أخبار

جامعات تحذر: القيود المفروضة على هجرة الطلاب الأجانب تضُر البحث العلمي

نشرت بتاريخ 8 ديسمبر 2024

فرضت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا قيودًا على هجرة الطلاب إليها.

سمريتي مالاباتي

تفرض العديد من الدول قيودًا على تأشيرات دخول الطلاب الأجانب لها.
تفرض العديد من الدول قيودًا على تأشيرات دخول الطلاب الأجانب لها.
Credit: Chu Chen/Xinhua via Alamy

في بعض الدول، تتعرض الجامعات لضغوطٍ كبيرة بسبب قوانين الهجرة التي تحد من عدد الطلاب الأجانب بها. على سبيل المثال، صرحت جامعات من المملكة المتحدة وكندا وصولًا إلى أستراليا، بأن القيود على الهجرة الدولية قد أدت إلى انخفاض كبير في نسب الطلاب الأجانب بها، وهو ما بدأ يشكل ضغطًا كبيرًا على ميزانيتها، فضلًا عن إلحاقه الضرر بمكانتها العالمية، وتقويضه لقُدرتها على الإسهام في البحث العلمي على الصعيد العالمي.

 وفي دراسة استقصائية نُشرت هذا الشهر وشملت 365 مؤسسة جامعية في 66 دولة ومنطقة، أفادت نسبة قوامها 41% من هذه المؤسسات بانخفاض نسبة المُقيدين فيها لخوض الدراسات العليا هذا العام مُقارنة بالعام الماضي، بينما أفادت نسبة قدرها 31% من هذه المؤسسات بانخفاض حصتها من الطلاب الجامعيين. وتؤكد هذه الجامعات على أن السياسات الحكومية المُقيِّدة لهجرة الطلاب الأجانب والعراقيل أمام استصدار تأشيرات هجرة هؤلاء الطلاب كانا من العوامل الرئيسية وراء انحسار الأعداد في الحالتين.

 سجلت المملكة المتحدة وكندا أعلى متوسط انخفاض في أعداد الطلاب، وفقًا لاستطلاع أجرته منصة «ستادي بورتالز»  Studyportals الكائنة في مدينة آيندهوفن الهولندية، وهي منصة مُتخصصة في مساعدة الطلاب على اختيار البرامج التعليمية المناسبة لهم.  ففي المملكة المُتحدة، انخفض عدد الطلاب الذين تسجلوا للالتحاق بالدراسات العليا بنسبة قدرها 18%، بينما انخفض عدد الطلاب الذين تقدموا للالتحاق بالجامعات بنسبة 4%. ويذكر أنه في مطلع العام الجاري، وضعت حكومة المملكة المتحدة قواعد هجرة مشددة، تقضي على سبيل المثال برفع الحد الأدنى للأجور التي يدفعها أصحاب العمل للمستقدَمين بموجب تأشيرة العمال المهرة، وبإقصاء أفراد الأسرة من طلبات التأشيرات الخاصة بالطلاب الجامعيين، وبرفع تكاليف التأشيرات.

 أما في كندا، فقد انخفض عدد المقبلين على الالتحاق بالدراسات العليا بواقع 27%، في حين قل عدد الطلاب المقدمين على الالتحاق بالجامعات بنسبة 30%.  وتأتي هذه النسب عقب قرارات تبنتها الحكومة الكندية في يناير من العام الجاري، عندما فرضت حدًا أقصى لعدد الطلاب الأجانب المسموح لهم بدخول البلد. وفي سبتمبر الماضي، أعلنت أن هذا الحد الأقصى سينخفض أكثر بنسبة قدرها 10% في العام المُقبل، ليصل عدد تصاريح الدراسة إلى 437 ألف تصريح، يُعتزم توسعة نطاقها لتشمل طلاب الماجستير والدكتوراه.  وأضافت الحكومة الكندية أن هذا الحدّ الأقصى يساعد على منح العمال الكنديين الأفضلية في سوق عمل آخذة في الركود، كما يضمن توفير الدعم للطلاب الأجانب.

 تعقيبًا على ذلك، صرّح جابرييل ميلر، رئيس جامعات كندا في مقاطعة أوتاوا، التي تضم ما يقرب من مائة جامعة، بأن وضع حدٍ لعدد الطلاب الأجانب قد أضر بسمعة البلد. وأضاف أن ذلك يعني"زيادة هائلة لا يُمكن تحمّلها في عجز ميزانيات الجامعات".

 أستراليا

 كذلك تفرض أستراليا قيودًا على الطلاب الأجانب.  فعلى سبيل المثال، رفعت الحكومة الأسترالية خلال العام الماضي رسوم تأشيرات الطلاب، وشدَّدت اشتراطاتها المتعلقة بإجادة اللغة الإنجليزية، في إجراءات يرى البعض أنها تسببت في تراجع أعداد الطلاب الأجانب.

 وكانت حكومة البلد قد خططت لفرض حد أقصى على عدد الطلاب الأجانب في جامعاتها اعتبارًا من عام 2025، لكن لم تحظ هذه السياسة بالدعم الكافي في البرلمان. ووفقًا لما صرّح به متحدث باسم وزارة التعليم الأسترالية، فإن هذه السياسة وُضعت بهدف العودة بأعداد الطلاب الأجانب إلى مستويات أكثر استقرارًا، لضمان توفير سكن آمن ودائم لجميع الطلاب، ولمواجهة الإشكاليات المتعلقة بالفساد والنزاهة في التعليم الدولي".

 ويرى باحثون أن تقليل أعداد الطلاب الأجانب من شأنه أن يؤجج المشكلات القائمة المُتعلقة بتمويل البحث العلمي. وتشمل هذه المشكلات انخفاض الإنفاق الحكومي على البحث العلمي على مدى العقد الماضي، وهو ما أدى إلى تراجع نسب الحصول على المنح البحثية التنافسية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. في ذلك الصدد، يقول شينوباتي جاجاديش، رئيس الأكاديمية الأسترالية للعلوم في كانبيرا: "نظام تمويل الأبحاث العلمية هشّ ومُتهالك".

على سبيل المثال، في عام 2022، أعلنت 27 جامعة من أصل 42 جامعة في أستراليا عن عجز في ميزانيتها، وبعضها أعلن بالفعل عن تقليص عدد الوظائف به. وهو ما أكدت عليه إيما جونستون، نائبة رئيس شؤون البحث العلمي، المُنتهية ولايتها، في جامعة سيدني، قائلة: "من المتوقع أن تعاني الجامعات في مختلف أنحاء أستراليا من أزمات مالية، إن لم تكن تعاني منها بالفعل".

 وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في هذا السياق في انخفاض مساهمة التمويلات الحكومية في تغطية النفقات غير المباشرة التي تتكبدها الجامعات، مثل النفقات لقاء تشغيل المرافق ولقاء الاشتراك في الدوريات العلمية. وتسد الجامعات هذا العجز بشكلٍ أساسي عن طريق الرسوم التي يدفعها الطلاب الأجانب.

 في هذا الإطار، يقول بيتر هوج، نائب رئيس جامعة أديلايد الأسترالية، إن انخفاض نسبة قبول الطلاب في الجامعات من شأنه أن يُضعِف قدرة هذه المؤسسات التعليمية على تمويل الأبحاث الجيدة. وأضاف: "تلك هي المُعضلة الحالية".

 إجراءات تقشُفية

 بدأت جامعات بالفعل في وضع خطط للتصدي لمشكلة انخفاض مدخولها من رسوم الطلاب الأجانب. ويقول هوج إن هذا يعني عمليًا عدم ملء الوظائف الشاغرة عند مغادرة أصحابها لها.  ووفقًا لجونستون، يرجح أن الضرر الأكبر من جراء ذلك سيقع على الباحثين ممن في مقتبل حياتهم المهنية.

 وحسبما تفيد مارجريت شيل، نائبة رئيس جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في مدينة بريزبِن الأسترالية، فإن الباحثين الذين يعملون في مجالات أقرب إلى هذا الخطر أو أقرب إلى الطبيعة النظرية سيطالهم هذا الضرر، لأن أبحاثهم غالبًا ما تكون مُمولة من الجامعات نفسها.

 على سبيل الحل، "يُتيح التعاون مع الصناعة فُرص تمويل أكبر"، هكذا علقَت برونوين فوكس، نائبة رئيس شؤون البحث العلمي والابتكار في جامعة نيو ساوث ويلز بمدينة سيدني الأسترالية، والتي حققت جامعتها نجاحًا كبيرًا في الحصول على هذا النوع من التمويلات. وتابعت: "سيتحتَّم علينا إيجاد طرق مبتكرة لإدارة الموارد، على قِلتها، لتحقيق الكثير".

حجم الضرر

 في كندا، يقول ميلر إن الجامعات لا تزال تحاول قياس حجم التبعات الناجمة عن فرض حد أقصى على عدد الطلاب الأجانب، ولكن بدأت بعض الأرقام في الظهور.

 على سبيل المثال، في الشهر الماضي، توَقع مجلس جامعات أونتاريو خسائر في المقاطعة بقيمة 900 مليون دولار كندي (642 مليون دولار أمريكي) خلال الفترة من عام 2024 إلى عام 2026، ويُتوقع أيضًا أن تؤدي التغييرات المُعلن عنها في سبتمبر الماضي إلى مفاقمة تلك الخسائر.

 عن ذلك، يقول ميلر: "العبرة من التجربة الكندية هي توخي الحذر عند اللجوء إلى الإجراءات الصارمة مثل الحدّ الأقصى المُفروض على عدد الطلاب هنا، لأن تأثيرها قد يبلغ حدًا أبعد من المقصود، وقد تتسبب في أضرار دائمة للتعليم والاقتصاد ككل".

 تعقيبًا على ذلك، تقول إيزابيل دوبوا، المتحدثة باسم الدائرة الكندية للهجرة واللاجئين والمواطنة: “تُقدر كندا القيمة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يجلبها الطلاب الأجانب إلى البلد".  لكنها أضافت أنه لم يكن من المُمكن الحفاظ على نمو أعداد الطلاب الأجانب السنوي وضمان حصولهم في الوقت نفسه على الدعم الذي يحتاجونه.

 ووفقًا لما أوضحه هوج، في نهاية المطاف، سيؤدي تقليل الاستثمار في البحث العلمي إلى إضرار الاقتصاد، الذي يعاني بالفعل تحت وطأة شيخوخة السكان وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية.

   ُنشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ 27 نوفمبر عام 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.330