أخبار

كيف تروج لعلمك دون التنكر لمبادئك

نشرت بتاريخ 17 مارس 2025

دليلٌ من خمس خطواتٍ حول كيفية التواصل العلمي بطريقةٍ أخلاقية ودقيقة.

بقلم: كيشا جْرير

أُدينَت إليزابيث هولمز (الثانية من اليسار) بالتآمر والاحتيال على المستثمرين في شركتها «ثيرانوس» Theranos، بعد المبالغة في الترويج للمفاهيم العلمية وراء عملها.
أُدينَت إليزابيث هولمز (الثانية من اليسار) بالتآمر والاحتيال على المستثمرين في شركتها «ثيرانوس» Theranos، بعد المبالغة في الترويج للمفاهيم العلمية وراء عملها.
Credit: Nic Coury/AP/Alamy

إنَّ مشاركة الاكتشافات العلمية تتطلب قدرًا من العناية لا يقل بأي حالٍ من الأحوال عما يتطلبه اكتشافُها، وهي حقيقةٌ لم أدركها تمام الإدراكِ إلا بعد انتقالي من البيئة الأكاديمية إلى مجال العلاقات العامة. فمن الممكن أن تفضي أخطاءُ التواصل — سواءٌ أكانت مقصودة أم غير مقصودة — إلى تقويض الثقة، بل والإضرار بسُمعة مجالاتٍ علمية بأكملها.

استهللتُ مسيرتي المهنية في مجال التواصل العلمي بوصفي باحثة ما بعد الدكتوراه في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، وأمضيتُ فترةً من الوقت في العمل لدى مكتب السياسات والاتصالات بالمعهد الوطني لأبحاث التمريض التابع لمعاهد الصحة الوطنية. وحينما أدتْ جائحة «كوفيد-19» إلى تجميد الأبحاث غير العاجلة في حرم معاهد الصحة الوطنية، قررتُ البدء في استكشاف الفرص المهنية في مجال التواصل العلمي. وشغلتُ منصبًا لدعم الاتصالات الطبية والعلمية في برامج الأبحاث الطبية المموَّلة من الكونجرس، والتي تموِّل أبحاث الطب الحيوي في الولايات المتحدة. في عام 2021، انتقلتُ إلى مجال العلاقات العامة من خلال حصولي على وظيفةٍ في وكالة تُدعَى «لايفساي كوميونيكيشنز» LifeSci Communications في مدينة نيويورك، ثم ما لبثتُ أن تخصَّصتُ بعد عامٍ في مجال السرد العلمي للأبحاث في مؤسسة «سينيوس هيلث كوميونيكيشنز» Syneos Health Communications، التي يقع مقرها أيضًا في نيويورك.

إننا في مجال العلاقات العامة نشكِّل رؤية الأشخاص ونظرتهم إلى شركة أو منتج ما، حيث نعمل عبر العديد من منصات الاتصال: المواقع الإلكترونية، والبيانات الصحفية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها. في وظيفتي، أركِّز على إنشاء سردٍ مُقنِع يساعد شركات التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية في إيصال نهجها العلمي إلى المستثمرين ووسائل الإعلام والمستهلكين. وفي رأيي أن تبسيط الموضوعات المُعقَّدة وتحويلها إلى رسائل مؤثرة تلقى صدًى لدى الجمهور هو تحدٍّ ممتع.

وسواءٌ أكان الأمر يتعلق بمساعدة عميلٍ في شرح سبب تميُّز المفاهيم العلمية الكامنة وراء العلاج المقدَّم من جانبه، أم بالتصدي للمعلومات المغلوطة والمضلِّلة بشأن اللقاحات، فقد وجدتُ أن إغراء تحريف البيانات أو تضخيمها أو الترويج لها على نحو مبالَغ فيه حاضرٌ دائمًا، وكذلك المخاطر التي تنجم عن ذلك.

لنأخذ مثالًا على ذلك شركة «ثيرانوس» Theranos، التي كانت شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية في مدينة بالو ألتو بولاية كاليفورنيا. فقد جذبت الادعاءاتُ الجريئة للشركة حول إحداث ثورة في اختبارات الدم اهتمامَ الجمهور والمستثمرين، إلا أن إحجامها عن الاعترافِ بمواطن القصور التقنية أو مشاركة البيانات بشفافية قد أسفر عن واحدة من أكثر الفضائح شهرةً في مجالَي العلوم والتكنولوجيا، التي انتهت بإغلاق الشركة في عام 2018، وإدانة مُؤسِّستها إليزابيث هولمز بتهمة الاحتيال في عام 2022.

أثارت هذه التداعياتُ تساؤلاتٍ لدى العلماء حول ما إذا كانت منافع الابتكارات العلمية الأخرى قد جرى تضخيمها والترويج لها على نحو مبالَغ فيه، ودعا كثيرون إلى تقديم أدلة أكثر صرامةً تخضع لمراجعة علمية دقيقة قبل تمويل مشروعاتٍ جديدة. ويوضح هذا التأثير المتتالي المخاطرَ التي ينطوي عليها سوءُ التواصل؛ إذ يمكن أن يقوِّض ثقة الجمهور في الإنجازات العلمية الحقيقية، محوِّلًا الحقائق إلى خرافاتٍ من نَسْج الخيال.

إنَّ إغراء "التنازل عن المبادئ" موجودٌ في شتى أنحاء صناعة التواصل العلمي، حيث يمكن أن تطغى الرغبة في التميُّز وإظهار التفوق على المسؤولية في التواصل النزيه. قد يبدو تضخيم النتائج، أو انتقاء البيانات حسب الهوى، أو تقديم ادعاءاتٍ لم تدعمها الأدلة بعد، طريقًا سريعًا لتمويل الأبحاث أو الاعتراف بها. ولكن هذه الطرق المختصرة لها ثمن باهظ، وهو: تقويض الثقة، وازدياد الشكوك حول الأبحاث المستقبلية، وفي بعض الأحيان، الإضرار بسُمعة المجال العلمي برمته.

الدروس المُستخلَصة من شركة «ثيرانوس» واضحة، وهي أن التدليس والسرّية يشكِّلان مزيجًا خطرًا. ولكن كيف يتسنى للعلماء تجنب الوقوع في هذه الفخاخ والتواصل العلمي بمسؤولية؟ إليكم بعض الاستراتيجيات للتواصل العلمي دون تجاوز الحدود والوقوع في شرك التحيز والمبالغة.

تعمل كيشا جْرير في مجال العلاقات العامة، حيث تساعد الشركات في إيصال نهجها العلمي بصدقٍ وبطريقة أخلاقية.
تعمل كيشا جْرير في مجال العلاقات العامة، حيث تساعد الشركات في إيصال نهجها العلمي بصدقٍ وبطريقة أخلاقية.
Credit: Julia Johnson Photography

وضع توقعاتٍ واقعية

العلم مثيرٌ بطبيعته؛ فهو يفتح المجالَ أمام فرص جديدة ويقدم حلولًا للتحديات المُلحَّة. ولكن هذا الحماس يجب ألا يكون على حساب المصداقية. نادرًا ما تكون الأبحاث العلمية خاليةً من العيوب. والمبالغة في الترويج لها من خلال تضخيم تأثيرها أو التقليل من عيوبها يمكن أن تأتي بنتائج عكسية؛ ما يؤدي إلى خيبة أمل وشكوكٍ عند ظهور الصورة الكاملة.

إحدى الطرق الممكنة لوضع توقعاتٍ واقعية أن تسأل نفسك: "إذا اجتُزئتْ هذه الجملة من سياقها وصيغت في عنوان، فهل ستظل تمثِّل البحث بدقة؟" يساعد هذا التمرين في تحديد العبارات الفضفاضة والمتفائلة على نحو مفرط، التي ينبغي الاستعاضة عنها بمفرداتٍ دقيقة من واقع السياق، مثل "بحث في مراحله الأولية" أو "نتائج ما قبل التجارب الإكلينيكية".

ثمة نَهجٌ آخر يتمثل في التركيز على الرحلة العلمية وليس مجرد الانشغال بالنتيجة النهائية. فبدلًا من القول: "استنادًا إلى البيانات الإكلينيكية الأولية، يمكن لهذا العلاج أن يَشفي مرضى السرطان"، من الأفضل تسليط الضوء على الخطوة التالية: "تشير البيانات الإكلينيكية الأولية إلى أن هذا العلاج له القدرة على تحسين النتائج لمرضى السرطان. ولمزيدٍ من التحقق من هذا الأمر، بدأنا المرحلة الثانية من الدراسة لفهم تأثيرات هذا العلاج على نحو أفضل، ونتوقع معرفة النتائج الأولية بحلول نهاية العام المقبل". يُبرز هذا التصريح بوضوح التقدُّم المُحرَز، مع الاعتراف في الوقت نفسه بأنَّ البحث لا يزال مستمرًا.

يضمن التواصل الواضح فهمَ الجمهور لطبيعة العلم التكرارية. فالبحث العلمي يتطوَّر باستمرار. ووضعُ توقعاتٍ واقعية من البداية يدعم نشأة ثقةٍ وحماس يدومان فترةً أطول من العناوين الرئيسية الأولى الرنانة.

التعرُّف على احتياجات الجمهور

إنَّ الرسالة التي تلقى صدًى لدى مجموعةٍ ما قد تعجز عن إحداث نفس الأثر لدى مجموعةٍ أخرى. ومن ثَمَّ، من الضروري البحث عن أسلوب التواصل الذي يتناسب مع الجمهور المُستهدَف.

على سبيل المثال، عند التقدُّم بطلبٍ للحصول على منحة بحثية حول استجابة الخلايا الجذعية لإصابات الدماغ الرضحية (TBI)، لا بد من التركيز على الجدوى، والتأثير المحتمَل، والأهداف القابلة للقياس؛ لبيان الكيفية التي يمكن بها لهذا البحث سدُّ إحدى الفجوات في علاجات إصابات الدماغ الرضخية. أما عند عرض النتائج في مؤتمر علمي، فلا بد من تسليط الضوء على المنهجيات والتفاصيل التقنية التي تدعم النتائج المُقدَّمة. ناقِش، على سبيل المثال، تقنيات التصوير المُستخدَمة في تتبع اندماج الخلايا الجذعية والاستراتيجيات المُتبَعة في قياس استجاباتِ هذه الخلايا.

أما عندما تُخاطِب عمومَ الناس، فلا بد من التركيز على أهمية بحثك للمجتمع وما يمكن أن يتوقعه الناس من نتائج. تجنَّب إغراقهم بالتفاصيل التقنية المُعقَّدة. وهذا قد يتطلب منك تبسيطَ رسالتك بحيث يسهل فهمُها على نطاقٍ أوسع، مثل: "يستكشف بحثي قدرة الدماغ على الاستشفاء الذاتي باستخدام خلاياه لإصلاح التلف الموجود".

من خلال مواءمة رسالتك مع احتياجات الجمهور المُستهدَف، يمكنك تجنب سوء الفهم والتأكُّد من إيصال أهم المعلومات بوضوح. يساهم التواصل الواضح والموجَّه في بناء المصداقية؛ ما يخلق أساسًا للتفاعل المستمر على المدى الطويل.

الشفافية في استخدام البيانات لبناء أواصر الثقة

الشفافية ليست مجرد مسؤولية أخلاقية، بل هي أساسُ الثقة. فالناس يقدِّرون الصدق، خصوصًا عندما يتضمن الحديثَ عن التحديات والشكوك.

البياناتُ جوهر العلم، ويجب استخدامها بعناية ووفرة لدعم الحجج. فقد يؤدي تسليط الضوء على النتائج الإيجابية وحدها إلى تقديم صورة غير دقيقة عن البحث؛ ما يدفع الجمهور إلى المبالغة في تقدير تأثيره. عوضًا عن ذلك، يجب تقديم رؤية متوازنة تستعرض البيانات المؤيِّدة والمُعارِضة على حَدٍّ سواء، مع التسليم بأي مواطن قصور موجودة.

عند تحضير البيانات لعرضها، أسألُ نفسي غالبًا: "ما الفكرة الأساسية التي يجب أن يستوعبها الجمهور؟ وما السياق اللازم لفهمها فهمًا تامًّا؟" من ذلك مثلًا، إذا أظهرتْ دراسةٌ حول مرض «باركنسون» نتائجَ إيجابية لدى مجموعة فرعية صغيرة من المشاركين الذين يعانون تراجعًا طفيفًا في الوظائف المعرفية العصبية؛ ولكن النتائج جاءت متباينة في مجموعة الدراسة بأكملها، فيجب أن تعكس رسالتك هذا التباين.

ركِّز على كيفية مساهمة هذه النتائج في الفهم العلمي للمرض. فبدلًا من التركيز على النتائج الإيجابية للمجموعة الفرعية وحدها، يقدم هذا النهج السياقَ اللازم لإبراز أهمية الدراسة بوصفها خطوةً مهمة إلى الأمام دون المبالغة في تأثيراتها المباشرة في مرضى «باركنسون».

من شأن هذه الشفافية أن تبني أواصر الثقة مع جمهورك وتعزِّز تأثير البحث العلمي.

تبسيط العلوم المُعقَّدة وتوضيحها

مما يسهم في وصول رسالتك إلى الجمهور أن تضع في الحسبان تأثيرها العام على المجتمع مع مراعاة الآخر. فكِّر في كيفية تلقي جمهورك للمعلومات، خاصةً المرضى وعائلاتِهم، الذين قد يأملون في علاجٍ يغيِّر حياتهم.

ولنا في العلاجات الجينية مثال على ذلك. فبالرغم مما تبشِّر به من نجاحات في علاج الأمراض النادرة، فإنها غالبًا ما تواجه تحدياتٍ في مراحلها الأولى، مثل المخاوف المتعلقة بالسلامة وقابلية التطبيق على نطاقٍ واسع. عند تناول هذه العلاجات بالنقاش، من المهم تحقيق توازنٍ بين استعراض إمكاناتها والاعتراف بالمخاطر المرتبطة بها بصدقٍ وشفافية.

المراعاة هنا لا تقتصر على فهم كيفية تلقي الجمهور لرسالتك فحسب؛ بل تشمل أيضًا تبسيط التعقيدات العلمية بطريقةٍ مستساغة ومفهومة. يمكن أن يساعد استخدام لغةٍ سلسلة واضحة وخالية من المصطلحات المُعقَّدة، فضلًا عن التشبيهات المعبرة، في تبسيط كلٍّ من المفاهيم العلمية وراء العلاج المطروح والمخاطر المرتبطة به دون أن ينال ذلك من أهميته.

على سبيل المثال، بيانُ أنَّ "العلاج الجيني بمثابة أداةٍ دقيقة لإصلاح جزءٍ معطوب من الحمض النووي، لكن حتى الأدوات الدقيقة يجب اختبارها لضمان الدقة والسلامة"، من شأنه أن يساعد الجمهور في استيعاب هذا المفهوم العلمي والمخاطر المرتبطة به.

يمكنك من خلال التركيز على كيفية تلقي الجمهور لرسالتك أن تبني علاقة أساسُها الثقة، ما يفتح المجال أمام حوار أعمق وأجدى. عندما يشعر الناس بأنهم مسموعون ومقدَّرون، فإن التواصل العلمي يحقق مغزاه ومصداقيته.

تعزيز البحث العلمي بالسرد الواضح والأخلاقي

الإغراءُ بتضخيم نتائج الأبحاث العلمية والترويج المفرط لها قد يكون قويًّا، لا سيَّما في ظل المنافسة الشديدة على التمويل، والتغطية الإعلامية، ودعم الجمهور. يواجه العلماءُ ضغوطًا متزايدة لإضفاء هالة من التميُّز على أبحاثهم، إلا أن الطرق المختصرة في التواصل يمكن أن تعمل على تقويض الثقة وإضعاف مصداقية أفرادِ الباحثين والتواصل العلمي الأوسع نطاقًا.

إنَّ السرد العلمي الأخلاقي ليس مجرد أداة للتواصل، بل هو التزامٌ بالصدق يعمل على بناء أواصر الثقة على المدى الطويل. ومن خلال وضع توقعاتٍ واقعية، ومواءمة الرسائل بما يتناسب مع الجماهير المختلفة، ومشاركة البيانات بشفافية، يتسنى للعلماء إيصال قيمة أبحاثهم دون التضحية بعنصر النزاهة.

ومن ثَمَّ، فإنك لستَ مضطرًا إلى التنكر لمبادئك والتخلي عنها من أجل الترويج لعلمك وإيصال نتائجه. عندما يكون التواصل العلمي بمسؤوليةٍ، فإنه يخلق ثقافةً من الاحترام والفهم، تعود بالنفع على كلٍّ من العلماءِ والمجتمع الذي يخدمونه.

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 6 فبراير 2025.

هذا المقال مأخوذٌ من مجتمع Nature Careers، وهو مساحة مخصَّصة لقراء Nature بهدف مشاركة آرائهم وتجاربهم المهنية. نشجِّع أيضًا على نشر مشاركات الضيوف.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.31