقدة، وذات طبيعة متغيرة باستمرار"، مضيفًا أن الشركة تسعى بصفة دورية إلى تصحيح إجراءاتها لكي تضمن أن قاعدة بيانات «سكوبوس» لا تدرج سوى المحتوى الموثوق عالي الجودة.

وقد نجحت أبالكينا خلال شهر نوفمبر الماضي في الكشف عن محاولة جريئة لاستنساخ مواقع رقمية لبعض الدوريات العلمية التابعة لكبار الناشرين. وأعلن هؤلاء الناشرون عن تحريهم لتلك الوقائع.

جدير بالذكر أن أبالكينا تعد جزءًا من مجموعة متنامية من خبراء كشف الاحتيال العلمي المعنيين بتطهير الدراسات العلمية من كافة أشكال الاحتيال. إلا أن ما يميز أبالكينا هو انشغالها بهذا النشاط في روسيا، وأن جزءًا من عملها يموله معهد دراسات أوروبا الشرقية بجامعة برلين الحرة بألمانيا، إضافة إلى أن جهودها تركز على كشف آليات منظومات الاحتيال في مجال النشر العلمي.

وعن أبالكينا، تقول دوروثي بيشوب، اختصاصية علم النفس العصبي من جامعة أكسفورد البريطانية: "إنها تتمتع ببراعة كبيرة في إجراء تحليلات من نوع يسمح لها بالوقوف على شبكات الأشخاص المتورطين". وقد تعاونت بيشوب مع أبالكينا في توثيق ممارسات أحد مصانع فبركة الأوراق البحثية، تمكن من نشر ستة أبحاث زائفة في إحدى دوريات علم النفس (سُحِبَت هذه الأوراق الست فيما بعد). وعن ذلك، تضيف بيشوب: "إن ما تنهض به أبالكينا مهم بحق".

وقد بدأ اهتمام أبالكينا بفساد الممارسات البحثية خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرين عندما كانت تجري دراسات في مجال الاقتصاد العالمي بجامعة موسكو المالية في روسيا، حيث تفاجأت بأن أحد طلاب الدكتوراة قد ارتكب سرقة علمية من اثنين من أبحاثها، بأن نقل أجزاءً كبيرة من هذه الأعمال في أبحاثه المنشورة. وعندما تقدمت أبالكينا بالشكوى في هذا الصدد، اكتفت الدورية العلمية المعنية بإصدار تصحيح ذكر أن المؤلف نسي تضمين الإشارة إلى أبحاثها. (وقد انسحب الطالب فيما بعد من برنامج الدكتوراة نتيجة الضغوط التي مارستها أبالكينا على الجامعة التي يدرس فيها).

بعدها، في عام 2013، اشتركت أبالكينا في شبكة «ديسيرنيت» Dissernet وهي تجمُّع غير رسمي للأكاديميين والصحفيين يتولى فحص رسائل الدكتوراة الروسية للتأكد من خلوها من السرقات العلمية. وقد أسفرت جهود هذه الشبكة عن سحب مئات من درجات الدكتوراة الممنوحة وأثبتت تورط العديد من السياسيين الروس المرموقين في تلك التجاوزات.

خلال هذه الفترة، غادرت أبالكينا روسيا واتجهت إلى إيطاليا لإعداد أطروحة دكتوراة في الاقتصاد عن البنوك الروسية. وقتها كانت تظن أنها لن تصادف من جديد فساد الممارسات البحثية الذي شاب منظومة البحث العلمي الروسية. إلا أنها وجدت نفسها تواجه وابلًا من ممارسات الاحتيال البحثي على المستوى العالمي، بما يشمله ذلك من دراسات مُنتحلة، ورشاوى تُقدم لمحرري الدوريات العلمية، ومصانع لفبركة الأوراق البحثية. واليوم في برلين، تتلقى تمويلًا لدراسة الحوكمة الروسية، والسرقات العلمية، وآليات عمل مصانع فبركة الأوراق البحثية وغيرها من الجهات المتورطة في الفساد داخل مجال نشر الأبحاث العلمية.

وتقّدر أبالكينا أن الجهود التي قامت بها قد أسفرت حتى الآن عن سحب مئات الأوراق البحثية، لا سيما نتيجة للتحريات التي أجرتها في عام 2021 حول احتمال قيام شركة باسم «إنترناشيونال بابليشر» International Publisher، يقع مقرها الرئيس في روسيا، بوضع أسماء مزيد من المؤلفين على الأوراق البحثية المنشورة لقاء مقابل مالي.

ويقول إيفان أورانسكي، المؤسس المشارك لموقع «ريتراكشن ووتش»Retraction Watch : " آنا دائمًا على استعداد لطرح الأسئلة الصعبة على ذوي النفوذ والسلطة. وتضطلع بذلك بشراسة ممزوجة بالمهنية، ما يجعلها برأيي فاعلًا عظيم التأثير." وقد نشر الموقع الذي أسسه أورانسكي واحدة من منجزات أبالكينا الخالدة وهي "مدقق الدوريات العلمية المقرصنة"، وهو أداة متاحة للباحثين للتأكد من موثوقية الموقع الرقمي لأي دورية علمية.

واليوم، تتطلع أبالكينا إلى إجراء مزيد من التحري المتعمق حول الدوريات العلمية المقرصَنة ومصانع فبركة الأوراق البحثية، بغية التعرف على طبيعة تنظيم هذه الأعمال التجارية وآليات شرعنتها. وتقول الباحثة في هذا الصدد: "أود الوقوف على ما يُفشِل هذه المنظومة، وعلى نقاط ضعفها، والأسباب التي تدفع الباحثين إلى شراء الأوراق البحثية".

وفي الوقت الراهن، تواصل أبالكينا هذه المهمة من خارج بلدها الأم، رغم أنه يفرض رقابة على تحركاتها. ومن المعروف أن محققي الاحتيال العلمي معتادون على مواجهة النقد والتهديدات بسبب ما يقومون به من عمل، كما يقول أورانسكي. إلا أن هوية أبالكينا الروسية يمكن أن تتسبب لها في "تحديات إضافية لا يضطر آخرون إلى مواجهتها" بحسب ما يرى. ويضيف أورانسكي أن "مثابرة أبالكينا والضغوط التي تمارسها على مصانع فبركة الأوراق البحثية في روسيا هي خير دليل على معدن هذه الباحثة الشجاعة".

 

هوجي شو
هوجي شو
مصدر الصورة: Qilai Shen (لدورية Nature)

هوجي شو: الطبيب وراء أول علاج يشهده العالم للأمراض المناعية

بقلم: سمريتي مالاباتي

بعد أن ابتكر علاجًا وقدمه لأول مرة إلى أفراد مصابين بأمراض مناعة ذاتية، ترقب فريق الباحث هوجي شو النتيجة بفارغ الصبر. حول ذلك، يقول شو، اختصاصي الأمراض الروماتيزمية من جامعة الطب العسكرية البحرية في مدينة شنغهاي الصينية والذي نشر النتائج الأولى لهذا العلاج الخلوي الثوري لأمراض المناعية الذاتية في سبتمبر الماضي (X. Wang et al. Cell 187, 4890-4904; 2024): "جافانا النوم، إذ إن الحالات جميعها كانت لأشخاص يعانون من شدة المرض".

وبعد أسبوعين من تلقي هذا العلاج القائم على خلايا مناعية مهندسة وراثيًا، عمدت أول مريضة تلقته، وهي امرأة مصابة باعتلال موهِن يسبب ضعفًا شديدًا في العضلات، إلى إخبار طاقم التمريض بأنها استعادت قدرًا من قوتها، ما سمح لها برفع ذراعها وتمشيط شعرها. كذلك، أفاد مريضان آخران مصابان بداء مختلف، بتراجع أعراض مرضهما خلال أيام من تلقي العلاج. وبعد مرور ما يزيد على ستة أشهر، كان المرضى الثلاثة قد دخلوا مرحلة خمود المرض، بحسب ما صرح شو، الذي أضاف: "جعلنا هذا أكثر اطمئنانًا."

تُعرف هذه الخلايا المُهندسة بالخلايا التائية المنُتِجة لمستقبلات المستضدات الخيمرية (اختصارًا CAR T)، وهي مصممة خصيصًا لمهاجمة الخلايا البائية والقضاء عليها. والخلايا البائية هي نوع من الخلايا المناعية، يخرج في بعض الأحيان عن السيطرة لدى الأشخاص المصابين باضطرابات المناعة الذاتية. ويشيع استخدام الخلايا التائية المُنتِجة لمستقبلات المستضدات الخيمرية في علاج أنواع سرطان الدم التي تنطوي على خلايا بائية خبيثة، إلا أن هذا النوع من العلاج قد أظهر أيضًا نتائج مبشرة في حالات أمراض المناعة الذاتية.

وكانت بعض الفرق البحثية في ألمانيا قد أعلنت خلال العام الماضي عن تحقيق نجاح باهر لدى استخدام الخلايا التائية المنتجة لمستقبلات المستضدات الخيمرية لعلاج ما لا يقل عن 15 شخصًا تتنوع إصاباتهم بأمراض المناعة الذاتية. وتختلف التجارب التي يجريها شو عن هذه التجارب من حيث إنها تستخدم خلايا مأخوذة من متبرع، بينما استخدمت فرق البحث الألمانية خلايا مأخوذة من الشخص الخاضع للعلاج نفسه. وإذا نجحت استراتيجية الاستعانة بمتبرعين تلك، فقد يغدو بالإمكان إنتاج علاجات قائمة على هذه الخلايا التائية، بكثافة وتكلفة أقل وعلى نطاق أوسع.

كان شو قد درس الطب في شنغهاي، ثم انتقل في عام 1990 إلى مدينة أديليد الأسترالية لخوض دراسات الدكتوراة في علم المناعة والأمراض الروماتيزمية، وبالأخص لدراسة الدور الذي يلعبه نوع معين من الأجسام المضادة في الإصابة بالأمراض الروماتيزمية، وهي حالات التهابية تصيب المفاصل والعضلات والعظام. بعدها، اتسع نطاق أبحاث شو ليشمل العديد من الموضوعات، بدءًا من الآليات البيولوجية لتطور مرض الذئبة lupus وعدد من أنواع التهابات المفاصل، وصولًا إلى متلازمة الموت المفاجئ عند حديثي الولادة (SIDS) ولقاحات الملاريا.

وفي عام 2008، عاد شو إلى شنغهاي وأسس مركزًا طبيًا وبحثيًا ضخمًا للأمراض الروماتيزمية. ويقول إن فكرة تجربة علاج بالخلايا التائية المنتجة لمستقبلات المستضدات الخيمرية كانت مواتية نظرًا لاهتمامه بدراسة الأسباب الكامنة وراء الأمراض الروماتيزمية. وقد كانت المرأة التي تصدى فريقه لعلاجها مصابة باعتلال عضلي مستعص، أما الرجلان فكانا مصابين بأحد أنواع التصلب الجهازي الذي يتسبب في تيبس الجلد ومن ثم التأثير على عدد من أعضاء الجسم.

يقول دو بينج، اختصاصي علم المناعة من جامعة شرق الصين الحكومية في شنغهاي والذي كان أحد أعضاء الفريق المسؤول عن هندسة الخلايا المستخدمة في الدراسة: "يتميز شو بقدر كبير من الشجاعة". وقد استخدم دو وفريقه البحثي أداة التحرير الجيني «كريسبر-كاس 9» CRISPR-Case 9 في تعطيل خمسة جينات موجودة في الخلايا التائية المأخوذة من المتبرعين، لضمان ألا تهاجم الخلايا المستزرعة الجسم المنقولة إليه أو أن يرفضها الجسم. ويقول دو إن فريقه حاول إقناع عدة أطباء باستخدام تلك الخلايا لعلاج أمراض المناعة الذاتية، إلا أن جميعهم رفض الإقدام على هذه المخاطرة باستثناء شو.

ويُعزى استعداد شو للمشاركة في هذه التجارب إلى خبرته في التجارب الإكلينيكية ودرايته بالأبحاث السابقة في هذا المجال، بحسب ما يقول شين لين اختصاصي علم المناعة من جامعة تسينجهوا في العاصمة الصينية بكين. وقد استطاع لين هو الآخر هندسة خلايا تائية منتجة لمستقبلات المستضدات الخيمرية، مأخوذة من متبرعين، كما يتعاون في الوقت الراهن مع شو في الإعداد لتجربة مماثلة لعلاج الذئبة. وعن رأيه في شو، يقول لين: "إنه طبيب واسع المعرفة والاطلاع".

وفيما يخص الأشخاص الثلاثة الذين تلقوا العلاج، يقول دو إن نتائج التجارب فاقت تصورات الفريق. فقد توافقت الخلايا المنقولة مع الأجسام الجديدة المُضيفة لها، ولم يُصب متلقوها بأي أعراض جانبية خطيرة تُعزى إلى العلاج بالخلايا التائية المذكورة، مثل متلازمة إفراز السيتوكين، التي تُرصد أحيانًا في مرضى السرطان.

ويقول جورج شيت، اختصاصي علم المناعة من مستشفى جامعة إيرلانجن في ألمانيا، والذي شارك في إجراء اختبارات لفاعلية الخلايا التائية المستمدة من المرضى أنفسهم في علاج أمراض المناعة الذاتية: "جاءت النتائج ملموسة وبالغة الأهمية".

ويُفضل استخدام الخلايا التائية المنتِجة لمستقبلات المستضدات الخيمرية المأخوذة من متبرعين على الحصول على الخلايا نفسها من المرضى المطلوب علاجهم، إلا أن نجاح هذه المقاربة جاء محدودًا في حال مرضى السرطان، ربما لأن مدة بقاء تلك الخلايا في الجسم يكون أقصر من مدة بقاء الخلايا المأخوذة من المرضى أنفسهم. وتشير الورقة البحثية التي نشرها شو إلى أن العلاج بالخلايا المأخوذة من متبرعين يبشر بنجاح أقوى في حالات أمراض المناعة الذاتية. ولكن شيت يلفت إلى أن النتائج التي أفاد بها شو وفريقه البحثي كانت لعلاج عدد ضئيل من الأشخاص وإلى أن هذه النتائج لا تغطي فترة زمنية طويلة، مضيفًا أن العلاج بالخلايا المذكورة يجب أن يكون أثره مستدامًا، كي يُعد ناجعًا.

ومنذ انتهاء التجربة الأولى، نجح شو وفريقه في تقديم علاجات مماثلة لما يزيد على عشرين شخصًا مصابين بأمراض مناعية ذاتية، ويأمل أن تصبح هذه العلاجات متاحة حتى للمصابين بدرجة طفيفة من تلك الأمراض. فيقول: "لدينا خطة في هذا الشأن"، مضيفًا: "نرغب في نشر استخدام هذا العلاج على نطاق واسع".

  ويندي فريدمان
  ويندي فريدمان
Credit: Laura McDermott for Nature

ويندي فريدمان: عالمة الفلك التي اقتربت من حساب سرعة تمدُّد الكون

بقلم: دافيدي كاستلفيكي  

الكون في حالة تمدُّد دائم، لكن بأي سرعة؟ على مدار عقود من الزمان، تباينت إجابات العلماء لهذا السؤال الجوهري، إلى أن خرجَتْ علينا هذا العام عالمة الفلك ويندي فريدمان بنتائج من شأنها أن تساعد على قطع الشك باليقين.

مردُّ هذا الجدل المنعقد من قديم إلى وجود طريقتين لقياس معدل تمدد الكون، والمعروف باسم ثابت «هابل»، والطريقتان تقودان إلى إجابات متباينة أشدَّ التباين. تشير الدراسات التي تستند إلى حساب التقلبات في الخلفية الميكروية الكونية — وهج ما بعد الانفجار العظيم — إلى أنه كلما توغَّلنا في النظر مسافة مليون فرسخ فلكي (ما يعادل 3.2 مليون سنة ضوئية)، وجدنا أن المجرات تتباعد بمعدل 67 كيلومترًا في الثانية. ولكن عندما عمد العلماء، ومنهم فريدمان، إلى قياس معدل انكماش المجرات البعيدة، وقدروا المسافة بينها وبين الأرض، حصلوا على ثابت «هابل» أكبر، إذ تراوحت قيمته بين 72 و74 كم/ ثانية-1 لكل مليون فرسخ فلكي-1.

تحظى طريقة تقدير المسافة الفاصلة بين المجرات وكوكب الأرض بأهمية بالغة، وهي تعتمد على مراقبة سطوع المستعرات العظمى (النجوم المتفجرة) في تلك المجرات. ولمعايرة مدى ارتباط السطوع الظاهري للمستعر الأعظم بالمسافة التي تفصله عن الأرض، يلجأ الباحثون إلى المقارنة مع "الشموع القياسية": النجوم التي خضعت لدراسة وافية، والموجودة في مكان قريب نسبيًا، فيما يُعرف بالجوار الكوني لمجرة درب التبانة.

وثمة أرصاد وتحليلات أخرى، يتصدَّرها آدم ريس في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية، وهي تستند إلى النجوم المعروفة باسم "قيفاويات"، وتعطي قيمةً أعلى لثابت «هابل». ومن هنا، تعاونت فريدمان، في جامعة شيكاغو بولاية إلينوي، مع باحثين آخرين للعمل على نوعين آخرين من الشموع القياسية التي من شأنها أن تعمل كأداة تدقيق متعددة الأساليب. تقول كريستين ماكوين، عالمة الفلك في جامعة روتجرز في نيو برونزويك بولاية نيوجيرسي، وكذا في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور بولاية ميريلاند، إن فريدمان "بدأت بالفعل في بناء هذا المسار المستقل". وتصف ماكوين هذا الجهد بالعمل الشجاع، إذ يتطلب الكثير من عمليات الرصد التلسكوبي والتحليل الدؤوب.

كشفت فريدمان في وقتٍ سابق من العام الجاري عن النتائج التي توصلت إليها باستخدام «تلسكوب جيمس ويب الفضائي». وكما أعلنت في مؤتمرات عُقدت في أبريل، وفي مسودة بحثية نُشرت في أغسطس، فإنها عندما جمعت شمعتين قياسيتين أحدث إلى بيانات المستعر الأعظم، وضع كلا التحليلين معدل تمدد الكون ضمن هامش الخطأ لنتائج الخلفية الكونية الميكروية التي تبلغ 67 كم/ ثانية-1 لكل مليون فرسخ فلكي-1(W.L. Freedman et al. Preprint at arXiv http:/ /doi.org/nq36; 2024).

على أن ذلك لا يعني أن فريدمان توصَّلت إلى حل اللغز. فقد توصلت إلى أن التقنية القائمة على «القيفاويات» لا تزال تعطي قيمة أعلى مما وجدته في حالة الشموع القياسية الأخرى، مما يعمِّق حيرة العلماء. ثم في وقت لاحق من شهر أغسطس، نشر ريس تحليلات فريقه، معربًا عن اعتقاده بأن الشموع القياسية الثلاث جميعها تُظهر قيمة أعلى لثابت «هابل».

يبدو أن السر وراء هذا الاختلاف يكمن في عدم اتفاق العلماء على مجموعات المجرات التي يتعين تضمينها في تحليلاتهم. ولكن الآمال معقودة على حل المشكلة بإجراء المزيد من عمليات الرصد التي يجريها «تلسكوب جيمس ويب»، أو الاستعانة بطرق مغايرة، مثل استخدام الموجات الثقالية.

إنْ تَحقَّقَ ذلك، فسوف يُعد بمثابة ركنٍ آخر من أركان الكون أسهمت فريدمان في تسليط الضوء عليه. بزغ اسم فريدمان للمرة الأولى في تسعينيات القرن العشرين، عندما قادت دراسة "أحدثت نقلةً نوعية"، على حد وصف رِيس، باستخدام «تلسكوب هابل الفضائي»، وهي التي أُطلق عليها: المشروع الرئيس. في ذلك الحين، قدمت مجموعات مختلفة قياسات لثابت «هابل» كانت متباينة بمعامل 2؛ ولم يكن ممكنًا تقدير عمر الكون نفسه إلا بما يتراوح بين 10 مليارات و20 مليار سنة. وباستخدام النجوم «القيفاوية» والمستعرات العظمى، أثمر الجهد البحثي لفريدمان عن تحسن ملحوظ في تقدير المسافة، كما أسفر، جنبًا إلى جنب مع الاكتشافات حاز عنها ريس جائزة نوبل بالمشاركة مع عالمَين آخرين، عن تحسُّن ملحوظ في تقديرات عمر الكون.

وفي أثناء فترة تولِّيها إدارة مراصد كارنيجي في باسادينا بولاية كاليفورنيا، خلال الفترة بين عامي 2003 و2014، قادت فريدمان كذلك بعض الجهود البحثية الهادفة إلى بناء ما سيُعد أقوى تلسكوب في العالم في تشيلي. وقد بُني جزء كبير من تلسكوب «ماجلان» العملاق، لكنه لا يزال بحاجة إلى 1.6 مليار دولار أمريكي لإكماله. وعما قريب، يُنتظر أن تقطع مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية فيما إذا كانت ستوفر التمويل اللازم لإتمامه.

لا ترغب فريدمان في التقاعد، حتى لو كُتب لها النجاح في تحديد قيمة حاسمة وقاطعة لثابت «هابل». تقول: "لا أفكر فيه مطلقًا. أشعر بداخلي أنني ما زلت قادرة على تحقيق إنجاز كبير آخر. بعض الأفكار تجول بخاطري، ولديَّ ما يكفي من الحيوية والحماس للاستمرار. فأنا أحب ما أفعله".

محمد يونس
محمد يونس
Credit: Fabeha Monir/Bloomberg/Getty

محمد يونس: عالِم الاقتصاد الذي أتى به ثوّار بنجلاديش إلى سُدة الحُكم

بقلم: إحسان مسعود

لم تمض أسابيع على المظاهرات العارمة التي أطاحت بالحكومة الاستبدادية في بنجلاديش، في أغسطس الماضي، حتى رفع الطلاب الذين قادوا الثورة أصواتهم منادين بمطلب واحد: دعوة محمد يونس، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل للسلام، لتولي مقاليد الحكم في البلاد.

وإنه لتحدٍّ تصغُر أمامه كل التحديات التي واجهت يونس في حياته. فعلى مرِّ مسيرة مهنية ناهزت الستين عامًا، صنع الرجل لنفسه اسمًا مرموقًا بوضعه أفكارًا طموحة ترمي إلى مكافحة الفقر موضع التجريب. الذين يعرفونه يقولون إن طريقة يونس في حل المشكلات ترتكز على محورين رئيسين: الاهتداء بالأبحاث في اتخاذ القرارات، والإلمام الأنظمة إلمامًا تامًا، من الألف إلى الياء. يقول أليكس كاونتس، الذي عمل مع يونس لأكثر من 30 عامًا: "صحيحٌ أنه في الثمانينات من عمره، لكنه يتمتع بالحيوية والصحة البدنية والعقلية. إنه صاحب شخصية قادرة على إظهار التعاطف مع الآخرين والتواصل معهم على نحو رائع".

وُلد يونس في شيتاجونج في الهند عندما كانت تحت الاحتلال البريطاني. ثم أصبحت المدينة جزءًا من باكستان الشرقية عندما تقرَّر تقسيم الهند في عام 1947. وفي ستينيات القرن العشرين، سافر يونس إلى الولايات المتحدة ودرس تحت إشراف نيكولاس جورجيسكو روجين، أحد مؤسسي الاقتصاد البيئي؛ ذلك الفرع من فروع علم الاقتصاد الذي يسعى إلى فهم التفاعل بين الاقتصاد والعالم الطبيعي. ثم كان أن عاد في أعقاب تحوُّل باكستان الشرقية إلى بنجلاديش بوصفها دولة مستقلة، إثر حرب تحرير ضد باكستان الغربية في العام 1971؛ وصَحَّت عزيمته على أن يكون له دور في بناء الدولة الجديدة.

عُرف يونس بنهجه المبتكَر في مجال الائتمان المتناهي الصغر، والقروض المحدودة التي غالبًا ما تقل عن مئة دولار أمريكي. كان قد شاع عن الشركات التي تقدم قروضًا صغيرة استغلالها الفقراء من خلال فرضها أسعار فائدة مرتفعة. لكن يونس أوضح كيف أن القروض الصغيرة يمكن أن تُحدث نقلةً في حياة شرائح المجتمع الأشد فقرًا إذا أمكن إدارتها بعدل وإنصاف.

في منتصف سبعينيات القرن العشرين، بدأ يونس، عندما كان يدرّس الاقتصاد في جامعة شيتاجونج، في اختبار احتمالات سداد تلك القروض، وما إن كانت ستحقق مزايا ملموسة للمقترضين. كما ابتكر نموذجًا يتيح إقراض المال للنساء من أجل رفع مستوى مشاريعهن التجارية. في التجربة الأولى، استطاع جميع المقترضين سداد ديونهم. وفي عام 1983، أسَّس يونس مصرف «جرامين»، الذي يقدم الآن قروضًا متناهية الصغر في مختلف أنحاء بنجلاديش. وكان لفكرة يونس الفضل في إشعال الشرارة الأولى لما صار يُعد حركة عالمية – وإن لم تَسلَم هذه الحركة من سهام النقد.

فرقٌ كبير بين إنشاء مؤسسة مثل مصرف «جرامين»، وقيادة قاطرة الإصلاح في بلدٍ مثل بنجلاديش، يبلغ عدد سكانه 170 مليونًا. ما من أحدٍ في بنجلاديش إلا ويتساءل عن مدى قدرة يونس على تلبية مطالب الطلاب بإنهاء الفساد، وحماية الحقوق المدنية، وتعزيز تكافؤ الفرص في التوظيف والتعليم، إضافةً إلى ضمان العدالة لأُسر مَن قضوا في الاحتجاجات.

قبل ثورة أغسطس، كانت أغلب أجهزة الأمن والخدمة المدنية والنظام القضائي في البلاد، إلى جانب العديد من الجامعات وحتى البنوك، بمثابة امتدادات للحزب الحاكم، حسبما يقول مشفق مبارك، عالم الاقتصاد في جامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت. وقد شكَّل يونس والطلاب — الذين يعمل البعض منهم في الحكومة الانتقالية — مجموعات عمل من الخبراء، بهدف ضمان حماية المؤسسات العامة من التدخل السياسي، أيًا كان الحزب الذي يتولى زمام السلطة.

على أن الإصلاح المؤسسي لا يحدث بين عشيةٍ وضحاها، حسبما ترى فوزية سلطانة، مديرة الأبحاث في أكاديمية بنجلاديش للتنمية الريفية في كوميلا، إذ تقول إنه "عملية معقدة وتدريجية". وهناك سبب آخر للتوتر، وهو رغبة البعض في أن يغمض عينه ولا يفتحها إلا وقد حدث التغيير المنشود، فيما يعتقد آخرون أن من غير الملائم أن تطرح حكومة تكنوقراط، وعلى رأسها يونس، إصلاحات شاملة في حين أنهم يشغلون أساسًا دور "القائم بالأعمال".

يمكن القول إن نجاح يونس في إدارة الفترة الانتقالية معتمدٌ إلى حد بعيدٍ على المحتجين من الطلاب الذين ساعدوا في وصوله إلى سدة الحكم. فهم يشكلون قوةً دعم كبيرة تضطلع بدور مماثل لدور الشباب الذين ثاروا ضد الأنظمة الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط خلال الربيع العربي الذي بدأ أواخر عام 2010. وقد قُمعت تلك الانتفاضات بعنف، ما أثار موجة من عدم الاستقرار في المنطقة والعالم. يمكن القول إن القصة في بنجلاديش مختلفة، حتى وقتنا الحالي على الأقل، إذ يجد يونس دعمًا من الطلاب والجيش كليهما. ولكن هذا يُثقل كاهل رجل واحد بآمال وتوقعات كبار فيما يتعلق بحماية الحقوق وتوفير الفرص التي لم يبق الكثير من أصدقاء الطلاب وزملائهم على قيد الحياة كي يشهدوها. قالت برابتي تابوشي، طالبة الاقتصاد في جامعة جهانجيرناجار في دكا، خلال ندوة عُقدت في شهر سبتمبر بجامعة ييل: "نريد أن نقرأ، نريد أن نكتب، نريد أن نجتاز الامتحانات ونجري الأبحاث. يجب على الدولة أن تنهض بدورها".

بلاسيد مبالا
بلاسيد مبالا
Credit: Ley Uwera for Nature

بلاسيد مبالا: الطبيب الذي لفت أنظار العالَم إلى جدري القرود

بقلم: ماكس كوزلوف

شهدَتْ بدايات العام الجاري تفشِّي مرض جدري القرود في وسط إفريقيا، مما أسفر عن مقتل المئات. يقول بلاسيد مبالا، عالم الأوبئة في المعهد الوطني للأبحاث الطبية الحيوية في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، إن رؤية عودة المرض، ولمَّا يمضِ على التفشِّي الكبير في 2022 إلا وقتٌ قصير، كان بالنسبة إليه "كما لو كان العِلمُ قد فقد الذاكرة".

قاد مبالا فريقًا من الباحثين الذين دقوا ناقوس الخطر بشأن أحدث موجة تفشٍ للمرض عندما اشتبهوا في مجموعة من حالات الإصابة بمرض جدري القرود في صفوف الشباب وممارسي البغاء في منطقة تقع شرقي الكونغو. توقع الفريق البحثي أن ينتشر المرض بسرعة، وحث مسؤولي الصحة في كل من جمهورية الكونغو والدول المجاورة على وضع خطط لمكافحة انتشار فيروس جدري القرود.

بمعاونة زملائه، تمكَّن مبالا وزملاؤه من تحليل جينوم الفيروس (E.H. Vakaniaki et al. Nature Med. 30, 2791-2795; 2024)، وتبيَّن لهم أنه يمثل سلالة جديدة، قادرة على الانتقال بين البشر (من شخصٍ لآخر)، ومختلفة عن الفيروس الذي وقف وراء موجة تفشي المرض في عام 2022، وغيرها من الفاشيَّات التي شهدَتْها الكونغو في السابق. ومنذ ذلك الحين، أمكن رصد تلك السلالة الجديدة في السويد، وتايلاند، والهند، وألمانيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، إضافةً إلى ستِّ دول إفريقية لم يسبق لها أن سجَّلَتْ إصابات بمرض جدري القرود.

لعب مبالا دورًا فاعلًا في قيادة هذه المشاريع البحثية، حسبما يقول جيسون كيندراتشوك، عالم الفيروسات في جامعة مانيتوبا في وينيبيج بكندا، وهو ممَّن يتعاونون مع مبالا. وأوضح كيندراتشوك أن مبالا كان يتولى أيضًا "تنسيق أنشطة الاستجابة والمشاركة المجتمعية في جميع أنحاء البلاد، متوخيًا في ذلك كله أكثر الطرق دبلوماسية وديمقراطية، وأبعدها عن الأنانية".

والحقُّ أن هذا دور تدرَّب عليه مبالا طويلًا. فبعدما فرغ من الدراسة في كلية الطب عام 2006، وقضى عامًا طبيبًا إكلينيكيًا في كينشاسا، التقى جان جاك مويمبي تامفوم، عالم الأحياء الدقيقة الذي يدير المركز الذي يعمل فيه مبالا. حاز عمل مويمبي تامفوم إعجاب مبالا، لا سيما جهوده الدؤوبة للعثور على المستودع الحيواني لفيروس الإيبولا بعد أن ساهم في اكتشافه عام 1976. وبدوره، تعهَّد مويمبي تامفوم بمبالا، وفي عام 2008، عملا معًا على تحسين قدرة البلاد على إجراء فحوصات جدري القرود وعلاجه. وفي وقت لاحق، أسهم مبالا في تشخيص أولى الإصابات بفيروس الإيبولا وتأكيدها، مستعينًا بتقنيات تعيين التسلسل الجيني للفيروس، وكان ذلك في أثناء تفشي المرض بجمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2014.

يقول نيكايس نديمبي، عالم الفيروسات في المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، والذي يتولى تنسيق استجابة الوكالة لمرض جدري القرود في عام 2024: "مبالا يصنع إرثًا عظيمًا بإنجازاته، وهو بحق خير من يخلُف معلمه".

يؤمن مبالا أن مهمته الشخصية هي وضع حد لحالة "فقدان الذاكرة" التي أصابت العِلم، وسمحت لأمراض مثل جدري القرود بالبقاء ومعاودة الظهور. ويقول إن العالم كان على درايةٍ بخطورة المرض، ومع ذلك، فلم تكد أعداد الإصابات خارج إفريقيا تتراجع إلى ما دون مستوى معين، حتى عاد العالم إلى سابق عهده من الإهمال والتجاهل. فقد ظلت اللقاحات والعلاجات التي طرحها العديد من الدول ذات الدخل المرتفع للسيطرة على تفشي المرض في عام 2022 بعيدة عن متناول الدول الإفريقية حتى سبتمبر الماضي، بعدما كانت السلالة قد استشرت في أنحاء القارة.

يسعى مبالا إلى الاقتراب من فهم كيفية انتشار المرض في جمهورية الكونغو الديمقراطية والدول المجاورة. ومما توصَّل إليه فريقه أن الفيروس يمكن أن ينتشر على نطاق واسع في مخيمات النازحين، وعن طريق الاتصال غير الجنسي. في السابق، تسبَّب جدري القرود في وسط إفريقيا في موجات تفشٍ محدودة ومنحصرة داخل حدود البيئات المحلية، وكان معروفًا أن المرض ينتشر منتقلًا إلى البشر عن طريق الاتصال بالحيوانات المصابة فحسب (D. Mukadi-Bamuleka et al. Preprint at medRxiv http://doi.org/g8dxrz; 2024).

كما وثَّق مبالا انتشار سلالات متعددة في كينشاسا (T. Wawina-Bokalanga et al. Preprint at medRxiv https://doi.org/nqpm; 2024)؛ وهو ما يشكِّل تهديدًا بشأن إمكانية انتشار الفيروس بسهولة مرة أخرى على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ذلك، قاد مبالا جهدًا تعاونيًا دوليًا يختبر استراتيجياتٍ لمسؤولي الصحة من أجل العمل جنبًا إلى جنب مع المجتمعات المحلية، وبخاصة مع الفئات التي تتعرض للوصم، وتواجه خطر الإصابة بجدري القرود أكثر من غيرها، ومن هذه الفئات: المشتغلات بالجنس، والرجال المثليين. ويأمل مبالا أن تُثمر هذه النتائج عن تسليط الضوء على مرض مهمل، وأن يكون لها أيضًا مردود إيجابي ملموس في وطنه والمنطقة بأسرها.

أدى مبالا دورًا حاسمًا في استجابة جمهورية الكونغو الديمقراطية لفيروسي الإيبولا وجدري القرود، وهو "على استعداد لأن يؤدي الدور نفسه مع أي مرض يمكن أن يظهر مستقبلًا"، على حد قول كيندراتشوك.

كورديليا بير
كورديليا بير
Credit: Gaetan Bally/KEYSTONE

كورديليا بير: المحامية التي جعلت همّها الدفاع عن المناخ

بقلم: ريتشارد موناسترسكي

حانت اللحظة الحاسمة التي تُوِّجت بها ثماني سنوات من النضال القانوني.

في التاسع من أبريل الماضي، كانت كورديليا بير وأكثر من 2,500 امرأة وكَّلْنَها في دعوى قضائية تاريخية بشأن المناخ يترقبن سماع الحُكم الذي كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على وشك النُّطق به.

"كنتُ في غايةٍ من التوتر"، هكذا تتذكر بير، مع أنها كانت تتوقع أن يكون النصر حليف موكّلاتها.

في عام 2015، بدأت بير رحلتها المهنية محاميةً شابة في مدينة زيوريخ السويسرية العمل على ترسيخ مفهوم ثوري في التقاضي بشأن التغير المناخي. وبينما كانت عاكفة على دراسة موجة الحر التي ضربت أوروبا في عام 2003، وأودت بحياة 70 ألف شخص، أدركت بير أن معدلات الوفيات خلال تلك الكارثة كانت أكبر على نحوٍ يثير الدهشة بين النساء الأكبر سنًا، وأن هذه الفئة هي الأشد عرضةً لتأثيرات التغير المناخي. وعليه، فقد استقرَّ في وعيها أن هذه الحقيقة تفتح الباب أمام مقاضاة الحكومة السويسرية بدعوى انتهاكها حقوق النساء الأكبر سنًا إذ لم تتحرك للتصدي لظاهرة التغير المناخي.

وبالتعاون مع زملائها ومكتب منظمة السلام الأخضر «جرينبيس» Greenpeace في سويسرا، رفعت بير قضيتها، وأسست جمعية ضمت في البداية بضع عشرات من النساء الأكبر سنًا، وأُطلق عليها اسم «كليما زنيورينن شفايتس» KlimaSeniorinnen Schweiz، ويعني بالعربية: مسنّات سويسريات من أجل المناخ. بعد رفع أول دعوى قضائية لها في عام 2016، شقت الجمعية طريقها عبر النظام القضائي السويسري، لكنها خسرت في النهاية استئنافها أمام المحكمة العليا الفيدرالية في مايو 2020. وفي وقت لاحق من العام نفسه، نقلت بير وجمعية «كليما زنيورينن شفايتس» القضية إلى المحكمة الأوروبية.

ثم جاء ذلك اليوم المصيري من العام الجاري، الذي كُتب فيه النصر لبير ومَن معها، إذ حكمت المحكمة بأن سويسرا تنتهك حقوق الإنسان لعضوات جمعية «كليما زنيورينن شفايتس»، وذلك بعدم اتخاذها التدابير الكافية للحد من الاحترار العالمي.

والفضل في ذلك يعود لبير، لكونها "العقل المدبر للمسألة برمَّتها"، على حد قول إليزابيث شتيرن، عضوة مجلس إدارة الجمعية، التي وصفت بير بأنها "شخصية خجولة بعض الشيء؛ فهي لا ترغب أن تكون في المقدمة أبدًا،" وأردفت: "ليس في سويسرا من تقدر على فعل ما فعلته بير".

كان من بين الشواغل القانونية المهمة، أن تقتنص بير من المحكمة قرارًا باعتبار جمعية «كليما زنيورينن شفايتس» مؤهلةً للادعاء بوصفها "مجنيًّا عليها" بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إذا استطاعت الجمعية إثبات أن حقوق عضواتها قد انتهكت. وبعدما نجحت الجمعية من إقامة الدليل على ذلك، وجدت المحكمة أن سويسرا أخفقت في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس للمناخ لعام 2015.

كانت الدعوى التي أقامتها الجمعية مرتكزة على أسانيد قانونية قوية، حسبما أشارت هيلين كيلر، أستاذة القانون في جامعة زيورخ والقاضية السابقة في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. تقول كيلر: "لقد أعدت بير القضية إعدادًا حسنًا جدًا"، حتى إنه كان يصعب على المحكمة إصدار حكم غير الذي أصدرته.

لم يكن التغير المناخي شيئًا يثير قلق بير في سنوات نشأتها. ولم تبدأ في التفكير حقًا في عواقب احترار الكوكب إلا بعد حصولها على درجتها العلمية في القانون. ولكن على عكس معظم الناس، قررت بير أنها يجب أن تفعل شيئًا حيال هذه القضية. تقول: "عندما أرى مثل هذه المشكلات، يصعب عليّ تجاهلها".

وما هي إلا أن أدركت أن للمسألة بعدًا قانونيًا. تقول: "كان من الطبيعي تمامًا أن أدرك مدى ارتباط هذين الأمرين، وأن أعي حقيقة أن أزمة المناخ واحدة من أكبر الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان".

وذكر باحثون في القانون أن هذا الحكم أصبح مرجعًا تستشهد به محاكم أخرى في أحكامها ذات الصلة بالتغير المناخي.

تمثل قضية الجمعية "لحظة حاسمة في تاريخ الدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ"، على حد قول دلتا ميرنر، وهي من كبار العلماء لدى مركز العلوم للدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ التابع لاتحاد العلماء المعنيين في واشنطن العاصمة، والذي يقدم الدعم العلمي للدعاوى القضائية المتعلقة بالمناخ.

كانت الحكومة السويسرية قد تقدَّمت بطعنٍ على حكم المحكمة، دافعةً بعدد من الأسانيد، وخاصة تأكيدها على أنها استوفت بالفعل اشتراطات الحكم عن طريق إقرار قانونين جديدين للمناخ هذا العام. وهي الحُجة التي ردَّت عليها الجمعية بقولها إن سويسرا لم تستوف بعد عددًا من الاشتراطات التي قررتها المحكمة، بما في ذلك التقدُّم بتقديرات لكمية الكربون التي ستنبعث من البلاد مستقبلًا، في مقابل الانبعاثات التي ستتخلَّص منها.

تعمل بير الآن على إعداد مذكرة جوابية لتقديمها إلى لجنة وزراء مجلس أوروبا. وبعد ذلك، سيكون الأمر متروكًا للجنة كي تقرر المسؤوليات التي تتحملها سويسرا بموجب اتفاقية حقوق الإنسان.

بير، التي بدأت العمل على هذه القضية قبل نحو عشر سنوات، عازمة على متابعة القضية حتى النهاية؛ ولو أنها لا تعلم متى تحين تلك النهاية. تقول: "كنت أعتقد أن القضية ستنتهي بصدور الحكم لصالحي. لكن من الواضح أن الأمر ليس كذلك".

