مقالات
Commentary

أربع نصائح تعينك على إبراز الأثر الفعلي لأبحاثك

نشرت بتاريخ 23 يناير 2025

قد لا يبدو أن التأثير في واضعي السياسات يشكّل جزءًا من دور الباحثين، لكنه ينبغي أن يكون كذلك. 

مارثا نيوسن، وسادي واطسون

الترابط الشديد بين مشجعي كرة القدم قد يتمخض عن مشكلات،
لكن يمكن أيضًا تسخيره لتحقيق نتائج إيجابية، كتعاون المشجعين في مساعدة مجتماعتهم
المحلية والتصدي للعنصرية.

الترابط الشديد بين مشجعي كرة القدم قد يتمخض عن مشكلات، لكن يمكن أيضًا تسخيره لتحقيق نتائج إيجابية، كتعاون المشجعين في مساعدة مجتماعتهم المحلية والتصدي للعنصرية.


Credit: Adam Fradgley/Getty

منذ حصلنا على زمالات بحثية مموَّلة في عام 2020، ونحن – كاتبتَي هذه السطور – نجاهد من أجل إثبات قيمتنا بالنسبة إلى الممولين، ومن ثم دافعي الضرائب، وذلك عن طريق إثبات ما لأبحاثنا من تأثير. من حسن حظنا أن أبحاثنا ذات طابع عَمَلي، وتحظى بقدرٍ لا بأس به من الأهمية بالنسبة إلى مصالح الحكومة في المملكة المتحدة، حيث نقيم. تدرس مارثا نيوسن كيفية الاستفادة من الروابط الاجتماعية التي تتشكل عبر الألعاب الرياضية في تحقيق ما فيه صالح المجتمع، وذلك من خلال التعاون مع وحدات الشرطة وإدارات السجون، في المملكة المتحدة وسائر البلدان الأوروبية. أما بحث سادي واطسون فيركز على زيادة القيمة الاجتماعية لأعمال التنقيب الأثري التي غالبًا ما تصاحب المشاريع الإنشائية بوصفها جزءًا من عمليات التخطيط، وذلك بهدف التأثير في دوائر الحكم المحلية والمركزية في بريطانيا.

قد يشعر بعض الباحثين بأن تخصصاتهم البحثية على قدرٍ من الغموض أو التعقيد يصعب معه أن يكون لها أثر مباشر في السياسات الحكومية، وقد يواجهون صعوبة في معرفة كيفية إدخالها حيز التطبيق. ومن الباحثين من يجد مشقة في التواصل وحضور الفعاليات العلمية. نحن نعرف مدى صعوبة فترات الاستراحة التي تتخلل المؤتمرات، إلا أن التأثير في السياسات قد يعتمد على العلاقات. كيف تتعامل مع المواقف التي قد يشعر البعض فيها بعدم الارتياح؟ وكيف تحجز لنفسك مكانًا في قائمة المدعوين للفعاليات المؤثرة التي يلتقي خلالها الباحثون بواضعي السياسات ورجال الصناعة وغيرهم ممّن يتلقّفون الأبحاث؟

اكتشفنا أن ثمة طريقة فعالة للغاية للتأثير في الدوائر السياسية وصنّاع السياسات، ألا وهي التواجد في المكان المناسب، في الوقت المناسب؛ وهو ما يعني، في كثير من الأحيان، تجاوز الأوساط الأكاديمية ودوائر المؤتمرات المعتادة. كان ذلك يعني، بالنسبة إلى نيوسن، اغتنام الفرص المتاحة لحضور الفعاليات (متى وجدت من يرعى الأطفال). فعلى سبيل المثال، أجرت نيوسن، أثناء مقابلتين لها في استديوهات محطة «بي بي سي»، محادثات مع ضيوف آخرين من ذوي الخلفيات السياساتية، وهو ما أثمر علاقات مهنية ممتدة.

ومن واقع خبراتنا، استخلصنا أربع نصائح أساسية لتحقيق المشاركة الفعالة.

لا تملّ التأكيد على أهمية أبحاثك

في السابق، كان البعض يقللون من أهمية أبحاث نيوسن حول مشجعي كرة القدم، على اعتبار أنها تتمحور حول "مجرد لعبة"، أما الآن فهي تكرّس مزيدًا من الوقت والجهد لتشرح أهمية هذا المجال البحثي: ذلك أن هذه الرياضة لها ملايين المشجعين حول العالم، ومستويات التوتر ترتفع في أيام المباريات، وهو ما قد يكون له آثار غير مباشرة فيما يخص سلامة المشجعين. ثم إن ما ينشأ بين المشجعين من لُحمة قوية يمكن توجيهها لصالح المجتمع. منذ تبنَّت نيوسن هذه الطريقة، ظهرت أبحاثها في أحد تقارير الأمم المتحدة المعنية باستغلال الرياضة لمنع التطرف المصحوب بالعنف، وتقرير آخر موجَّه لواضعي السياسات بشأن «مشروع التوأمة» Twinning Project، وهو مشروع خيري دولي لكرة القدم يهدف إلى إعادة تأهيل نزلاء السجون. كما استعانت بأبحاثها أيضًا وحدةُ الشرطة الكروية بالمملكة المتحدة، وهي وحدة مسؤولة عن تقديم المشورة لقوات الشرطة في أنحاء البلاد بشأن كيفية التعامل مع فعاليات كرة القدم. صار عملها البحثي يصل الآن إلى من بإمكانهم تغيير السياسات (عن طريق تعديل اللوائح الشرطية المعمول بها في مباريات كرة القدم)، وقد يسهم في جعل المجتمع، في نهاية المطاف، مكانًا أفضل لنا جميعًا.

لا تستهِن بأهمية المحادثات غير الرسمية

البعض منا يشعر بصعوبة التواصل، لكنه ضروريٌّ لإقامة العلاقات. يمكن أن تتيح لك المحادثات غير الرسمية تقديم المشورة أو المراجع المهنية وترتيب مقابلات لاحقة، وبهذه الطريقة ينشأ كثير من العلاقات المهمة، ويُبنى جدار الثقة. كلما تقدَّم بنا السن، سنلاحظ أن من يشغلون أرفع المناصب في دوائرنا هم، غالبًا، أصدقاؤنا أو زملاؤنا القدامى ممن يلعبون حاليًا أدوارًا أكثر نفوذًا وتأثيرًا. بقاؤك ضمن دوائر التأثير الآخذة في الاتساع سوف يفيد بطبيعة الحال مسيرتك المهنية.

عندما كانت واطسون باحثة في مستهل مسيرتها المهنية، نجحت في توسيع شبكة علاقاتها إلى حد كبير بفضل المشاركة في أعمال تطوُّعية لدى لجان أو مجالس تحرير (وكثير منها صار من السهل الانضمام لها نظرًا لأنها تعمل حاليًا عبر الإنترنت). يعمل الآن بعض من أعضاء هذه اللجان ضمن مجموعة برلمانية بالمملكة المتحدة معنية بالتنقيب الأثري. وثمة آخرون يؤثرون في قرارات الحكومة البريطانية عبر مسارات مختلفة، كالمعاهد المهنية والمبادرات متعددة القطاعات والهيئات الجامعة للمجموعات ذات المصالح المشتركة. لا شك أن الاحتفاظ بعلاقات مهنية مع الزملاء القدامى والحاليين على منصات مثل «لينكد إن» يمكن أن يكون مفيدًا أيضًا، إلى جانب تعزيز الصلات المباشرة، كحضور المجموعات البحثية والحلقات الدراسية ومتابعة المنتديات وحلقات النقاش الإلكترونية ذات الصلة بمجال تخصصك. تتابع واطسون، على سبيل المثال، مركز المعرفة التابع لإدارة إنجلترا التاريخية، وتحرص على حضور لقاءات مجموعة المصالح الخاصة المعنية بالتنقيب الأثري والتابعة لتحالف حماية التراث لتبقى على دراية بآخر المستجدات المتعلقة بالسياسات وحشد الدعم.

لا تنتظر نجاحًا باهرًا في كل مرة

على غرار عملية التحكيم البحثي (أو مراجعة الأقران)، تعلمنا أن نتحلَّى بشيء من برود الأعصاب فيما يتعلق بالتأثير في السياسات. واختيار التوقيت المناسب ربما يكون مفيدًا. فنيوسن، مثلًا، تحاول إصدار أبحاثها المتعلقة بكرة القدم في غير موسم الذروة بالنسبة إلى النشاط الصحفي (بين شهري مايو وأغسطس في بريطانيا)، حين يسعى الصحفيون غالبًا للحصول على قصص إخبارية؛ وهو ما يسهم في توسيع نطاق وصول الرسالة إلى واضعي السياسات. وإلى ذلك، يمكنك مضاعفة فرص نجاحك في المشاركة بالسياسات بإرسال الكثير من الرسائل الإلكترونية. وهنا، عليك أن تتحلَّى بالمرونة، التي تعني ببساطة أن تتقبل عدم الرد على نسبة كبيرة من رسائلك. فلا يُثنيَنَّك ذلك عن المواصلة، وإرسال المزيد. ولتَتَّبعْ في مسألة المشاركة في السياسات نهجًا مماثلًا لذلك النهج الذي يتَّبعه الباحثون طلبًا للحصول على تمويل بحثي أو تحكيمٍ لأبحاثهم.

الكشف والإلهام، لا القدح والإفحام

أكثر الناس لا يحبون أن تُعرَّى أخطاؤهم، لكنهم بالتأكيد يفضلون أن يساعدهم الآخرون على التحسُّن. فلتجعل مهمتك الموازنة ما بين سد الثغرات القائمة في المعرفة من جهة، والنجاح في إقامة العلاقات من جهةٍ أخرى. إن محاولة صياغة سياسة واحدة بالطرق التقليدية غالبًا ما يستغرق سنوات. وقد صادفت واطسون أسلوبًا متكررًا، وقد يكون محبطًا في التفكير، وهو ذلك الأسلوب الذي يَعُد المحافظة على البقايا الأثرية وإعادة دفنها الطريقةَ المثلى التي تسمح لهذه البقايا بتقديم قيمة لعامة الجمهور، وذلك بالرغم من الفرص السانحة لتوسيع نطاق المشاركة في قطاع المحافظة على التراث ودعمه عن طريق دراسة طُرق وأساليب أخرى، كمشاركة المجتمع المحلي في أعمال الحفر والتنقيب. قد تتحول هذه المواقف من مواجهات إلى مبادرات تعاونية، إذا استفدنا من الأبحاث المتعلقة بالممارسات الاستيعابية والتشريعات الناشئة المعنية بالقيم الاجتماعية التي تقتضي بإعادة النظر في كيفية استفادة المجتمعات المحلية من التنمية. ما أكثر ما صادفنا أشخاصًا كنا نرجو التأثير فيهم، لكنهم أعرضوا عنا عندما بدا لهم أننا نفرط في التركيز على حل أوحد، لا سيما إن كان هؤلاء الأشخاص من واضعي السياسات الذين اختلفنا معهم. لذلك، فنصيحتنا لك هي أن تحاول، بدلًا من ذلك، أن تُحوِّل شغفك إلى أفكار إبداعية ومحادثات خلاقة.

صحيح أن التأثير في دوائر صنع القرار قد يتطلب جهدًا جهيدًا، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أن تحققه على حساب التوازن السليم بين العمل والحياة الاجتماعية. يتمتع الأكاديميون بمهارات في ميادين البحث والتخطيط، لذا فإن إنفاق بضع ساعات شهريًا في مهام الإعداد (كالتحقق من فرص المشاركة في السياسات، وتخصيص وقت في جدولك اليومي لإرسال الدعوات ورسائل التواصل الإلكترونية، وإنشاء جداول لبيانات الفعاليات والشخصيات) من شأنه أن يساعدك على تكوين قاعدة من العلاقات لتنطلق منها نحو تحقيق التأثير المنشود.

إن تحويل البحث العلمي إلى إجراءات فعلية على أرض الواقع ليس بالأمر السهل، لكنه، بالمثابرة والمبادرة إلى الاختلاط بدوائر صنع القرار وقليل من برودة الأعصاب، يصبح ممكنًا.

 

* هذه ترجمة للمقالة الإنجليزية المنشورة بدورية Nature بتاريخ 30 أكتوبر 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.7