أخبار

«تشات جي بي تي» يتم عامه الثاني: كيف غيَّر حياة العلماء؟

نشرت بتاريخ 28 يناير 2025

كم عدد العلماء الذين يستخدمون أداة الذكاء الاصطناعي تلك؟ في هذا التحقيق الإخباري، تجمَع دورية Nature بيانات، وتجري حوارًا مع المجتمع الأكاديمي للإجابة عن هذا السؤال.

ماريانا لنهارو

روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» ChatGPT هو نظام ذكاء اصطناعي توليدي، يكتسب المعارف من كم هائل من البيانات التي أنتجها البشر.
روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» ChatGPT هو نظام ذكاء اصطناعي توليدي، يكتسب المعارف من كم هائل من البيانات التي أنتجها البشر.
حقوق نشر الصورة: Nicolas Economou/NurPhoto via Getty

على مدى العامين الذين مضيا على إعلان إطلاق روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»ChatGPT ، استخدمه الباحثون لصقل كتابة المؤلفات العلمية،  ومراجعتها وكتابة الأكواد البرمجية لتحليل البيانات. طُرح الروبوت أول ما طرح على نطاق واسع في الثلاثين من نوفمبر من عام 2022. ورغم اعتقاد البعض بأنه يعزز ويرفع إنتاجية العلماء، يرى البعض الآخر أنه يُطوع لتسهيل السرقات العلمية، ويدخِل معطيات غير دقيقة على المقالات البحثية، في الوقت الذي يستهلك فيه أيضًا كمًا هائلًا من الطاقة.

من هنا، في مارس وإبريل من العام الماضي، استطلعت شركة النشر «وايلي» Wiley، ومقرها مدينة هوبوكِين في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، آراء 1043 باحثًا للوقوف على أنواع استخداماتهم لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل «تشات جي بي تي»، وشاركت النتائج الأولية للاستطلاع مع دورية Nature. وأفاد 81% من المشاركين في الاستطلاع أنهم يستخدمون روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»، إما لدواع شخصية أو مهنية، ما يعني أنه يتمتع بشعبية تربو بدرجة كبيرة على الأدوات الأخرى من نوعه بين الأكاديميين. وأعرب ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع عن اعتقادهم بأنه من الضرورة بمكان أن يطوّر الباحثون في غضون الأعوام الخمسة القادمة مهاراتهم في استخدام الذكاء الاصطناعي لأداء وظائفهم.

في هذا الإطار، يقول جيمس زو، الباحث المتخصص في الذكاء الاصطناعي من جامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا الأمريكية: "فيما مضى، استخدم الأفراد بعض أدوات الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم في كتابة المؤلفات العلمية، لكن مع إطلاق نماذج القوالب اللغوية الكبيرة بإمكاناتها الهائلة، طرأ اختلاف كبير على هذا الوضع”. وتحديدًا، كان ما ولّد هذه النقلة التي اهتزت لها أركان العالم هو نموذج القوالب اللغوية الكبيرة الذي يرتكز عليه روبوت الدردشة «تشات جي بي تي»، والذي ابتكرته شركة التقنيات «أوبن إيه آي» Open AI، وهي شركة كائنة في سان فرنسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية.

من هنا، وبمناسبة مرور عامين على إطلاق «تشات جي بي تي»، جمعت دورية Nature، بيانات حول استخدامه وأجرت حوارًا مع عدد من العلماء حول الكيفية التي غيَّر بها روبوت الدردشة ساحة البحث العلمي.

«تشات جي بي تي» من واقع الأرقام

• 60 ألف: هو أدنى عدد لما قُدر أنه كُتب بالاستعانة بنماذج القوالب اللغوية الكبيرة (LLM) من المؤلفات البحثية المنشورة عام 2023 1. ويمثل هذا العدد نسبة تربو بفارق ضئيل عن 1% من إجمالي المقالات البحثية المنشورة على قاعدة بيانات «دايمنشنز» Dimensions للمنشورات العلمية، والتي أجرى الفريق البحثي وراء الاستطلاع دراسة مسحية لها.

• 10%: هي أدنى نسبة أوراق بحثية قُدر أن ملخصاتها البحثية كُتبت بالاستعانة بأحد نماذج القوالب اللغوية الكبيرة من بين الأوراق البحثية التي نشرها أفراد المجتمع العلمي في مجال الطب الحيوي في النصف الأول من عام 2024 2. أشارت تقديرات دراسة أخرى في فبراير الماضي إلى أن هذه النسبة كانت أعلى (17.5%) بين أفراد مجتمع علوم الحاسبات 3.

• من 6.5% إلى 16.9%: هي النسبة المئوية لمراجعات الأقران التي يُقدر أن جزءًا كبيرًا منها أُنتج بالاستعانة بنماذج القوالب اللغوية الكبيرة وعُرضت على مجموعة من مؤتمرات الذكاء الاصطناعي الرفيعة في عامي 2023 و2024 4. وتقيم هذه المراجعات جودة عدد من الأوراق البحثية أو العروض التقديمية المطروحة في هذه المؤتمرات.

أدوات المساعدة في كتابة المؤلفات البحثية

استُقيت كل هذه الإحصائيات بالوقوف على الأنماط والكلمات المفتاحية الدالة على استخدام نماذج القوالب اللغوية الكبيرة في نصوص الأوراق البحثية، وهي على الأرجح تقديرات متواضعة، بتعبير ديبورا ويبر- وولف، الباحثة المتخصصة في مجال علوم الحاسوب ومكافحة السرقات العلمية من جامعة برلين التطبيقية للهندسة والاقتصاد (HTW). وتظهر أبحاثها أن الوسائل المُعدة لاكتشاف استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي غير قادرة على تمييز الأوراق البحثية التي كُتبت بمساعدة هذه الأدوات 5.

ويُذكر أنه خلال العامين الماضيين، وجد علماء أن استخدام روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» لصوغ ملخصات الأبحاث وطلبات المنح وخطابات الدعم للطلاب قد عزز قدرتهم على التركيز على المهام المعقدة. في ذلك السياق، يقول ميلتون بيفيدوري، اختصاصي دراسة نظم المعلومات الطبية من جامعة كولورادو للطب في مدينة أورورا الأمريكية: "ما يستأهل تكريسنا وقتًا له هو الأسئلة الصعبة والنظريات المبتكرة".

ويرى باحثون أن نماذج القوالب اللغوية الكبيرة قد تخدم بدرجة كبيرة في التغلب على الحواجز اللغوية.  ومن هؤلاء، جايب جوميز، اختصاصي علم الكيمياء من جامعة كارنيجي ميلون في مدينة بيتسبرج بولاية بنسلفانيا الأمريكية، فيقول: "هذه [القوالب اللغوية الكبيرة] تتيح كتابة المؤلفات العلمية للجميع وتساعد المتحدثين بالإنجليزية كلغة ثانية". وقد وجدت دراسة نُشرت قبل خضوعها لعملية مراجعة الأقران على خادم المسودات البحثية «إس إس آر إن» SSRN في نوفمبر من العام الماضي أن جودة أسلوب من يتحدثون الإنجليزية كلغة ثانية في كتابة المؤلفات العلمية تحسنت بعد إطلاق «تشات جي بي تي»، غير أن هذا التحسن كان أقل في حال من يتحدثون تلك اللغة بطلاقة6.

وقد شهد «تشات جي بي تي» منذ إطلاقه عام 2022 إصدار العديد من النسخ المحدثة منه. على سبيل المثال، في مارس من عام 2023، صدرت نسخة «جي بي تي-4» GPT-4 التي أذهلت المستخدمين بقدرتها على استحداث نصوص شبيهة بتلك التي قد ينتجها البشر. والنسخة الأحدث منه، وتعرف باسم «o1» أُعلن عنها في سبتمبر الماضي، وهي متاحة برسوم، ولبعض جهات التطوير على سبيل التجريب. ويمكنها بحسب ما صرحت به شركة «أوبن إيه آي»: "استخدام المنطق في إجراء مهام معقدة وحل مسائل أصعب في مجالات العلوم، والبرمجة والرياضيات من تلك التي كانت النماذج السابقة تحلها". استخدم عالم البيانات كايل كاباساريس من «معهد منطقة خليج سان فرانسيسكو للأبحاث البيئية»، في موفيت فيلد بولاية كاليفورنيا الأمريكية هذه النسخة لتحديث بعض أكواد مشروعه للحصول على درجة الدكتوراه. وعندما لُقمت هذه النسخة بتعليمات من قسم المنهجية في دراسة كاباساريس، تمكنت من كتابة الأكواد المطلوبة للورقة البحثية في غضون ساعة، في حين كان كاباساريس قد استغرق قرابة عام من دراساته العليا في تصميم هذه الأكواد.

عقبات وفرص

بحسب ما يفيد بيفيدوري، إلى اليوم، لم يحرز نظام «تشات جي بي تي» وما يماثله من أنظمة ذكاء اصطناعي النجاح نفسه في عدد من النواحي الأخرى، ومن بينها مراجعة المؤلفات العلمية.  فيقول بيفيدوري: "هذه الأنظمة لا تساعد فعليًا على زيادة غزارة نتاجنا البحثي"، لأن الباحثين بحاجة إلى قراءة الأوراق البحثية ذات الصلة بمجالهم بالكامل وفهمها على أتم وجه". ويضيف: "إن لم تكن الورقة البحثية ذات أهمية لبحثك، فربما يمكنك استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتلخيصها". لكن ثبت أن نماذج القوالب اللغوية الكبيرة يصدر عنها ما يُسمى بـ"الهلاوس"7— أي أنها تختلق معلومات. على سبيل المثال، قد تتحدث عن إحصائيات لا يرد ذكر لها في الورقة البحثية.

وتُعد خصوصية البيانات من الإشكاليات الأخرى التي اصطدم بها الباحثون لدى استخدام نماذج القوالب اللغوية الكبيرة. على سبيل المثال، عندما يغذي العلماء أحد هذه النماذج ببيانات ابتكاراتهم، لكتابة ورقة بحثية قبل نشرها، ثمة احتمالية لاستخدام هذه البيانات في تدريب نسخ محدثة من هذه النماذج. في ذلك الصدد، تقول ويبر-وولف: "هذه الأنظمة تشبه صناديق أسرار. ولا نملك أدنى فكرة عن مصير البيانات التي نحمِّل بها هذه الأنظمة".

لتجنب احتمالية كتلك، يلجأ بعض الباحثين إلى استخدام نماذج مصغرة يجري تنزيلها على أجهزتهم، بدلًا من استخدام «تشات جي بي تي». وعن هذه النماذج، يقول بيفيدوري: "عندما تستخدمها على جهازك، لا تجري مشاركة أي من بياناتك مع جهات خارجية". ويضيف أن بعض باقات الاشتراك التي تتيح استخدام نسخ نظام «تشات جي بي تي» تضمن عدم استغلال بيانات المستخدمين لتدريب النظام.

ومن أهم الأسئلة التي شغلت الباحثين خلال العام الماضي هو ما إذا كان بإمكان نظام « تشات جي بي تي» أن يتجاوز دوره كمساعد افتراضي ليخدم كـ"عالِم معزز بتقنية الذكاء الاصطناعي". وتشير بعض المحاولات البحثية الأولية في هذا الإطار إلى أن هذه الاحتمالية واردة. على سبيل المثال، يقود زو جهود تطوير مختبر افتراضي، تلعب فيه نماذج مختلفة من نماذج القوالب اللغوية الكبيرة دور علماء، لتشكل فريقًا متعدد التخصصات، بينما يتولى عالم بشري رفيع المستوى تقييم أداء الفريق. ويصف زو هذه المهمة قائلًا: "تعمل الجهتان معًا لبناء مشروعات بحثية جديدة". وخلال شهر نوفمبر الماضي، نشر زو وفريقه البحثي نتائج أحد هذه المشروعات البحثية على خادم المسودات البحثية «بيو آركايف» BioRxiv قبل عملية مراجعة الأقران8. ومما أثمر عنه المشروع أن صمم المختبر الافتراضي أجسامًا نانوية، وهي نوع من الأجسام المضادة صغيرة الحجم، تتمتع بقدرة على الارتباط بالسلالات المتحورة من فيروس كورونا «سارس-كوف-2»، المتسبب في جائحة «كوفيد-19». وأثبتت تجارب فريق بحثي آخر من البشر صحة نتائج هذا العمل البحثي، ووقفت على مادتين واعدتين في القضاء على الفيروس يمكن إخضاعهما لمزيد من الدراسة.

ويجد جوميز وفريقه البحثي في استخدام نظام «تشات جي بي تي» في التجارب المختبرية فرصة مشوقة. وقد نجحوا بالفعل في أواخر عام 2022 في تسخير النظام لتصميم وتنفيذ عدد من التفاعلات الكيميائية بمساعدة أداة روبوتية. حول ذلك، يقول جوميز: "نتوقع أن تتمكن هذه النماذج من اكتشاف آفاق جديدة للعلوم".

Nature 636, 281-282 (2024)

نُشرت النسخة الإنجليزية من هذا المقال في الثاني من ديسمبر عام 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.8


  1. Gray, A. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2403.16887 (2024).

  2. Kobak, D., González-Márquez, R., Horvát, E.-Á. & Lause, J. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2406.07016 (2024).

  3. Liang, W. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2404.01268 (2024).

  4. Liang, W. et al. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2403.07183 (2024).

  5. Weber-Wulff, D. et al. Int. J. Educ. Integr. 19, 26 (2023).

  6. Liang, Y., Yang, T. & Zhu, F. Preprint at SSRN https://doi.org/10.2139/ssrn.4992755 (2024).

  7. Farquhar, S. et al. Nature 630, 625–630 (2024).

  8. Swanson, K., Wu, W., Bulaong, N. L., Pak, J. E. & Zou, J. Preprint at bioRxiv https://doi.org/10.1101/2024.11.11.623004 (2024).