حسناء الشناوي: عالمة وضعت المغرب على خريطة أبحاث النيازك
25 December 2024
نشرت بتاريخ 11 ديسمبر 2024
كثيرًا ما تولِّد الضوابط الصارمة الحاكمة لمنح هذه الجوائز الإحباط. فكيف قد تختلف هذه الفعالية المرموقة إن نُظمت لمواكبة عصرنا الحالي؟
دائمًا ما يحفَل موسم جوائز «نوبل» بأجواء من الإثارة والحماس والتكهنات بشأن من قد يكللون بالفوز بجوائز هذه الفعالية، التي تُعد الأرفع على الساحة العلمية. لكن مع هذه الأجواء تُولد أيضًا عاصفة من الانتقادات للضوابط الصارمة الحاكمة لمنح الجوائز. فليس من المنطقي أن نتوقع ملاءمة الأحكام التي وضعها ألفريد نوبل قبل 129 عامًا لطبيعة الحركة العلمية في وقتنا الحاضر.
ورغم وفرة الجوائز التي تُمنح تكريمًا للعلماء على الساحة العلمية، وأن بعضها مُجز ماليًا أكثر من جوائز نوبل (على سبيل المثال، جوائز «بريك ثرو»Breakthrough قيمتها 3 ملايين دولار)، لا يوجد بينها جائزة تضاهي جائزة «نوبل» رفعةً أو سموًا على صعيد المكانة الثقافية. فإن كان لجوائز «نوبل» أن تُدشن في عصرنا الحالي، هل سيتحتم بالتبعية اختلاف طابعها؟
إجابةً عن هذا السؤال، يقول عالم الكيمياء بينجت نوردن من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في مدينة جوتنبرج السويدية، والذي رأس لجنة جائزة نوبل في الكيمياء لثلاثة أعوام: "من جانبي، أرى أنه ليس هناك ما يوجِب اختلاف معايير جوائز نوبل بدرجة كبيرة، بل إن عليها أن تبقى سارية على الوجه الذي قصده ألفريد نوبل".
ومن القضايا التي تتبادر إلى الأذهان في هذا السياق هو ما إذا كانت فئات جوائز «نوبل» تغطي على نحو واف أهم أركان البحث العلمي. فهذه الجوائز تكرِّم بوجه عام الإنجازات في مثلث العلوم الطبيعية الكلاسيكي، والذي يشكله كل من الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا. لكن مما لا شك فيه أن هذه المجالات تتداخل لتعبر الحدود الفاصلة بينها. على سبيل المثال، امتدت آفاق جوائز الفيزياء إلى مجالات مثل الديناميكا غير الخطية وعلم الفلك، في حين امتدت آفاق جوائز الكيمياء إلى علوم الأرض، كما يُستدل على ذلك من جائزة عام 1995 التي كرمت أبحاثًا حول طبقة الأوزون وكيمياء المناخ، ومن جائزتي نوبل في الكيمياء والفيزياء لهذا العام اللتين سلطتا الضوء على حقل الذكاء الاصطناعي.
العلوم الرياضية مُهملة
يرى جوران هانسون، اختصاصي علم الفيزياء من معهد كارولينسكا في ستوكهولم، ونائب الرئيس السابق لمؤسسة «نوبل» أن عنوان جائزة الفسيولوجيا أو الطب يوحي بأنه نابع من ممارسة تصنيفية عفى عليها الزمن، رغم ذلك، فهو أكثر ملاءمة من التصنيفات الأعم للجائزة كتصنيفها ضمن نطاق علم البيولوجيا، أو علوم الحياة، لأن الجائزة ينصب اهتمامها على الطب الإكلينيكي أو الاكتشافات البيولوجية ذات الصلة بالبشر (مثال ذلك منح جائزة نوبل في الطب عام 2022 عن اكتشافات متعلقة بالتطوُر البشري).
ويشير هانسون إلى أن فعاليات نوبل لا تفرد فئة من فئات جوائزها لعلم الرياضيات، رغم أن هيئات أخرى مانحة للجوائز تعطي هذا العلم حق قدره، مثل «جوائز وولف» Wolf Prize و«وسام فيلدز»Fields Medal.. ويضيف أنه ليس هناك ما يمنع أي جهة تمويل من اقتراح فئة جديدة من الجوائز، التي يمكن أن تمنحها مؤسسة نوبل، كما حدث في حال جائزة نوبل في الاقتصاد، التي تمنح تخليدًا لذكرى ألفريد نوبل — والتي أطلقها بنك السويد المركزي عام 1969.
بعض جوائز العلوم الشهيرة الحديثة تخدم في علاج بعض هذا القصور، وليس كله. على سبيل المثال، عام 2005، أطلقت مؤسسة رجل الأعمال فريد كافلي «جوائز كافلي» Kavil Prizes التي تُقدر قيمتها بمليون دولار أمريكي، وهي جوائز تمنحها الأكاديمية النرويجية للعلوم والآداب في أوسلو، وتُكرِّم الإنجازات البحثية في مجالات الفيزياء الفلكية وعلوم النانو والعلوم العصبية، بوصفها مجالات رأى كافلي أنها "الأكثر إثارة لاهتمام عالم القرن الواحد والعشرين والمستقبل". أما جوائز «بريك ثرو» Breakthrough prizes التي دشنتها مجموعة من رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا ومنهم يوري ميلنر ومارك زوكربيرج، فتُكرم سنويًا الإنجازات في مجال الفيزياء الأساسية وعلوم الحياة وعلم الرياضيات.
ولعل أكثر ما يثير الجدل بشأن جوائز «نوبل» هو أنها تفرض حدًا أقصى لعدد الفائزين في كل فئة من الجوائز. ويرى البعض أن هذا الحد لا يعكس التعاوُن الكثيف الذي بات يميز الأبحاث منذ إطلاق جوائز نوبل. غير أن هانسون يدفع بضرورة فرض حد أقصى لعدد الفائزين. فيضيف: "من نافلة القول، أن العدد ثلاثة ليس قدسًا من الأقداس هنا، لكن فرض حد أقصى لعدد الفائزين ضروري. فهو يدفعنا دفعًا إلى بذل جهود أكبر للوقوف على من يُنسب لهم حقًا الاكتشاف".
أين ينتهي الفريق البحثي؟
يقول نيلز هانسون المؤرخ من جامعة هاينريش هاينه في مدينة دوسلدورف الألمانية إن الجوائز المرموقة "تُسلط الضوء على الباحثين وأبحاثهم، وترسم مساراتهم المهنية، وتصنع نماذج يُحتذى بها". وهو يرى أن تكريم أفراد من الباحثين قد يفيد العلوم، لكنه يشكك في أن هذا النفع سيتحقق إن مُنحت الجوائز لفرق بحثية كاملة. كما يتساءل: "في التعاون البحثي الدولي متداخل التخصصات، أين يبدأ وأين ينتهي الفريق البحثي؟"
ويؤيده في الرأي نوردن، الذي يرى أن إتاحة فوز الفرق البحثية الكبيرة بالجائزة من شأنه أن "يضعف تأثيرها". أما جوران هانسون، فيقر بأن الأبحاث التي تتطلب فرقًا علمية كبيرة، لا سيما أبحاث فيزياء الجسيمات، تمثل حالة فريدة تضفي المزيد من التعقيد على الصورة. من هنا، فإن جائزة «بريك ثرو» لا تضع حدًا أقصى لعدد الفائزين بها. على سبيل المثال، في الفيزياء، كرمت الجائزة عام 2016 1015 شخصًا عن أبحاث حول الرصد التجريبي لموجات الجاذبية .
لا شك أنه سيكون من الصعب على الجوائز الجديدة منازعة جوائز «نوبل» ذات الإرث التاريخي على مكانتها، إذ تضم قائمة الفائزين بـ«نوبل» ماري كوري، وألبرت آينشتاين، وفيرنر هايزنبيرج، وجيمس واتسون، وفرانسيس كريك، وفريدريك سانجر وسيدني برينر. في هذا الإطار، تقول ليز أوفريس، رئيسة الأكاديمية النرويجية للعلوم والآداب، وهي عالمة متخصصة في الأحياء الدقيقة من جامعة بيرجِن في النرويج: "قد تكتسب الجوائز بعضًا من مكانتها بفضل من سبق لهم الفوز بها".
وهنا نتساءل هل تختلف مكانة الجوائز لو اختلفت قيمتها المادية؟ أظهر استطلاع رأي صغير النطاق أجراه نيلز هانسون لعدد من الأطباء والباحثين في مجال الطب1 أن العلماء يرون أن الاهتمام الإعلامي قد يعزز من مكانة الجائزة.
وفي ذلك الصدد، يقول ميلنر إن القيمة المادية الهائلة لجوائز «بريك ثرو» كان الهدف منها "بث رسالة مفادها استنكار الفارق الهائل بين أجور لاعبي كرة السلة والعلماء". ويوضح ذلك قائلًا إن الجوائز الأكاديمية والعلمية جميعها إيجابية وجيدة، لكننا "نحتاج حقًا إلى أن يدرك المجتمع بوجه عام أن العلماء يجب أن يُحتفى بهم بقدر ما يُحتفى بالممثلين ونجوم الفن والرياضة". ويضيف: "تطلعنا إلى إكساب العلماء شهرة".
القرار بمنح الجائزة
من أهم النقاط مثار الجدل حول جوائز «نوبل» الكيفية التي تُتخذ بها قرارات منح جوائز هذه الفعالية . فمن جانب، تشتهر لجنة جوائز «نوبل» بسعيها الجهيد لأن تكون عصية على الرضوخ لتأثير جماعات الضغط. وهو ما يؤكد عليه جوران هانسون. فيرى أن العزلة الجغرافية للجنة عن "أبرز مراكز العلوم" تساعدها على مقاومة هذه الضغوط. لكن من جانب آخر، بحسب ما يرى نيلز هانسون، فإن "استراتيجيات التسويق وشبكات العلاقات الشخصية، تؤثر في قرارات منح هذه الجوائز التي لا يُبت فيها على أساس معايير موضوعية، بعكس الحال في الرياضة2.
على سبيل المثال، تشكل النساء نسبة ضعيفة بين الفائزين بجوائز نوبل حتى باحتساب عدم التكافؤ بين أعداد الرجال والنساء في المجال البحثي بوجه عام 3. رغم ذلك، تجدر الإشارة إلى أن استطلاع الرأي الذي أجراه هانسون كشف أن 41% من المستطلعين (وثلثيهم من الذكور) رأوا أن الانحياز للنوع الجنسي لم يؤثر أو أثر بالكاد على قرارات منح الجائزة، في آراء يبدو أنها تستنكر وجود أي إشكاليات ناجمة عن اللامساواة بين الجنسين.
وفيما يخص جوائز «بريك ثرو»، يفيد ميلنر بأن قضايا التنوع الطيفي "دائمًا ما تكون في بؤرة اهتمام أعضاء لجان منح الجوائز". على سبيل المثال، جائزة «مريم ميرزاخاني نيو فرونتيرز» Maryam Mirzakhani New Frontiers (والتي أُطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى مريم ميرزاخاني عالمة الرياضيات الإيرانية، أول امرأة تفوز بوسام فيلدز، والتي توفيت عام 2017 بعمر 40 عامًا)، هي إحدى جوائز «بريك ثرو»، وتُمنح للنساء عن أفضل أطروحة دكتوراه في علم الرياضيات.
ثقافة الجوائز
بناء على ما تقدَم، هل بالإمكان تصميم جائزة تستند إلى أسس من المنطق والعدل لتكافئ الأجدر وتحظى بمكانة مرموقة في الوقت نفسه؟ يبقى هذا السؤال عالقًا بلا جواب. يشكك هانسون في كفاية ما نعرفه عن العوامل الاجتماعية التي تحكم إجراءات منح الجوائز وما يترتب على هذا المَنح من آثار، الأمر الذي يرى أنه يضفي صعوبة على تصميم جائزة كتلك. فيقول: "لا يزال فهمنا لثقافة منح الجوائز وديناميكياتها يفتقر إلى العمق".
فهل ضوابط جوائز «نوبل» باعثة على الإحباط للجان المانحة لها؟ إجابة على ذلك، يقول جوران هانسون: "نعم، بلا شك. من الباعث على الإحباط أننا لا نستطيع تكريم سوى عدد ضئيل من أصحاب الاكتشافات المهمة. وإن كان لنا أن نؤسس جوائز «نوبل» اليوم، يُحتمل أننا كنا سنختار فئات مختلفة بعض الشيء لمجالاتها أو ربما أوصافًا مختلفة لهذه المجالات". كذلك تُعد السرية الشديدة التي تحيط بمداولات لجان منح جوائز «نوبل» مثار إحباط لأعضاء هذه اللجان، الذين يتعين عليهم بالتالي "التزام التكتم والصمت" عند التشكيك في بعض قرارتهم، بحسب ما يفيد جوران هانسون. ولأن عملية تحديد الفائزين تستغرق عادة وقتًا طويلًا، "قد تكون وفاة المرشح للجائزة قبل إعلانها مؤسفة للغاية"، حسبما يضيف.
لكن جوران هانسون يرى أن جوائز «نوبل» تسير على الطريق الصحيح في بعض الجوانب على الأقل. فيقول " يقدِم مئات من العلماء على ترشيح مئات من نظرائهم للفوز في كل من فئات هذه الجوائز". وقد زاد عدد هذه الترشيحات خلال الخمس وعشرين عامًا الماضية. تعليقًا على ذلك، يقول جوران هانسون: "إن كانت فئات جوائز نوبل منقطعة الصلة بعالم اليوم، ألن نتوقع انخفاض هذا العدد؟".
نُشر هذا المقال بتاريخ 11 أكتوبر عام 2024 في دورية Nature.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.332
References:
1. Hansson, N. & Schlich, T. Notes Rec. 78, 257–262 (2024).
2. Hansson, N. & Schlich, T. Notes Rec. 78, 283–298 (2024).
3. Lunnemann, P., Jensen, M. H. & Jauffred, L. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.1810.07280 (2018).
تواصل معنا: