لا بد من وضع حد لاختفاء ملايين الأوراق البحثية
18 December 2024
نشرت بتاريخ 9 ديسمبر 2024
تابعت دراسة ذات مجموعات مقارنة أبحاث أكثر من ألف باحث في شركة لم يفصح عن اسمها لعلوم المواد ووجدت زيادة في نسب الاكتشافات وبراءات الاختراع بالشركة.
بدأ استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في البحوث التطبيقية ينتشر على نطاق واسع، لكن هل تبتكر هذه الأدوات المواد النافعة بوتيرة أسرع من البشر؟ من السابق لأوانه الجزم بذلك، إلا أن هذا الاحتمال ترجحه نتائج دراسة واسعة النطاق.
إذ تابع آيدان تونر-رودجرز، اختصاصي علم الاقتصاد من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بكامبريدج آثار نشر استخدام إحدى أدوات تعلم الآلة بمختبر شركة لم يفصح عن أسمها، توظف ما ينيف على الألف باحث.
ووَجَد أن الفرق البحثية التي اختيرت عشوائيًا لاستخدام أداة تعلم الآلة كان عدد اكتشافاتها من المواد المبتكرة الجديدة أكبر بنسبة 44% من نظيرتها التي لزمت سير العمل التقليدي، كما تقدمت بعدد أكبر من طلبات براءات الاختراع بنسبة 39%، مقارنة مع النظراء أنفسهم. وقد نشر تونر-رودجرز تلك النتائج على الإنترنت الشهر الماضي، كما تقدم بها إلى دورية تخضع مقالاتها البحثية لمراجعة الأقران.
"تأسر تلك الورقة البحثية قارئها"، على حد وصف روبرت بالجريف، خبير كيمياء الحالة الصلبة من كلية لندن الجامعية، بالمملكة المتحدة، إلا أنه يستدرك قائلًا إن محدودية المعلومات المفصح عنها الخاصة بالتجربة تعوق تقييم نتائج نشر استخدام الأداة. ويضيف: "لست متفاجئًا من قدرة الذكاء الاصطناعي على الخروج لنا بكثير من الاقتراحات، لكن ما تنقصنا معرفته هو ما إذا كانت تلك الاقتراحات جيدة، أم لا".
مبتكر مواد غامض
أُتيح لتونر-رودجرز الوصول إلى بيانات خاصة من المختبر وإجراء مقابلات مع الباحثين، بشرط التحفظ على أسم الشركة والمنتجات التي صممتها. وكتب في هذا الإطار أن الشركة أمريكية مختصة بتطوير مواد غير عضوية جديدة – ومنها المركبات الجزيئية والبِنَى البلورية والزجاج والخلائط المعدنية – لاستخدامها في "مجال الرعاية الصحية والبصريات والقطاع الصناعي".
ومنذ عام 2022، عمدت الشركة بصورة ممنهجة إلى تبني أداة ذكاء اصطناعي صممتها خصيصًا لموائمة احتياجاتها. وبحسب ما يفيد تونر-رودجرز، تدمج أداة الذكاء الاصطناعي تلك بين قدرات الشبكات العصبية المعالِجة للرسوم البيانية (وهو نهج رائج في مجال استكشاف المواد توظفه، على سبيل المثال، شركة «ديب مايند» DeepMind التابعة لشركة «جوجل»، ومقرها لندن) وقدرات التعلم التعزيزي. وقد دُربت هذه الشبكات العصبية مسبقًا باستخدام بيانات من عدد من قواعد البيانات الشاسعة القائمة، كبيانات البِنى البلورية وخواصها من قاعدة بيانات «مشروع المواد» Materials Project، وبيانات البِنى الجزيئية في قاعدة بيانات «ألكسندريا ماتيريالز» Alexandria Materials Database.
ويلقِّم الباحثون هذه الشبكات العصبية بالخواص التي ينشدونها للمواد، لتقترح لهم هذه الشبكات بِنى مبتكرة لمواد قد تتسم بتلك الخواص. ومن ثم يستبعد أفراد الفِرَق البحثية الصيغ الكيميائية التي قد تفشل – كتلك التي قد لا تؤدي إلى مركبات مستقرة – بالاستناد إلى خبرتهم وعمليات المحاكاة الحاسوبية. بعد ذلك، تحاول الفِرَق البحثية تخليق البِنَى التي تبشر بنتائج واعدة، وحال نجاح هذه البِنى في تحقيق النتائج المرجوة، تُختبر فاعليتها في تجارب وكذلك نماذج منتجات نهائية. وتُغذى الشبكة العصبية بالنتائج، في مرحلة "التعلم التعزيزي" التي تُساعدها في تحسين قدراتها التنبؤية.
نتائج متباينة
بوجه عام، أنتجت الفرق البحثية المستخدمة لأدوات الذكاء الاصطناعي المواد المبتكرة بكمية أكبر من الفرق البحثية التي اتبعت سير العمل التقليدي. إلا أن تونر-رودجرز وجد أيضًا اختلافات بين الفرق التي دعمتها أدوات الذكاء الاصطناعي. فالباحثون الأفضل أداءً تحسن مستواهم، في حين بدا أن من صنفوا على أنهم الأسوأ أداء لم ينتفعوا كثيرًا من استخدام الأداة. فكتب تونر-رودجرز يقول: "يستغل العلماء المتفوقون خبرتهم بالمجال في إعطاء الأولوية لتجربة اقتراحات الذكاء الاصطناعي الواعدة، في حين يستنزف الآخرون موارد هائلة في تجربة مواد تتضح عدم فاعليتها".
ويعلق على ذلك جيفن ويست، اختصاصي علم الاجتماع الحاسوبي من جامعة واشنطن في مدينة سياتل الأمريكية، قائلًا: "ما أجده الأشد إثارة للاهتمام هو أن الباحثين المتفوقين هم الأكثر استفادة من الذكاء الاصطناعي، بغض النظر عما إذا كان ذلك حقيقة أم تصورًا".
يستغرق تطوير مادة جديدة وإدماجها في منتج، لتُصنَّع على نطاق واسع العديد من الأعوام، وحتى عقودًا. ولذلك، لا يمكن لدراسة تمتد لعامين قياس مدى نجاح تلك الابتكارات. وعليه، في مقاربة بديلة، أستخدم توني-رودجرز العديد من المؤشرات الموضوعية، مثل إحصاء ظهور أزواج محددة من الكلمات في نصوص طلبات براءة الاختراع، ليتكشف له أن المواد المُخلقة بالذكاء الاصطناعي كانت "مبتكرة بدرجة أكبر" من تلك التي صممها البشر، أي مختلفة بدرجة أكبر عن تلك الموجودة بقاعدة البيانات الأصلية. ويرى تونر-رودجرز أن المفاجأة الكبرى أن أداة الذكاء الاصطناعي لم تُكرر ببساطة معلومات دون دراسة أو تحليل.
على أن المؤشرات كتلك التي استخدمها تونر-رودجرز، وهي مؤشرات لها أساس من الواقع، قاصرة، بحسب ما يرى ويست. وتكتم الشركة "يقف حقًا حاجزًا أمام مشاركة باحثين آخرين في الدراسة"، على حد تعبيره. ويؤيده في الرأي بالجريف الذي يرى أن غياب التفاصيل الدقيقة حول الكيفية التي تتفوق بها المواد المكتشفة بالذكاء الاصطناعي على غيرها من المواد يصعِّب حتى تقييم النتائج المبدئية. مع ذلك فهو يضيف" يبدو أن تلك الفِرَق البحثية لن تتجشم عناء تسجيل براءات اختراع أو ابتكار نماذج إلا إن كانت ترى صحة تلك الخطوة، ولكن ليس لدينا دليل مباشر على صحتها". وقد أشاد بالشركة كلا من ويست وبالجريف لتنفيذها دراسة عشوائية في بداية عام 2022، قبل إطلاق روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» ChatGPT المدعم بالذكاء الاصطناعي، والذي أثار ضجة واهتمامًا بمجال تعلم الآلة.
ويذكر أن الباحثين المستخدمين للذكاء الاصطناعي قد أعربوا في استبيان بغرض المتابعة عن تزايد استيائهم من وظائفهم. إذ نزعت الأداة بعض الجوانب الإبداعية عن هذه الوظائف، لينحصر دور هؤلاء الباحثين في أغلب الوقت في انتقاء المواد التي قد تنتقل إلى المرحلة التالية من الدراسة والتي اقترحتها الأداة. تعقيبًا على ذلك، يقول تونر-رودجرز" تقييم اقتراحات الذكاء الاصطناعي مهم، لكنه يبقى مهمة أقل إبهاجًا".
نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ 3 ديسمبر عام 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.331
تواصل معنا: