أخبار

سحب الأوراق يجري على قدمٍ وساق.. وهذه الجامعات صاحبة نصيب الأسد: تقرير حصري

نشرت بتاريخ 24 مارس 2025

تحليل غير مسبوق من دورية Nature يكشف عن المؤسسات التي تشكِّل بؤرًا للأبحاث العلمية المسحوبة.

ريتشارد فان نوردِن

Illustration: Sébastien Thibault

قبل يومَين من نهاية عام 2021، أصدرت إدارة مستشفى جينينج الشعبي الأول في مقاطعة شاندونج الصينية تقريرًا غير معتاد. أعلن المستشفى عن اتخاذه إجراءاتٍ تأديبية بحق نحو 35 باحثًا ارتبطت أسماؤهم بممارسات احتيالية في أعمالهم البحثية، على غرار تلفيق البيانات. تأتي هذه الإجراءات في إطار حملة شاملة على مستوى البلاد، مدفوعةً بمخاوف من تفشِّي الأبحاث الطبية المزيَّفة، وأن تكون المستشفيات هي بؤرة هذا التفشي.

ما حدث أنَّ بعض شباب الأطباء في المستشفيات اشتروا مسوَّدات بحثية مزيَّفة من منصات الأبحاث المفبركة (paper mills)؛ التي تقوم عليها شركاتٌ تُنتج تقارير علمية زائفة حسب الطلب. وطبقًا لما أفادت به محقِّقة النزاهة البحثية إليزابيث بيك، المقيمة في كاليفورنيا، وقع هؤلاء الأطباء تحت ضغط كبير، إذ كان يتوجَّب عليهم نشر هذه الأبحاث للحصول على وظائف أو للترقي في مناصبهم. وسرعان ما بدأ حُماة النزاهة، من أمثال بيك، في اقتفاء آثار هذه المشكلة، من خلال رصد الصور المكرَّرة في أعداد كبيرة من الأوراق البحثية. ثم كان أن كاشَفوا الرأي العام بهذا الأمر، وأعقب ذلك سحبُ عدد كبير من الأبحاث.

يمكن رصد هذه الموجة العارمة في تحليلٍ غير مسبوق حول معدلات سحب الأبحاث العلمية على مستوى المؤسسات في جميع أنحاء العالم خلال العقد الماضي، حيث استعان فريقُ دورية Nature الإخباري بالأرقام المقدَّمة من ثلاث شركاتٍ خاصة في مجال نزاهة الأبحاث والتحليلات. وكان على رأس القوائم المقدَّمة مستشفى جينينج الشعبي الأول، حيث جرى سحب 5% من إجمالي إنتاجه البحثي في الفترة بين عامَي 2014 و2024؛ أي ما يزيد على مئة ورقة بحثية (انظر: أعلى معدلات سحب الأبحاث). وتُعَدُّ هذه النسبة أعلى بعشر مراتٍ من معدل سحب الأبحاث في الصين، وأعلى بخمسين مرةٍ من متوسط سحب الأبحاث العالمي. وبناءً على الأسلوب المتبَع في حساب الأعداد، قد يُعَدُّ هذا المستشفى المؤسسة صاحبة المعدل الأعلى في سحب الأبحاث العلمية على مستوى العالم.

الكثير من المستشفيات الصينية الأخرى تشكِّل بؤرًا ساخنة في مجال سحب الأبحاث العلمية. ولكن يندرج ضمن هذه البيانات أيضًا الجامعات والمعاهد في كلٍّ من الصين والسعودية والهند وباكستان وإثيوبيا. قد يُعزى سحب الأبحاث إلى أخطاءٍ غير مقصودة وأخطاءٍ إدارية، إلا أن الأدلة تشير إلى أن غالبية الحالات في هذه البيانات مرتبطة بمخالفاتٍ متعمَّدة تتعلق بسوء السلوك البحثي.

لم يسبق إجراءُ هذا النوع من التحليل على مستوى المؤسسات لما ينطوي عليه من تحدياتٍ كبرى؛ إذ تُوصم عمليات السحب بالفوضوية وغياب التنظيم، كما توجد أخطاءٌ في تعيين عناوين المؤلِّفين إلى مؤسساتهم الفعلية، فضلًا عن اختلاف الطرق التي ينتهجها منشئو مجموعات البيانات الأساسية في إحصاء عدد المؤسسات والأبحاث المنشورة. وعليه، فإن نتائج التحليلات الثلاثة المستقلة لا تكون متوافقة دائمًا، ويجب النظر إليها على أنها نتائج أولية.

ولكن هذه التحديات لا تمنع من وجود اتجاهاتٍ مشتركة. تكشف البيانات عن وجود تبايُن كبير داخل الدول: فبعض المؤسسات تبدو بؤرًا ساخنة لسحب الأبحاث العلمية، في حين أن البعض الآخر يظل في مأمن نسبيًّا. وفي بعض الحالات، قد يُعزى السبب ببساطة إلى أن بعض المؤسسات قد تمكَّنت من الإفلات من أنظار المحققين، ولكن قد يتعلق الأمر أيضًا بوجود بيئاتٍ بحثية معينة ترتبط أسماؤها فيما يبدو بنسبٍ أعلى من الأبحاث الرديئة أو المزوَّرة.

يقول إيفان أورانسكي، المؤسِّس المشارك لموقع «ريتراكشن ووتش» Retraction Watch الإلكتروني الذي يحتفظ بقاعدة بياناتٍ عامة لعمليات السحب والتي تعتمد عليها جزئيًّا الشركات التي تواصلت معها Nature: "من المغري التفكير فيما إذا كانت هذه الاختلافات تتعلق بتفاوت الحوافز المقدَّمة إلى الباحثين في المؤسسات المختلفة".

أظهر تحليل دورية Nature أنه في حالة معظم المؤسسات ذات معدلات السحب العالية، فإن عمليات السحب تكون موزعة على العديد من المؤلِّفين. وهذا يشير ضمنيًّا إلى وجود مشكلة في ثقافة نزاهة الأبحاث وليس في وجود بعض الباحثين المحتالين. وذلك وفقًا لتصريحات دوروثي بيشوب، اختصاصية طب النفس العصبي المتقاعدة من جامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة، والتي تحقِّق في قضايا سوء السلوك البحثي. وتضيف بيشوف أن هذا النوع من التحليل «قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءاتٍ إيجابية» إذا استجابت المؤسسات من خلال فحص الأسباب التي تقود إلى ظهور هذه الأنماط.

مؤشرات النزاهة

تستند بياناتُ عمليات السحب المقدَّمة إلى دورية Nature إلى أدوات قياس النزاهة البحثية التي أطلقتها شركاتُ التكنولوجيا خلال العامَين الماضيين، والتي تهدف إلى مساعدة الناشرين في الحد من تدفق الأبحاث المزيَّفة والتي تنطوي على مغالطاتٍ وعيوب كثيرة. ومن بين هذه المنتجات البحثية أداة «أرجوس» Argos من شركة «سايتليتي» Scitility في مدينة سباركس بولاية نيفادا، وأداة «سيجنالز» Signals من شركة «ريسيرش سيجنالز» Research Signals في لندن، وأداة «دايمنشنز أوثر تشيك» Dimensions Author Check من شركة «ديجيتال ساينس» Digital Science الكائنة في لندن. (تُعَدُّ الشركة الأخيرة جزءًا من مجموعة «هولتزبرينك» Holtzbrinck المساهِم الرئيسي في دار نشر «سبرينجر نيتشر» Springer Nature التي تصدر عنها دورية Nature. يعمل فريق Nature المَعني بالأخبار والتحقيقات الصحفية في استقلالية تحريرية تامة عن دار النشر) أمدت هذه الشركات الثلاث دورية Nature ببياناتٍ حول عمليات السحب على مستوى المؤسسات، كما درست الدول والمجلات المرتبطة بعمليات السحب.

تهدف هذه الأدوات إلى لفت انتباه المستخدمين إلى «العلامات التحذيرية» المحتمَلة في المقالات البحثية أو المخطوطات المقدَّمة، مثل مؤلِّفو الأبحاث الذين قد يكون لديهم عدد كبير من عمليات السحب المرتبطة بسوء السلوك البحثي. عمدت الشركات المطوِّرة لهذه الأدوات إلى إنشاء مجموعات بياناتٍ داخلية تتضمن الأوراق البحثية المسحوبة مقرونةً بأسماء المؤلِّفين والمؤسسات التي ينتمون إليها. تعتمد هذه المجموعات بصفة أساسية على قاعدة بيانات «ريتراكشن ووتش» التي أُطلقَت في عام 2018، واستحوذت عليها في عام 2023 شركة «كروس رِف» Crossref بغرض التوزيع العام، وهي منظمة أمريكية غير هادفة إلى الربح تتولى فهرسة بيانات النشر. وقد ساعد ذلك في تسهيل استخدام المعلومات وتحليلها من قِبَل الآخرين.

وسَّعت الشركاتُ التي تواصلت معها دورية Nature هذه المجموعة من البيانات من خلال استبعاد المقالات المسحوبة التي لا تتضمن معرّفات كائناتٍ رقمية (DOI) وإضافة معلومات السحب المستقاة من مصادر إلكترونية أخرى، مثل «كروسريف»، وفهرس العلوم الحياتية «بَبميد» PubMed، ومواقع المجلات العلمية على الإنترنت. وشاركت الشركات عملها الداخلي شريطة عدم نشر مجموعات البيانات الخاصة بها بالكامل؛ إذ يرجع السبب جزئيًّا إلى كونها تستخدمها في الأدوات البرمجية التي تبيعها إلى الناشرين العلميين والمؤسسات العلمية.

تقول إحدى هذه الشركات، وهي شركة «سايتليتي»، إنها سوف تعلن عن أرقامها على مستوى المؤسسات في وقتٍ لاحق من هذا العام. يقول جان-إريك دي بور، المؤسِّس المشارك للشركة والمسؤول الإعلامي السابق لدى «سبرينجر نيتشر»: "نرى أن نشر الشفافية حول هذا الموضوع من شأنه أن يساعد في تحسين النشر العلمي".

تزيد أعداد المقالات المسحوبة التي رصدتها الشركات الثلاث بنسبة تتراوح بين 6% و15% (خلال العقد الماضي) عما رصدته مجموعات بيانات «ريتراكشن ووتش» التي استندت إليها تلك الشركات في جمع بياناتها. ولكن من الوارد وقوع أخطاءٍ في تسجيل البيانات أحيانًا داخل «كروسريف» وغيرها من المصادر الإلكترونية1، ومن ثَمَّ ربما لا تكون البيانات دقيقة بنسبة 100%، وفقًا لتحذيرات جودي شنايدر، الباحثة في مجال علوم المعلومات بجامعة إلينوي في أوربانا-شامبين المَعنية بدراسة عمليات السحب.

كما أدخلَ موظفو «ريتراكشن ووتش» يدويًّا الأسبابَ لكل عملية سحبٍ مسجَّلة — بقدر ما تمكَّنوا من تحديده — مشيرين إلى أن الغالبية العظمى من عمليات السحب ناجمة عن سوء السلوك البحثي. ولكن لا تتوفر تلك البيانات في السجلات التي أضافتها الشركات الثلاث.

أنماط السحب

يتضح من بيانات عمليات السحب أنها نادرة الحدوث. فعلى سبيل المثال من بين كلِّ 50 مليون مقال منشور أو أكثر خلال العقد الماضي، جرى سحب 40 ألف مقال أو نحو ذلك (أقل من 0.1%)، وفقًا لمجموعات البيانات المقدَّمة من الشركات الثلاث. ولكن معدلات زيادة إشعارات السحب (التي تخطر من خلالها الدوريات العلمية عن سحب الأوراق البحثية) تفوق معدلات الزيادة في أعداد الأوراق البحثية المنشورة — ويرجع ذلك جزئيًّا إلى انتشار مصانع الأوراق البحثية المزيَّفة وازدياد عدد المحققين المختصين في اكتشاف المشكلات في المقالات المنشورة.

صدر في عام 2023 حسبما أفادت Nature ما يزيد عن 10 آلاف إشعار بالسحب (دورية Nature، العدد 624، الصفحات 479-781، عام 2023). كانت معظم هذه الإشعارات تتعلق بمجلات «هنداوي» Hindawi، فرع لندن المغلق حاليًّا لدار نشر «وايلي» Wiley، والتي وجدت أن مجلات «هنداوي» قد تأثرت بوابل من الاحتيال في مراجعة الأقران فضلًا عن الأوراق البحثية المزيَّفة. (أخبرت «وايلي» دورية Nature آنذاك أنها زادت من فِرق النزاهة البحثية لديها، وأدخلت عملياتٍ أكثر صرامة لمراقبة المخطوطات والإشراف عليها، واستبعدت من أنظمتها "مئاتَ" العناصر الفاسدة، بمَن فيهم بعضُ المحررين الضيوف). تضاعفَ خلال العقد الماضي معدل السحب السنوي — نسبة المقالات المنشورة في سنة معينة التي جرى سحبها — ثلاث مراتٍ (على الرغم من أن إجمالي عدد إشعارات السحب الصادرة في عام 2024 كان أقل مما كان عليه في عام 2022 أو 2023؛ انظر: موجة عارمة من عمليات السحب). بلغت هذه النسبة حوالي 0.2% للأوراق البحثية المنشورة في عام 2022، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة مع سحب مزيدٍ من الأبحاث (انظر: المعدلات في ازدياد).

خلال الفترة ما بين عامَي 2014 و2024، كان ما يقرب من 60% من المقالات المسحوبة (أكثر من 20 ألف منها) لمؤلِّفين لديهم انتماءاتٌ مؤسسية في الصين. وبوجه عام، فقد سُحِبَ ما يقرب من 0.3% من مقالات هذه الدولة حتى الآن، بما يعادل ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي.

أما في إثيوبيا والمملكة العربية السعودية فإنَّ معدلات السحب تفوق تلك الأرقام، كما أن المعدلات في العراق وباكستان تتجاوزها أو تضاهيها (بناءً على مجموعة البيانات). (في بيانات «ريتراكشن ووتش»، تضاهي روسيا أيضًا معدلات العراق، ولكن نظرًا إلى أن العديد من عمليات السحب الروسية لا تتضمن معرفات كائناتٍ رقمية وليست مدرجة في قواعد البيانات العالمية، فقد استبعدتها الشركاتُ من تحليلاتها). وفي الوقت نفسه، فإن دولًا مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لديها معدلات تُقدَّر بحوالي 0.04%، وهي أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 0.1%، بل إن العديد من الدول لديها معدلاتٌ أقل من ذلك (انظر: معدلات السحب حسب الدولة).

تعتمد المعدلات المذكورة على كيفية حساب المحللين لإجمالي عدد المقالات البحثية في كل دولة، وهو ما تمثِّله قيمة المقام. على سبيل المثال، تستخدم «سيجنالز» و«أرجوس» بياناتٍ من «أوبِن أليكس» OpenAlex، وهي قاعدة بياناتٍ عامة للقياسات الببليوجرافية، لحصر المقالات المنشورة. إلا أن نطاق تغطية هذه المجموعة من البيانات يكون أشمل مقارنةً بقاعدة بيانات «دايمنشنز»، التي تخضع لإشراف شركة «ديجيتال ساينس». ونتيجةً لذلك تكون معدلات السحب أقل في البيانات المُستقاة من «سيجنالز» و«أرجوس».

أهم البؤر المؤسسية

يُعَدُّ تحليل المؤسسات مهمةً أكثر تعقيدًا، ويُعزى ذلك لسببَين حسبما أفاد تحليل دورية Nature: وجود أخطاء في البيانات، واختلاف الأساليب المستخدَمة في قواعد البيانات الأساسية. تستخدم «دايمنشنز» قاعدة بيانات «جلوبال ريسيرش آيدنتيفاير» الخاصة Global Research Identifier Database (GRID) لتحديد الانتماءات المؤسسية، بينما تستخدم «أوبِن أليكس» بيانات سجل «ريسيرش أورجانايزاشن ريجستري» العام Research Organization Registry (ROR). وكلا المصدرَين ينطوي على مغالطاتٍ؛ فقد تكون بعض الانتماءات مفقودة أو منسوبة خطأً (يشيع هذا الأمر في بعض المؤسسات الصغيرة)، أو ربما اتخذ القائمون على قواعد البيانات خياراتٍ مختلفة حول كيفية تعيين الانتماءات. والنتيجة هي تفاوت التحليلات بين الشركات.

ولكن يتضح بوجه عام أن مراكز الصدارة في قوائم معدلات السحب على مستوى المؤسسات تحتلها في الغالب مستشفياتٌ وجامعات طبية صغيرة في الصين. في مجموعة بيانات «دايمنشنز»، في الفترة ما بين عامَي 2014 و2024، كان ما يقرب من 70% من المؤسسات التي يزيد معدل السحب فيها عن 1% وعددها 136 مؤسسة من الصين، وما يقرب من 60% منها كانت مستشفياتٍ أو جامعاتٍ طبية. تقدم مجموعة بيانات «أرجوس»، التي رصدت 186 مؤسسة تتجاوز معدلات السحب فيها نسبة 1%، توزيعًا مشابهًا. أما «سيجنالز» فلم تشارك سوى قوائمها لأفضل عشر مؤسساتٍ، والتي جاءت على رأسها أيضًا المؤسساتُ الصينية. (تواصلت Nature مع جميع المؤسسات المذكورة في هذا المقال للإدلاء بتعليقاتها على الموضوع، إلا أنها لم تتلقَّ أي ردود حتى موعد نشر هذا المقال.)

سعت وزارة العلوم الصينية وهيئاتٌ حكومية أخرى إلى اتخاذ إجراءاتٍ صارمة ضد الاحتيال والحوافز الملتوية في قطاع النشر. أكدت السلطات في توجيهاتٍ أصدرتها خلال عامَي 2020 و2021 أن "المنشورات البحثية يجب ألا تكون شرطًا إلزاميًّا للترقي المهني"، وذلك وفقًا لما أدلى به شاوشيونج بريان شو من جامعة هوانجانج للمعلِّمين في الصين، المَعني بدراسة إشعارات السحب. كما أعلنت الهيئات الحكومية عن تحقيقاتٍ شاملة وواسعة النطاق في وقائع الاحتيال البحثي. ولكن حسبما أشار شو في تحليلٍ نُشِرَ في يناير الماضي، فإنَّ معدلات السحب السنوية في الصين قد شهدت ارتفاعًا2. (ولكن لم يشهد مستشفى جينينج الشعبي الأول سوى ثلاث عمليات سحب لأوراق بحثية نُشرت في عام 2022، ولم تُسحَب أي ورقة بحثية منذ ذلك الحين.)

خارج الصين، تشمل المؤسسات التي تحتل مراكز متقدمة في عددٍ من قوائم المتصدرين جامعة غازي في ديرة غازي خان في باكستان، وجامعة أديس أبابا في إثيوبيا، ومعهد كيه بي آر للهندسة والتكنولوجيا في كويمباتور في الهند. ووفقًا لمجموعة بيانات «ريتراكشن ووتش»، تتعلق جميع عمليات السحب تقريبًا في هذا المعهد بقرار صدرَ عن «آي أوه بي بابليشينج» IOP Publishing، ذراع النشر لمعهد الفيزياء في المملكة المتحدة، والذي أدى في عام 2022 إلى سحب 350 ورقة بحثية من مجلدَين من وقائع المؤتمرات التي نُشرت في عام 2021. ذكر الناشر أن سبب السحب هو سوء سلوك بحثي، يشمل "تلاعب ممنهج في عملية النشر وتدخل سافر في الاستشهادات". وكان ما يزيد عن 100 ورقة بحثية منها لمؤلِّفين ينتمون إلى معهد كيه بي آر.

ولتفادي احتساب المؤسسات البالغة الصغر، التي يعكس ارتفاع المعدلات فيها عددًا قليلًا من عمليات السحب، استبعدت دورية Nature الجامعات التي يقل عدد منشوراتها عن 100 مقال سنويًّا. ويُفهَم من ذلك على سبيل المثال أن مستشفى شوا الجامعي في طوكيو — الذي أسفرت فيه أبحاث باحثٍ واحد عن 124 عملية سحب — قد استُبعِد من القائمة؛ وإلا، لقفز معدل السحب فيه إلى ما يقارب 10%.

ومع ذلك، تميل الجامعات التي تأتي على رأس قوائم المتصدرين إلى أن تكون صغيرة نسبيًّا. في حالة جامعة غازي، كان ما يقرب من نصف إجمالي عدد الأوراق المسحوبة من تأليف أربعة باحثَين فقط.

يُخمِّن بعض المحققين أنه قد يُضاف أحيانًا مؤلِّفون من إثيوبيا وبعض الدول الأفريقية الأخرى التي تنشر أعدادًا قليلة نسبيًّا من المقالات إلى حصيلة الأبحاث الصادرة عن مصانع أوراق بحثية واقعة في مناطق أخرى، وذلك للاستفادة من ميزة الإعفاء من رسوم الوصول المفتوح التي تقدِّمها شركة «هنداوي» للباحثين من الدول ذات الدخل المتوسط أو المنخفض. لم يقدم المتحدِّث باسم شركة «وايلي» (الشركة المالكة لـ«هنداوي») أيَّ تفاصيل في هذا الشأن، ولكنه علَّق قائلًا: "نحن على دراية بمخططات بيع المؤلَّفات البحثية والتلاعب بالإعفاءات التي تنفِّذها مصانع الأوراق البحثية المزيَّفة"، حيث أضاف أن الناشر قد عزَّز إجراءات التحقق الداخلي لديه.

أكبر عدد من عمليات السحب

ثمة طريقة أخرى لعرض البيانات تتمثل في تحديد المؤسسات التي لديها أكبر عدد من عمليات السحب. ومعظمها جامعاتٌ صينية، ولكن تأتي جامعة الملك سعود في الرياض بالمملكة العربية السعودية ضمن المراكز الثلاثة الأولى. لا تميل المؤسسات صاحبة أكبر عدد من الأوراق البحثية المسحوبة إلى أن تكون الأعلى في معدلات السحب؛ لأنها مؤسساتٌ كبرى وعدد منشوراتها البحثية بدوره كبير. كما تختلف قوائم المؤسسات الأعلى من حيث إجمالي عدد عمليات السحب؛ لأنه في بعض الجامعات الصينية — مثل جامعة جيلين — احتسبَ أيضًا بعضُ المحللين عملياتَ السحب التي وقعت في المستشفيات التابعة للجامعة ضمن إحصاءاتهم.

هناك تغيير واضح تتفق فيه جميع التحليلات، وهو أنه خلال السنوات الخمس الماضية تصدَّرت مؤسسات في كلٍّ من السعودية والهند قوائم عمليات السحب — ويُعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع حصيلة المنشورات البحثية لمصانع الأوراق البحثية في مجلات «هنداوي» (انظر: المؤسسات صاحبة العدد الأكبر من عمليات السحب).

من الطرق الأخرى المستخدَمة في تحليل البيانات الكلية الرسوم البيانية المبعثرة، التي تكشف عن وجود تباين كبير داخل الدول. على سبيل المثال، توضِّح هذه الرسوم أن الجامعات الصينية تميل إلى تسجيل معدلات سحب أقل مقارنةً بالمستشفيات الصينية (انظر: عمليات السحب عبر المؤسسات البحثية).

ممارسة ضغوطٍ للنشر

من الجدير بالذكر أن المعاهد ذات معدلات السحب الأعلى في الهند غالبًا ما تكون كلياتٍ ومعاهد خاصة تقع في ولاية تاميل نادو، التي تُعد مركزًا تعليميًّا، وذلك وفقًا لما ذكره أشال أجراوال، وهو عالِم بياناتٍ مستقل مقيم في رايبور. يتوافق ذلك مع تحليلاته لعمليات سحب الأبحاث في الهند، والتي شرعَ في نشرها عبر الإنترنت خلال العام الماضي بعد تأسيسه مجموعة «إنديا ريسيرش ووتش» India Research Watch (IRW)؛ وهي مجموعة إلكترونية تجمع الباحثين والطلاب بهدف تسليط الضوء على قضايا السرقة العلمية وغيرها من ممارسات سوء السلوك البحثي في قطاع المنشورات البحثية في البلاد. نشر أجراوال أيضًا، من خلال عمله مع «إنديا ريسيرش ووتش»، لوحة معلوماتٍ بهدف وضع تصوُّر لبيانات «ريتراكشن ووتش» الخاصة بالدول الأخرى.

يضيف أجراوال أن الباحثين في الجامعات العامة والمعاهد الحكومية في الهند يواجهون ضغوطًا أقل لنشر الأبحاث مقارنةً بنظرائهم في الجامعات والكليات الخاصة، التي تدفع طلابها وباحثيها دفعًا إلى نشر عددٍ كبير من المقالات، بل وتقدم أحيانًا مكافآتٍ مالية مقابل الأبحاث المنشورة.

تمكَّنت بعض المعاهد الخاصة خلال السنوات الأخيرة من تحقيق تقدُّم في التصنيفات الوطنية للمراكز البحثية عن طريق التوسُّع الهائل في نشر الأبحاث وزيادة معدلات الاستشهاد، لكنها سجَّلت أيضًا معدلات سحبٍ مرتفعة. يقول أجراوال: "أعتقد أننا بحاجة إلى التأكيد على ضرورة أخذ عمليات السحب في الحسبان عند تصنيف الجامعات؛ فهذا هو الأسلوب الوحيد الذي قد تستجيب إليه هذه المؤسسات".

وفي بحثٍ أولي نشره في شهر يناير، اقترحَ أجراوال أن البيانات على مستوى الدول في جميع أنحاء العالَم تشير إلى وجود علاقةٍ بين ممارسة ضغوط على المؤلِّفين لنشر أبحاثهم وارتفاع معدلات سحب هذه الأبحاث3.

فحصَ أجراوال بياناتِ 25 دولة في قاعدة بيانات «ريتراكشن ووتش»، واستخدم مقياسًا يمكن تسميته بـ«معدل إشعارات السحب» وهو عدد إشعارات السحب الصادرة بين عامَي 2022 و2024 مقسومًا على حجم المقالات البحثية المنشورة في الدولة خلال السنوات الخمس الماضية.

توصَّل أجراوال إلى وجود علاقة بين الدول التي شهدت زيادةً كبيرة في حجم مقالاتها البحثية خلال السنوات الخمس الماضية (يأتي على رأسها إثيوبيا والسعودية) وارتفاع معدلات إشعارات السحب التي أعقبت ذلك. وكتبَ في تحليله: "يثير هذا الأمر تساؤلاتٍ حول نظام الحوافز الحالي الذي يركِّز على الكَمّ على حساب الكَيف والجودة".

لكنه يحذِّر من أنه نظرًا إلى كون عمليات السحب لا تزال نادرة فمن الجائز الوقوع تحت تأثير تحيُّز الانتباه. فقد يركِّز المحققون المَعنيين باكتشاف الأخطاء أو سوء السلوك البحثي في مجموعة معينة من الأعمال البحثية على مصادر تلك المشكلات تركيزًا بالغًا، مما يؤدي إلى تركيز عمليات التدقيق على المؤلِّفين أو المؤسسات التي تتعرض لعدد أكبر من عمليات السحب.

المجلات والمجالات الأكثر تضررًا

درست Nature أيضًا المجلات التي سجَّلت أعلى معدلاتِ سحب. (تتيح أداة «أرجوس» من شركة «سايتليتي» هذه الأرقام للجميع من خلال حساباتِ استخدامٍ مجانية، ولكن على المستخدمين الاشتراك للاطلاع على التفاصيل.) وقد احتلت مجلات «هنداوي» على نحو متوقع مراكز متقدمة في هذا الصدد، حيث سحبت أربعُ مجلاتٍ منها أكثر من 20% من مقالاتها المنشورة منذ عام 2014، وسحبت أربعٌ أخرى أكثر من 10% منها، وفقًا لتحليل «أرجوس».

علاوةً على ذلك، شاركت «أرجوس» و«دايمنشنز» بياناتٍ حول مجالات الموضوعات البحثية المرتبطة لديها بمعدلات سحبٍ مرتفعة. تمثَّلت أعلى ثلاثة مجالاتٍ وفقًا لبيانات «أرجوس» في: "إدارة الشركات والأعمال الدولية"، و"رسومات الكمبيوتر والتصميم بمساعدة الكمبيوتر"، و"أبحاث السرطان" (سجَّلت جميعها معدلاتٍ تزيد عن 0.5%)، في حين حدَّدت «دايمنشنز» مجالاتٍ أخرى باستخدام تصنيف آخر في التحليل وتحديد الموضوعات البحثية، وهي: "الحوسبة الموزَّعة وبرامج نظم التشغيل"، و"الهندسة الطبية الحيوية"، و"الأمن السيبراني والخصوصية".

مقاييس غير مكتملة

تشير التحليلات إلى أنه لو جرى سحب جميع الأوراق البحثية المزيَّفة أو الرديئة، لَتعيَّن سحب مئات الآلاف من الأوراق البحثية4. ومن ثَمَّ يرى العديد من المحققين أن معدلات السحب الحالية يجب أن تكون أعلى بعشرة أضعاف على الأقل. كما يحذِّرون من أن البؤر المرصودة حاليًّا لعمليات السحب على مستوى المؤسسات تُعزى جزئيًّا إلى يقظة المجتمع البحثي واستعداد الناشرين لتطهير مجلاتهم، وليست بالضرورة مؤشرًا مطلقًا على الدول أو المجالات أو المؤسسات المرتبطة بتدني جودة الأعمال البحثية. وحسب ما قاله إيفان أورانسكي فإنَّ عمليات السحب "دليلٌ على اليقظة والوعي".

على سبيل المثال، يحتل أطباءُ التخدير مرتبةً متقدمة في قائمة «ريتراكشن ووتش» للأفراد أصحاب العدد الأكبر من عمليات السحب. إلا أن السبب وراء ارتفاع معدلات السحب في مجال التخدير الطبي يرجع إلى التدقيق المكثَّف من قِبَل محرِّري المجلات والباحثين في هذا المجال، الذين فَطِنوا مبكرًا إلى وجود مشكلاتٍ في مجالهم وطالبوا بإجراء تحقيقات.

ومن جانبه، يشير جيوم كاباناك، عالِم الكمبيوتر في جامعة تولوز بفرنسا، المَعني باكتشاف الأوراق البحثية المشكوك فيها، إلى أن بعض المجالات أو المؤسسات التي لديها معدلاتُ سحب منخفضة ربما لم تنجح في ذلك إلا من خلال تجنب فتح باب التحقيق في تلك المشكلات.

ويؤكِّد آدم داي، مؤسِّس شركة «كلير سكايز» Clear Skies المختصة في قياس نزاهة الأبحاث والتي يقع مقرها في لندن، أنَّ من الصعب تحديد ماهية قوائم المؤسسات المتصدِّرة لعمليات السحب بوضوح. ويرجع ذلك إلى مشكلاتٍ تتعلق بجودة البيانات، بالإضافة إلى الجدل القائم حول مدى المسؤولية الواقعة على عاتق المؤسسات فيما يخص المخالفات المُكتشَفة، لا سيَّما في الحالات التي يجري فيها تزويرُ الانتماءات المؤسسية (إذ وجدَ بعض المؤلِّفين أن أسماءهم وانتماءاتهم قد أُضيفت إلى أوراق بحثية لم يشاركوا فيها مطلقًا، كما ذكرت «ريتراكشن ووتش»، انظر: go.nature.com/40upzad) يقول داي: "يُعزى الأمر غالبًا إلى زيادة إنتاج مصانع الأوراق البحثية، ومن ثَمَّ ربما لا يكون تسليط الضوء على هذا الأمر بالمَنحى السيئ".

تركِّز شركة داي (وغيرها من الشركات، مثل شركة «ديجيتال ساينس») على إنشاء شبكاتٍ خاصة بالمؤلَّفات البحثية لتحديد مصانع الأوراق البحثية الأخرى المحتمَلة5. ومن بين المؤشرات التي يُستدَل بها على ذلك نشر أبحاثٍ مشتركة لمؤلِّفين من دولٍ مختلفة، دون أن يكون لديهم أي سجل سابق للتعاون أو أي اهتماماتٍ بحثية مشتركة.

على الرغم مما تتسم به بياناتُ السحب من طابعٍ فوضوي، ورغم التحذيرات من أنها ليست مقياسًا مطلقًا لتدني مستوى الجودة — بالنظر إلى أعداد الأوراق البحثية الهائلة التي كان يمكن سحبها ولكنها لم تُسحَب — فإنَّ دراسة عمليات السحب ومعدلاتها داخل المؤسسات لا تزال مجدية، وفقًا لتصريحات شنايدر.

ومثلما يُنظَر إلى الاستشهادات بوصفها مؤشرًا على مستوى الجودة، فإنَّ أي مؤشر على الجانب الآخر يساعد المؤسسات في إعطاء الأولوية لإيجاد طرقٍ لتحسين عملياتها وحوافزها البحثية هو أمرٌ جديرٌ بالاهتمام. تضيف شنايدر: "يُعزى السبب وراء تفاقم العديد من مشكلات هذا المجال القائم على مبدأ «النشر أو الفناء» إلى الحوافز المؤسسية".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Nature بتاريخ 19 فبراير 2025.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.35


 

1. Schneider, J., Lee, J., Zheng, H. & Oyewale Salami, M. in Proc. 27th Int.

Conf. Sci. Technol. Innov.

Indic. https://doi.org/10.55835/6441e5cae04dbe5586d06a5f (2023).

2. Xu, S. B. & Hu, G. Nature Hum. Behav. https://doi.org/10.1038/s41562-

024-02099-w (2025).

3. Agrawal, A. Preprint at

Zenodo https://doi.org/10.5281/zenodo.14634333 (2025).

4. Heathers, J. Preprint at

OSF https://doi.org/10.17605/osf.io/5rf2m (2024).

5. Porter, S. J. & McIntosh, L. D. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2401.04022 (2024).