ريمي لام
ريمي لام
Credit: Alecsandra Dragoi for Nature

ريمي لام: سخَّر الذكاء الاصطناعي للحصول على أرصاد جوية أدق وأسرع

بقلم: دافيدي كاستلفيكي

سمع ريمي لام كثيرًا عن «المناخات المناطقية» microclimates في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، لكنه لم يدرك كم هي غريبة حتى ارتحل إلى المدينة للعيش بها في وقتٍ سابق من العام الجاري. يقول: "يمكن أن يكون الشارع الذي أسكن فيه ضبابيًا، ويكون الجو مشمسًا على مسافةٍ لا تتعدَّى عمارتين سكنيتين". وتبعًا لذلك، يكثُر ألا تكون تنبؤات أحوال الطقس بالمدينة صحيحة تمامًا تبعًا للموقع. فحتى أحدث أنظمة التنبؤات الجوية وأكثرها تطورًا تعجز عن توقع المناخات المناطقية لهذه المدينة.

أنفق لام كثيرًا من الوقت متفكِّرًا في أمور تتعلق بالطقس وكيفية التنبؤ به. ولأنه باحث في شركة «ديب مايند» DeepMind، شركة الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة «جوجل»، ومقرها لندن، فهو يُعد رائدًا في استخدام تقنيات تعلُّم الآلة (machine learning) لتحسين التنبؤ بالطقس. قفز هذا المجال قفزات سريعة على مدار السنوات القليلة الماضية، وكان لام وزملاؤه في طليعة تلك الجهود.

على أنهم ليسوا على الساحة وحدهم؛ إذ يتسابق عدد من الفرق البحثية لتطوير أنظمة للتنبؤ بالأحوال الجوية اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي، ومنها فِرَق تعمل في «مايكروسوفت» Microsoft و«إنفيديا» Nvidia و«هواوي» Huawei والمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (ECMWF) في ريدينج بالمملكة المتحدة. ولكن على مدار جزء كبير من هذا العام، كان نظام الذكاء الاصطناعي المتصدِّر من حيث الدقة هو مشروع يحمل اسم «جراف كاست» GraphCast، ويقوده لام (R. Lam et al. Science 382, 1416-1421; 2023).

يقول ماثيو تشانتري، الذي يقود الأبحاث حول التنبؤات الجوية بمساعدة الذكاء الاصطناعي في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى: "إن مشروع «جراف كاست» رفع السقف المهاري فيما يتصل بالتنبؤات".

من المعلوم أن التنبؤات الجوية التقليدية عبارة عن أنظمة متطورة ومعقدة تحاكي تطور الغلاف الجوي للأرض على أساس الفيزياء المعروفة لكيفية تحرك الهواء والحرارة وبخار الماء في أرجاء الكوكب. أما مشروع «جراف كاست» فهو عبارة عن شبكة عصبية اصطناعية تغطي الكرة الأرضية. تولى لام وزملاؤه "تدريب" هذا النظام باستخدام بيانات تستند إلى قياسات جوية حقيقية، ولكن دون تزويده بأي معرفة صريحة بالقوانين الفيزيائية. ومع ذلك، كانت تنبؤات الذكاء الاصطناعي أفضل من التوقعات التقليدية من جوانب عدة. يقول لام: "فاجأني تفوقه على التنبؤات القائمة على الفيزياء بهذه السرعة؛ اعتقدت أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول".

وعلى الرغم من أن التدريب يتطلب عمليات حسابية مكثفة، فإن التوقعات تستغرق أقل من دقيقة على جهاز كمبيوتر مكتبي متطور؛ مقابل ساعات من وقت تشغيل الكمبيوتر العملاق في حالة التنبؤات التقليدية.

وُلد لام في إحدى ضواحي باريس عام 1988، وتدرب على هندسة الطيران في فرنسا والولايات المتحدة. ثم أدرك أن فهمه للنمذجة الإحصائية لميكانيكا الموائع يمكن أن يكون مفيدًا لأولئك الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي. وتبيَّن له أن شركة «ديب مايند»، بثقافتها التي تركز على حل المشكلات العلمية، هي الأنسب له. يقول: "لا يوجد مكان أفضل منها في مجال تعلُّم الآلة".

تنسب ماريا مولينا، وهي عالمة في مجال الغلاف الجوي تطبق الذكاء الاصطناعي على نماذج الطقس والمناخ في جامعة ماريلاند في كوليدج بارك، الفضل لشركات مثل «جوجل» في إتاحة نماذج الطقس الخاصة بها لأي شخص يرغب في تنزيلها وتشغيلها على جهاز الكمبيوتر الخاص به؛ على الأقل حتى وقتنا هذا. وتتساءل مولينا: "متى تنفد هذه النوايا الحسنة وفي أي مرحلة؟" وتضيف أنه ربما يكون من المقلق أن تحتكر هذه الشركات ذات يوم أفضل التنبؤات المتاحة، لا سيِّما فيما يتعلق بظواهر الطقس المتطرفة. "لا ينبغي لنا أبدًا أن نتوقع من الجمهور أن يدفع مالًا مقابل الوصول إلى معلومات ضرورية لحياته".

يشير لام إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست قادرة بعدُ على إعطاء تنبؤات جوية دقيقة بشكل مستقل. وإذا قصرنا النظر على نظام «جراف كاست» وما أشبهه من أدوات، سنجد أنها تعتمد على البيانات التي تولدها النماذج القائمة على الفيزياء كنقطة انطلاق. لكن أساليب تعلُّم الآلة في مجال التنبؤ بأحوال الطقس تتحسن بسرعة.

وفي وقتٍ سابق من الشهر الجاري، نشر فريق من شركة «ديب مايند» يضم لام بين أعضائه نموذجًا يسمى «جين كاست» GenCast (I. Price et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-08252-9; 2024)، وهذا النظام لا يستغرق سوى ثماني دقائق لإنتاج مجموعة من التنبؤات تغطي 15 يومًا، وتفُوق في دقّتها التنبؤات التقليدية.

يتطلع لام إلى اليوم الذي يمكن فيه لتقنيات تعلُّم الآلة مساعدة المتنبئين في إعطاء تنبؤات موثوقة تتجاوز السقف الزمني الحالي، البالغ عشرة أيام أو نحو ذلك، وتقديم تنبؤات مناطقية أكثر دقةً وتفصيلًا، تجعلنا أقدر على استطلاع ما وراء ضباب مدينةٍ مثل سان فرانسيسكو.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.336