أخبار

الميكروبيوم المعوي يقدم خطةً لعلاجات السرطان

نشرت بتاريخ 15 يوليو 2024

تحقيق التوازن بين المجتمعات البكتيرية في الأمعاء يعزز احتمالية الاستفادة من عقاقير علاجية تُعرف بمثبطات نقاط التنظيم المناعي.

جورجا جوليلمي

مجموعة بكتيرية تضم جنس فييلونيلا Veillonella (ملونة باستخدام الحاسب الآلي) تَبين أن لها علاقة بانخفاض نسبة الاستفادة من علاج مناعي للسرطان.
مجموعة بكتيرية تضم جنس فييلونيلا Veillonella (ملونة باستخدام الحاسب الآلي) تَبين أن لها علاقة بانخفاض نسبة الاستفادة من علاج مناعي للسرطان.
KATERYNA KON/ SPL/ GETTY IMAGES

مع ضآلة حجمها فإن لها عظيم الأثر في فاعلية أنواع بعينها من أدوية السرطان، إنها البكتيريا المعوية. فقد توصل الباحثون مؤخرًا إلى أن نسبة مجتمعات بكتيرية بعينها في الأمعاء من شأنها أن تساعد في التنبؤ بمن عساه أن يستفيد من الجيل التالي من الأدوية المستخدمة لعلاج بعض أنواع السرطان1.

سوف تساعد النتائج أيضًا في تحديد المتطوعين الأصحاء الذين يمكنهم التبرع ببكتيريا البراز لنقلها إلى أمعاء الأشخاص الذين لا يستجيبون لهذه العلاجات، وهو إجراء يُعرف بـ«زراعة ميكروبيوم البراز»، حسبما كتبتْ لورنس زيتفوجيل، اختصاصية المناعة والأورام بمعهد جوستاف روسي للسرطان في فيلجويف بفرنسا، والمشاركة في الدراسة، في رسالة إلكترونية إلى دورية Nature.

ويقول فابيو جراسي، اختصاصي المناعة بمعهد بحوث الطب الحيوي في بيلينزونا بسويسرا، عن هذا العمل البحثي: إنه "بمثابة نقلة كبيرة في الطب التشخيصي". ويتابع جراسي: إن النتائج تسلط الضوء أيضًا على قدرة التوازن الدقيق لأنواع الميكروبات المعوية على التأثير في نجاح العلاجات التي تنطوي على درجة عالية من المخاطر، مثل مثبطات نقاط التنظيم المناعي. يُعِين هذا العلاج الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها؛ لهذا هو محطّ اهتمام البحث الجديد. نُشرت النتائج في العشرين من يونيو الماضي في دورية «سِل» Cell.

رحلة البحث عن بكتيريا مساعدة

طيلة العقد الماضي، دأبتْ زيتفوجيل وآخرون على دراسة كيف يؤدي تفاعل الميكروبات المعوية مع علاجات السرطان إلى تنشيط الجهاز المناعي. تقول جنيفير وارجو، الطبيبة العالمة بمركز سرطان إم دي أندرسون بجامعة تكساس في هوستون: "الكل كان يلهث وراء تلك الجرثومة الواحدة التي [من شأنها أن] تعزز الاستجابة للعلاج المناعي في مختلف أنواع السرطانات، وكم كانت صعبة المنال". في عام 2018، نشرتْ وارجو دراسة2، بالتزامن مع دراستين أخريين مشابهتين من تأليف زيتفوجيل3 وفريق ثالث4، ربطتْ كلها بكتيريا معوية بعينها بنتائج إكلينيكية إيجابية عقب استخدام علاج مناعي في الفئران والبشر المصابين بالسرطان. على أن الإجماع بينها على أي أنواع البكتيريا هو المسؤول عن الاستفادة من العلاج كان محدودًا.

تشير وارجو إلى أن البحث الأخير لزيتفوجيل يساعد في الوقوف على سر وُعورة رحلة البحث عن ميكروب معوي واحد من شأنه أن يعزز الاستفادة من العلاج المناعي للسرطان. فعوضًا عن استهداف أنواع ميكروبية فردية، يُظهر البحث أن التركيبة الإجمالية للمجتمعات الميكروبية في الأمعاء هي التي تؤثر في مدى استفادة الفرد من العلاج، فتسترسل قائلة: "بنية المجتمع الميكروبي هي الحل".

وفي البحث الجديد، عمدتْ زيتفوجيل وزملاؤها إلى تحليل عينات براز مأخوذة من 245 شخصًا مصابًا بسرطان الرئة، ونجحت في تحديد مجموعتين من الأنواع الميكروبية: أُولاهما اشتملت على 37 ميكروبًا، مثل بكتيريا فييلونيلا Veillonella، التي ترتبط بمقاومة مثبطات نقاط التنظيم المناعي؛ وأما المجموعة الثانية فقد ضمتْ 45 نوعًا بكتيريًّا لها دور في الاستجابة للعلاج. وأما مصابو سرطان الرئة الذين يملكون المجموعة الثانية من البكتيريا المرتبطة بالاستجابة للعلاج فقد عاشوا أطول من أولئك الذين يملكون البكتيريا المقاومة له.

بعدئذ، وضع الباحثون تقييمًا محددًا لكل شخص، بناءً على نسبة المجموعة الميكروبية الأولى إلى نسبة المجموعة الثانية لديه. اشتمل التقييم أيضًا على تقدير كمية أكيرمانسيا موسينيفيلا Akkermansia muciniphila، ذلك الميكروب الذي استحوذ على انتباه الباحثين لما له من قدرة محتملة على التأثير في الاستجابات المناعية.

ولدى اختبار التقييم على مئات الأشخاص المصابين بمختلف أنواع السرطانات، بما فيها سرطان الكُلى، نجح التقييم، في أغلب الحالات، في التنبؤ بالأشخاص الذين مالوا إلى الاستفادة من العلاج بمثبطات نقاط التنظيم المناعي. وعن قريب سوف يُحال هذا التقييم إلى اختبار تشخيصي، كما كتبتْ زيتفوجيل.

وسيلة تنبؤ ممكنة

قد تساعد هذه الوسيلة الجديدة التي توصل إليها الباحثون في التعرف على مصابي السرطان الذين قد يحتاجون إلى علاجات مستهدِفة للميكروبيوم، ومن ثم تعزيز استفادتهم من العلاج المناعي، على أنها تقتضي المزيد من المراجعة والتصديق قبل استخدامها في العيادات، كما تقول فرانشيسكا جازانيجا، اختصاصية البيولوجيا بمستشفى ماساتشوستس العام ببوسطن.

كما تشير أيضًا إلى أن الدراسة استهدفتْ مشاركين من كندا وفرنسا. وهكذا، قد لا يتمتع التقييم بالقدرة التنبؤية نفسها بين الشعوب التي تعيش في مناطق مختلفة، ومن ثم، تتبع أنظمة غذائية مختلفة. وتتابع قائلة: "هذه بداية جيدة، وإذا تسنى لنا فهم المزيد عن الآليات الكامنة وراء هذه النتائج، مثل سر أهمية هذه المجموعات البكتيرية، فربما نستطيع الوصول إلى علاجات مستهدِفة أكثر دقةً".

والبحث عن دور الميكروبات في الاستفادة من العلاج المناعي ليس بالأمر الجديد؛ فقد بدأ قبل سنوات بالفعل، ومع ذلك لم توجد بعد فوائد ملموسة تعود على المرضى، بتعبير ماريا ريسشينو، اختصاصية المناعة بجامعة هومانيتاس بميلانو في إيطاليا. بيد أنها تتوقع للوسيلة التي طورتها زيتفوجيل وفريقها أن يُضمّنها الأطباء في ممارساتهم، فتتابع قائلةً: "إذا أخذ الأطباء الإكلينيكيون بهذه الوسيلة، فقد يعود ذلك على المرضى بتغييرات مهمة".

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.216


1.    Derosa, L. et al. Cell https://doi.org/10.1016/j.cell.2024.05.029 (2024).

2.    Gopalakrishnan, V. et al. Science 359, 97–103 (2018).

3.    Routy, B. et al. Science 359, 91–97 (2018).

4.    Matson, V. et al. Science 359, 104–108 (2018).