أربع نصائح تعينك على إبراز الأثر الفعلي لأبحاثك
30 January 2025
نشرت بتاريخ 29 يناير 2025
خلُصت دراسة إلى أن إطْلاع الناس على ما يُجمع عليه العلماء قد يُسهم في الحل، إلا أن الباحثين يرون كذلك ألا غنى عن النزول إلى الناس ومخاطبتهم مباشرةً.
مكاشفة الناس بأن العلماء يُجمعون، أو يكادون يُجمعون، على أن التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية هو حقيقة واقعة، وليس ضربًا من الوهم، من شأنها أن تساعد على فتح أعين الناس على هذه الحقيقة، وصرف تفكيرهم إلى هذا الاتجاه. ففي دراسة نُشرت على صفحات دورية «نيتشر هيومان بيهافيور» Nature Human Behaviour1، اختبر الباحثون تأثير الرسالة الإجماعية أو المتفَق عليها في 27 دولة، ووجدوا أن الأشخاص الأقل درايةً بفحوى الرسالة، أو المتشككين في علوم المناخ، كانوا الأميَل إلى تغيير مواقفهم حين تلقَّوا تلك الرسالة.
عندما تحدَّث الفريق المختص بالأخبار لدى دورية Nature إلى باحثين متخصصين في التثقيف المناخي، قالوا إن نتائج هذه الدراسة تعد إضافةً معتبرة إلى عددٍ متنامٍ من دراسات العلوم الاجتماعية التي تعمل على استكشاف أفضل الوسائل لمساعدة الأفراد على إدراك أن التغير المناخي حقيقة ثابتة. إلا أن الدراسة أظهرت أيضًا أن هذه الرسائل المتفق عليها لا تُتَرجم دومًا إلى تحوُّل دائم في مواقف الأفراد.
أما التحوُّل المستدام فيتطلَّب، بحسب الدراسة، النزول إلى الناس، ومخاطبتهم مباشرة. وذلك لأن "تأثير التغير المناخي يشمل البشر والأماكن والأشياء التي نحبها"، على حد قول آنتوني لايزروفيتس، مدير برنامج التثقيف الإعلامي حول التغير المناخي بجامعة ييل، ومقرُّها مدينة نيو هيفن، بولاية كونيكتيكت الأمريكية.
الإقناع بالإجماع
كانت دراسات كثيرة قد توصَّلت إلى أن إطلاع عموم الناس على ما انعقد عليه الإجماع العلمي في شأن التغير المناخي يمكن أن يغيّر مواقفهم2، 3. إلا أن أغلب تلك الدراسات ركزت على مواقف الأفراد من التغير المناخي، وآرائهم حوله، في الولايات المتحدة حصرًا. من هنا، أرادت الباحثة بوجانا فيتكالوف، باحثة علم النفس الاجتماعي بجامعة أمستردام، ومعها فريقها، أن تتوثَّق مما إن كان الشيء نفسه يصدُق على جميع الثقافات.
أعدَّ الباحثون استطلاعًا، ووزَّعوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقوائم البريد الإلكتروني، ثم حلَّلوا 10,527 استجابةً وردت إليهم من المشاركين الذين توزَّعوا على 27 دولة. طُلب إلى المشاركين أن يضعوا تقديرًا لمدى اتفاق العلماء حول وجود تغيُّر مناخي من صنع البشر. وطُلب إليهم كذلك أن يُقيّموا مقدار ثقتهم في التقديرات التي وضعوها، وأن يُدلوا بآرائهم حول هذه المسألة. ثم كان أن أطلع الباحثون المشاركين على حقائق عدة، منها أن 97% من علماء المناخ يتفقون على أن التغير المناخي بفعل التدخُّل البشرية حقيقية لا ريب فيها4، وبعدها أعادوا استطلاع آراء المشاركين.
ترى فيتكالوف أن ما أظهرته الدراسة، من أن بعض المشاركين — ومنهم المحافظون سياسيًّا — غيَّروا آراءهم، "لَهُو دليلٌ على ما يتمتع به العلم من سُلطة عالمية عابرة للثقافات"، على حد قولها.
أما ديفيد هولمز، عالم الاجتماع المتخصص في دراسة الإعلام والمدير التنفيذي لمنظمة «الإعلام بقضية المناخ في أستراليا»، وهي منظمة غير هادفة للربح تتخذ من مدينة ملبورن مقرًا لها، فيقول إن الدراسة "أكَّدت ما سبق أن توصلت إليه دراسات أخرى" من أن نشر الرسائل الإجماعية أو المتفق عليها يُؤتي ثماره، حتى على المستوى العالمي. ومع ذلك، فهو يتمنى لو أن الفريق استطاع أن يحدد الاتجاهات السائدة في كل دولة على حِدة، أو أن يكشف عما إن كان للعوامل الثقافية تأثير في النتائج. كما لم تختبر الدراسة مدى استمرارية التغيير في الآراء والمواقف.
الناس فيما يفضّلون مذاهب!
ومع ذلك، فقد أوضحت هذه الدراسة، كغيرها من الدراسات، أن استراتيجيات التثقيف المناخي أصبحت أكثر تعقيدًا، مع استكشاف الباحثين للطُّرق والوسائل الفعّالة. انقضت الأيام التي كان يكفي فيها أن تعرض على أحدهم صورة لدب قطبي يتشبَّث بصفيحةٍ جليدية آخذةٍ في الذوبان ليدرك مدى خطورة الموقف. يقول لايزروفيتس إن من الضروري تناول قضية الاحترار العالمي "لا بوصفها قضيةً تتعلق بالدببة القطبية، ولكن تتعلق بالبشر أنفسهم".
وذكر باحثون أن من المجالات البحثية الجديدة والواعدة، البحث في تأثير التواصل الشخصي المباشر. ينصح ماثيو جولدبرج، الباحث المتخصص في التثقيف المناخي بجامعة ييل، بالبدء بما يقع في دائرة اهتمام الجمهور، مثل أسعار المواد الغذائية، أو الأمن القومي، أو ما يخص صيد الأسماك. يقول: "ما من شيءٍ تقريبًا إلا ويمكن النظر إليه من زاوية التغير المناخي".
تشغل مونتانا بورجس منصب المدير التنفيذي لمنظمة «الجيران متحدون» Neighbours United، وهي منظمة تعبوية غير هادفة للربح، مقرها مدينة كاستليجار الكندية. أطلقت المنظمة حزمة من أدوات المحادثة حول المناخ، بعد نجاحها في تنظيم حملة لإقناع أهالي القرى والمناطق الريفية في كندا بدعم إحدى سياسات الطاقة المتجددة. تقول بورجس إن من أنجح الطُّرق وأكثرها فعالية، "الابتعاد عن تلقين الحقائق"، والاستعاضة عنها بتبادل القصص الشخصية. وتسوق بورجس مثالًا على ذلك فتقول: مع اشتداد حدة حرائق الغابات في كندا، أصبح "الدخان الكثيف يخيّم على البلاد ستة أسابيع كاملة من كل عام، مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، وترتَّب على ذلك أن أُصيب طفلي بالربو". وهي لا تذكر من عهد طفولتها أنها مرَّت بمثل هذه الأيام التي يكسوها الدخان، باستثناء أيام قليلة تُعد على أصابع اليد الواحدة. وهكذا، فهي تقص تجربتها هذه على الناس لمساعدتهم على استيعاب هذه التغيُّرات التي يعايشونها.
أما الخطوة التالية، وفقًا لرأي جولدبرج، فتتمثل في حسن الإنصات، و"الربط" ما بين تجربة المرء الشخصية، والمعلومات المتوفرة عن طقس المنطقة التي يقطن بها.
تستند هذه الاستراتيجية إلى دراسة مؤسِّسة في هذا المجال5، تنقَّل فيها الناشطون من منزل إلى منزل، وخاضوا في محادثات — مدة الواحدة منها عشر دقائق — مع ناخبي ميامي، بولاية فلوريدا الأمريكية، هدفها العمل على تقليل التحيُّز ضد المتحوّلين جنسيًّا. وبعدما عبّر الناخبون عن آرائهم، طُلب إليهم أن يقصّوا ذكرياتهم عن مواقف كانوا فيها ضحيةً للأحكام السلبية، لا لشيء إلا لكونهم مختلفين عن غيرهم. فكان أن زادت هذه المحادثات من حجم الدعم لقانون عدم التمييز، وظل هذا التقبُّل الاجتماعي على حاله عندما أعيد استطلاع رأي الناخبين بعدها بثلاثة أشهر. أما فعالية هذه الطريقة في حالة التغيُّر المناخي، على وجه التحديد، فلا تزال قيد الاختبار.
مرَّ لايزروفيتس بتجربة شخصية ترجح أن هذه الاستراتيجية ستُكلَّل بالنجاح. كان أحد أفراد عائلته ممّن ينكرون حدوث التغير المناخي. يقول إنه أقنعه بتغيير رأيه "بعد عشرين سنةً من الأحاديث الهادئة، الدؤوبة، الحانية، الداعمة".
* هذه ترجمة للمقالة الإنجليزية المنشورة بدورية Nature بتاريخ 6 سبتمبر 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.9
تواصل معنا: