أخبار

رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات

نشرت بتاريخ 4 ديسمبر 2024

تحدثنا الباحثة تانيا ميتاج في هذا اللقاء الصحفي الذي أجرته معها دورية «نيتشر كيمستري» Nature Chemistry عن مسارها البحثي الذي قادها إلى خوض أبحاث حول ظاهرة الانفصال الطوري، وتشاركنا آراءها حول مستقبل هذا المجال.

ستايسي لين بايفا

استخدمت الصورة الواردة في هذا المقال بإذن من «مستشفى أطفال سانت جود البحثي»St. Jude Children’s Research Hospital.
استخدمت الصورة الواردة في هذا المقال بإذن من «مستشفى أطفال سانت جود البحثي»St. Jude Children’s Research Hospital.

هلا حدثتينا عن رحلتك من الدراسات العليا إلى العمل كباحثة بعد الدكتوراة وصولًا إلى توليك لقيادة فريق بحثي؟ كيف أصبحت مهتمة بدراسة الانفصال الطوري خلال مسارك المهني كباحثة مستقلة؟

عندما أعود بذاكرتي إلى تلك المراحل أدرك أني كنت أسير، دون دراية مني، على درب قادني إلى الأبحاث التي يجريها مختبري في الوقت الحالي. وأعتقد أنني تعلمت دروسًا ومفاهيم مهمة في كل مرحلة من مراحل تدريبي ومسيرتي المهنية، وتلك الدروس هي ما استرشد به اليوم في منهج العمل الذي أتبعه في مختبري.

عندما كنت طالبة دراسات عليا في جامعة جوته في مدينة فرانكفورت الألمانية، استخدمت التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي لاستكشاف سمات آليات ارتباط الربيطات بالبروتينات. وحينئذ لاحظ فريقنا البحثي مراحل وسيطة مثيرة للاهتمام ووقف على خواصها. تركَّز الجزء الأكبر من هذه الأبحاث على ربيطات الببتيد التي ترتبط بنطاقات ارتباط ذات أنماط معينة، مثل نطاقات SH2. كان هذا البحث، بطريقة ما، المدخل الذي قادني إلى دراسة اضطرابات البروتينات، وإن كنت قد تبنيت منظورًا مختلفًا آنذاك إلى المواقع التي تحل بها أنماط التسلسلات النيوكليوتيدية المضطربة. لكن هذه الأبحاث هيأتني للتفكير في التفاعلات الديناميكية المؤقتة!

في تدريبي بمرحلة ما بعد الدكتوراة، أردت الاطلاع على نُهُج بحثية مختلفة في أماكن أخرى من العالم، لذا غادرت ألمانيا وانتقلت إلى مدينة تورونتو في كندا حيث انضممت هناك إلى مختبر جولي فورمان-كاي في «مستشفى الأطفال المرضى» The Hospital for Sick Children، وتعاونت كذلك مع لويس كاي من جامعة تورنتو. وفي الوقت الذي ظل فيه تركيزي منصبًا على التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي بوصفه نهجًا يتيح رؤى متعمقة لعدد من الآليات، شرعت أيضًا في الجمع بين هذا النهج وتبني تقنيات ومقاربات أخرى من مجالي الفيزياء الحيوية والكيمياء الحيوية. على سبيل المثال، درست مركبًا ديناميكيًا مذهلًا يعمل كمفتاح تنشيط وتعطيل مسؤول عن تنظيم تطور مراحل دورة الخلية في الخميرة. وفي هذا المركب، يتسم Sic1 مثبط الكيناز المعتمد على السيكلين، الذي يحول دون انتقال خلية الخميرة من طور النمو الأول G1 إلى طور التركيب، بكونه مضطربًا بطبيعته، ويحتوي على 9 مواقع فسفرة، يكوِّن كل منها نمط تسلسل نيوكليوتيدي للارتباط بالمستقبل Cdc4. وCdc4 هو مستقبِل ركائز خاص باستقبال إنزيم الارتباط ببروتينات اليوبيكويتين، ويتولى جذب المثبط Sic1 إلى أنزيم الربط المذكور ويسهم في عملية ربطه ببروتينات اليوبيكويتين تمهيدًا لتفكيكه لاحقًّا. ويحتوي Cdc4 على موقع رئيس للارتباط بالتسلسلات النيوكليوتيدية الفسفورية، لكن لكي يتحقق ارتباط ثابت بين المستقبل Cdc4 والمثبط Sic1 لا بد أن تحدث نحو ست عمليات فسفرة في Sic1، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقدم في دورة الخلية.

وخلال مساعينا إلى فهم الآليات التي ترتكز عليها هذه العملية، تبين لنا أن كل نمط تسلسل نيوكليوتيدي فسفوري كان قادرًا على التفاعل مع المستقبل Cdc4 كل على حدة، وأن وجود عدة أنماط تسلسل نيوكليوتيدي في المثبط Sic1 أدى إلى تحول بيني ديناميكي بين حالات الارتباط المختلفة. وهكذا اكتشفنا مركبًا ديناميكيًا حقيقيًا، لا تدوم فيه بنى أنماط التسلسلات النيوكليوتيدية طويلًا. وقد أدى التعاون مع العالم النظري هيو سن تشان من جامعة تورنتو إلى صياغة نموذج يمكِّن فيه المركب الديناميكي المستقبل Cdc4 من "عد" مواقع الفسفرة في المثبط Sic1 بناءً على شحنته الصافية. والحاجة إلى وجود ست مواقع مُفسفرة يدل على أن الكيناز المسؤول عن الفسفرة نشط بالفعل، ويوضح أن الخلية صارت حقًا مكرسة بالكامل للانتقال إلى المرحلة التالية من دورتها. وتخلق هذه الآلية ما يشبه مفتاحًا من البروتينات للانتقال من طور إلى آخر، وليس استجابات تدريجية كتلك الناجمة عن التفاعلات الفردية المعتادة بين اثنين من البروتينات.

تعلمت العديد من الدروس من هذا المشروع، وما زلت أستفيد منها في الأبحاث التي أجريها اليوم في مختبري. فتعلمت أن أقدر وجهات النظر التي تقود إلى اتجاه مختلف تمام الاختلاف والتي تتأتى بالتعاون بين التخصصات المختلفة. شارك في هذه المشروع كل من مايك تيرز وفرانك زيشري والباحث الراحل توني باوسن (جميعهم كانوا يعملون وقتها في مستشفى «ماونت سيناي»Mount Sinai Hospital ) إلى جانب هيو سان تشان ولويس وجولي بالطبع، وقد أسهم كل منهم بفكره الثاقب في الجهود البحثية. تعلمت كذلك أهمية النمذجة النظرية للخواص الفيزيائية الحيوية؛ فهي تقدم تفسيرًا يستند إلى قواعد الفيزياء بدلًا من التفسيرات الظاهراتية الذاتية، وفوق ذلك تمكننا من تكوين فكرة حدسية قوية عن هذه الخواص. وهكذا بدأت أفكر في البروتينات المضطربة بطبيعتها وفي تعدد التكافؤ وتأثيراتهما الحيوية والفيزيائية الحيوية المحتملة.

عندما أنشأت مجموعة بحثية مستقلة، أردت أن أعمِّق فهمي لتعدد التكافؤ في حالات اضطراب ركائز إنزيمات الارتباط باليوبيكويتين وكيف قد يشكل هذا التعدد استجابات بعينها، ومن ثم تحولت إلى دراسة مستقبِل إنزيم الارتباط باليوبيكويتين البشري SPOP. ويدرس فريقي البحثي هذا المُستقبِل منذ 13 عامًا، وقد كشفنا عن الكثير من الخواص غير المتوقعة (ولا يزال أمامنا اكتشاف العديد بعد). مثلت ورقة بحثية صدرت في دورية Nature عام 2012 لمايك روزين [P. Li et al. Nature 483, 336-340 (2012)] مصدر إلهام كبير في مختبري البحثي. إذ أدركنا فجأة أن المستقبل SPOP، واسمه الكامل بروتين بوز النُقطي، يرجح أنه ينفصل طوريًا مع ركائز معينة ومن ثم يتموضع في عدد من المتكاثفات المختلفة في النواة. لكننا احتجنا إلى بضع سنوات إضافية لإثبات هذه الظاهرة فعليًّا. 

ماذا دفعك إلى بدء أبحاثك حول الانفصال الطوري بوجه عام؟

كان ما ألهمني لذلك هو تعاوني مع زميلي بول تايلر. كان بول قد اكتشف أن الطفرات في بروتيني hnRNPA1 وhnRNPA2B1 تؤدي إلى أشكال وراثية من الأمراض التنكسية العصبية عبر تحفيز تكوين الليف النشوي وإضعاف الديناميكيات البروتينية في حبيبات الإجهاد. على الرغم من ذلك، بدا واضحًا له أن حبيبات الإجهاد لم تتكون عبر هذه التفاعلات المكونة للألياف، لأن هذه الحبيبات كانت ديناميكية جدًا في بادئ هذه العملية. وقد رأى تايلر ملصقًا من مختبري عن البروتينات المضطربة بطبيعتها معلقًا في أحد ممرات مبنى المختبر، فأتى للتحدث معي، وحينئذ أدركنا على الفور أننا مهتمان بالمجال نفسه. وعلاوة على ذلك، كان التواصل بيننا جيدًا وتمكننا من العثور على أرض مشتركة على الرغم من الاختلاف الكبير في خلفياتنا العلمية. وهكذا بدأنا نتعاون معًا وبرهننا على أن البروتينين hnRNPA1 و TDP-43 يمكن أن يمرا بعملية انفصال طوري وربما يؤدي هذا إلى تحفيز تكوُن الألياف. وقد توصلنا إلى هذا قبل أن نعلم أن المستقبل SPOP يطرأ عليه انفصال طوري مع عدد من الركائز، ومن ثم بدأنا دراسة ظاهرة الانفصال الطوري في مختبري.

عملتِ في هذا المجال البحثي لأكثر من عقد، فماذا كان، في رأيك، أهم الاكتشافات التي توصل إليها فريقك البحثي؟

أعتقد أننا حققنا إنجازًا كبيرًا في أبحاثنا المبكرة، التي تعاوننا فيها مع بول تايلر، لدراسة الكيفية التي يؤدي بها الانفصال الطوري في البروتينات التي ترتبط بالحمض النووي الريبي إلى تحفيز تكون الألياف. ويسعدني أننا تأكدنا من صحة هذه الملاحظة في أحدث أبحاثنا التي تركز على آليات هذه المشكلة، على الرغم من أن التصور الذي توصلنا إليه عام 2015 كان غير مكتمل. فصرنا نعرف الآن أن الانفصال الطوري يحِّفز تكوُن النوى في التكوينات الليفية عند السطح البيني لهذه التكوينات (وقد أثبت مختبرا باولو أروسيو وإيفان سبروجيت هذه الظاهرة أيضًأ) بيد أن الجزء الداخلي من المتكاثفات قادرة حركياته على كبح تكون الألياف. وأفتخر في هذا السياق بمجموعة من الأوراق البحثية [E. W. Martin et al. Science 367, 694–699 (2020); A. Bremer et al. Nat. Chem. 14, 196–207 (2022); M. Farag et al. Nat. Commun. 14, 5527 (2023)] التي نشرناها بالتعاون مع مختبر صديقي وزميلي روهت بابو، وقدمنا فيها شرحًا تفصيليًّا لقواعد التسلسلات التي تتحكم في الانفصال الطوري في النطاقات منخفضة التعقيد الشبيهة بالبريونات (وهي على غرار النطاقات التي نجدها في البروتينات التي ترتبط بالحمض النووي الريبي)، وتمكننا من سد ثغرات معرفية شابت إطار العمل العام المعروف باسم المناطق اللاصقة والمناطق الفاصلة ( وهو إطار عمل وضعه روهت بابو) . وقد شعرت برضا بالغ عندما وجدت أن قواعد الانفصال الطوري في المنظومات متعددة التكافؤ من التسلسلات النيوكليوتيدية/النطاقات تنطبق كذلك على النطاقات منخفضة التعقيد الشبيهة بالبريونات، أي أن التكافؤ وقوة التفاعل الخاصة بما نطلق عليه «المناطق اللاصقة» ربما يفسران سلوكيات الانفصال الطوري، وأن ما نطلق عليه «المناطق الفاصلة» تضطلع بدور مهم في تنظيم القابلية للذوبان وتحوُل الكثافة. أسهمت هذه الأبحاث إسهامًا لا يقدر بثمن في تشكيل فهمنا لمنظومات انفصال الطوري الأخرى.

ماذا عن الاكتشافات المهمة التي ترين أنها تحققت في هذا المجال حتى الآن؟

تتعدد الاكتشافات المهمة في هذا المجال. على سبيل المثال، اكتشاف أن حبيبات P تتصرف مثل طور سائل منفصل كان اكتشافًا مدهشًا، دشن به كليف برانجواين وتوني هايمان وزملاؤهما هذا المجال [C. P. Brangwynne et al. Science 324, 1729–1732 (2009)]. تجدر الإشارة أيضًا إلى دراسة مايك روزين الرائدة [P. Li et al. Nature 483, 336–340 (2012)] التي كشفت الأساس الجزيئي للانفصال الطوري في الجزيئات الحيوية وقدمت رؤية ثاقبة عندما وصفته بأنه انفصال طوري مقترن بترشيح ناتج عن تفاعلات متعددة التكافؤ. بعد ذلك أدرك الباحثون تدريجيًّا أن ظاهرة الانفصال الطوري تضطلع بأدوار في العديد من العمليات الحيوية، واكتشفوا الآليات المحددة التي توضح كيفية حدوث هذا الانفصال في منظومات بعينها. أرى كذلك أن النموذج الشبكي للانفصال الطوري، الذي قام على أفكار طرحها الباحث روهيت بابو [T. S. Harmon et al. eLife 6, e30294 (2017)] والذي استخدمه بول تايلور في توصيف الانفصال الطوري في حبيبات الإجهاد [P. Yang et al. Cell 181, 325–345 (2020)] واحدًا من الاكتشافات المهمة. يقدم هذا النموذج إطار عمل يرى أن شبكه التفاعل بأسرها تسهم (سلبًا أو إيجابًا) في الشبكة الراشحة. علاوة على ذلك، أدرك الباحثون مؤخرًا أن الأسطح البينية، التي تختلف قطعًا عن المتكثفات الضخمة، تضطلع بدور في وظائف معينة، بل قد تحدد درجة الحموضة وتدرجات الأيونات، أي أنها تؤدي عملًا؛ وأرى أن هذا الإدراك سيكون له انعكاسات مهمة على فهمنا لعملية التفاعل بين المتكثفات.  

في المقابل، ما الفجوات المعرفية الكبرى التي تلاحظينها في هذا المجال البحثي حاليًّا؟

نعلم أن الانفصال الطوري يحدث في الكثير من العمليات الحيوية الأساسية، وأنه يضطلع بأدوار مهمة. لكننا لا نعلم الآلية المحددة التي يستخدمها الانفصال الطوري في تنظيم الوظائف إلا في عدد قليل نسبيًّا من هذه العمليات. ومن الأهمية بمكان فهم هذه الآلية فهمًا تفصيليًّا لأن هذا الجانب تحديدًا هو ما يجعل الانفصال الطوري "موضوعًا ساخنًا"؛ إذ إن الانفصال الطوري كآلية يبشر بإرساء قواعد فيزيائية حيوية قوية تفسر العمليات الحيوية التي يسهم بها. ويمكن أن يسهم الانفصال الطوري في وظائف بعينها عبر مجموعة متنوعة من الآليات المختلفة، من بينها تكثيف المكونات لتحفيز التفاعلات، واحتجاز الجزيئات لمنع التفاعلات، وتوليد التفاعلات طويلة الأمد عبر الترشيح بما يساعد على التغلب على الخطوات المقيدة للسرعة، وتوليد النشاط الكيميائي الحيوي في الأسطح البينية للمتكثفات.

يوجد العديد من الآليات الأخرى على الأرجح، التي ستتطلب تقديرًا كميًّا لسلوك الانفصال الطوري في المختبر وفي الخلايا، وقياسًا دقيقًا للخصائص المادية وخصائص عمليات الانتقال، واختبارًا لصحة الفرضيات البديلة. وأتطلع على وجه التحديد إلى معرفة كيف سنفهم العدد الكبير من الخصائص الناشئة للمتكثفات (أي الخصائص التي لا تتمتع بها المركبات الأصغر القابلة للذوبان في المجموعة نفسها من الجزيئات الحيوية) وكيف تسهم هذه الخصائص في وظائف المتكثفات.

ما أهم التقنيات التجريبية الواعدة في دراسة الانفصال الطوري على المستوى الجزيئي؟ وما أوجه القصور بها؟

أعتقد أن كل تقنية بمعزل عن غيرها لن تعطينا تصورات مكتملة على الأرجح، بل نحتاج إلى دمج مناهج مختلفة بطرق مبتكرة. هذا المجال متعدد التخصصات حقًّا! وقد نشرت عدة دوريات كبرى توصيات حول كيفية الوقوف على خصائص منظومات الفصل الطوري. ومن ثم، لا يوجد نهج واحد يصلح لجميع الأغراض البحثية.

ما هي مناطق تلاقي تفاعلات الانفصال الطوري بين السوائل مع العمليات الخلوية الأخرى، على غرار عمليات تكوين العضيات عديمة الأغشية وعمليات تجمع حبيبات الإجهاد؟

إذا حذفنا عبارة "بين السوائل" وتحدثنا فحسب عن الانفصال الطوري، فسنجد أنه الآلية التي تتحكم في تكون عدة أنواع من العضيات عديمة الأغشية، ومن ضمنها حبيبات الإجهاد. وتوجد أدلة ممتازة على أن حبيبات الإجهاد تتكون عبر الانفصال الطوري لكل من البروتين G3BP والحمض النووي الريبي بوصفهما جزيئات محورية أساسية لهذه العملية وعلى أن بروتينات أخرى تسهم في هذه الشبكة. ويأخذ الانفصال الطوري أشكالًا عدة، ويمكن استخدامه لتفسير أنواع مختلفة من التجمعات.

ما الحدود الحالية لأبحاث الانفصال الطوري واتجاهاتها المستقبلية، وما الإنجازات التي تتوقعينها في السنوات القادمة؟

حتى الآن، استفاد المجال من الأطر النظرية الخاصة بفيزياء البوليمرات كي يصف ظاهرة الانفصال الطوري الحيوي الجزيئي. لكن بات واضحًا أن الجزيئات الحيوية قادرة على تشفير سلوكيات عمليات انفصال طوري أعقد مما لدى البوليمرات الاصطناعية، لأن في وسع البروتينات ترميز تسلسلات خطية معينة، ونطاقات مطوية تختص بتفاعلات محددة، وطوبولوجيات معقدة، إلخ …، ما يعني أن الدور قد جاء على البيولوجيا كي تصير مصدر إلهام لفهم الفيزياء الجديدة! تكمن التحديات الجديدة على الجانب البيولوجي في فهم الأنواع المختلفة من الانفصال الطوري، وكيف يجري تشفيرها داخل الجزيئيات الحيوية، وما أنواع الخصائص التي تولدها، وكيف تنشئ هذه الخصائص وظائف معينة. أشعر بحماس بالغ لرؤية التطورات في هذا المجال خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة!

 بناءً على الاتجاهات المستقبلية لدراسات الانفصال الطوري، هل لديك أي نصائح للباحثين في مقتبل حياتهم المهنية ممن اختاروا التخصص في هذا المجال؟

أنصحهم بأن يختاروا هذا المجال لسبب وجيه، لا لأنه يبدو مجالًا "ذا شعبية"، وأن يفكروا مليًّا في الأسئلة التي يرغبون في الإجابة عنها، وفي الأسباب التي تجعل هذه الأسئلة مهمة، وفي الإسهامات المحددة التي يمكنهم تقديمها للإجابة عن هذه الأسئلة. ثم ينبغي لهم محاولة تقديم إجابات بأفضل ما في وسعهم دون اتباع نهج أبحاث الآخرين بحذافيرها. بالطبع هذه النصائح نفسها سوف أعطيها لأي عالم في أي مجال. وأخيرًا، أنصحهم بقراءة الدراسات السابقة في المجال (وتلك نصيحة لا أضيفها فقط لأني أجري هذا الحوار مع دورية علمية).

ما الاجتماعات التي تُعقد دوريًّا في هذا المجال البحثي وتُعد مفيدة للباحثين المبتدئين في المجال؟

أرشح لهم اجتماعين مفيدين للغاية، وهما ندوة «مختبر علم الأحياء الجزيئي الأوروبي» (EMBL) التابع لمنظمة علم الأحياء الجزيئي الأوروبية ((EMBO حول "الآليات الخلوية المدفوعة بالانفصال الطوري"، واجتماعات مؤسسة «كيستون» Keystone حول الانفصال الطوري، والتي عُقدت بأشكال متنوعة وتحت أسماء مختلفة. فهذه الاجتماعات متعددة التخصصات حقًّا. توجد كذلك اجتماعات تُعقد في مجالات محددة وتتضمن محاضرات وجلسات حول الانفصال الطوري، من بينها اجتماعات الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الخلوي (https://www.ascb.org)، والجمعية الأمريكية للكيمياء، (https://www.acs.org) والجمعية الأمريكية للفيزياء (https://www.aps.org)، وجمعية الفيزياء الحيوية (https://www.biophysics.org).

أجرى الحوار: ستايسي لين بايفا

نشر هذا المقال في دورية Nature Chemistry بتاريخ 8 يوليو عام 2024

شكر وعرفان

استخدمت الصورة الواردة في هذا المقال بإذن من «مستشفى أطفال سانت جود البحثي»St. Jude Children’s Research Hospital.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.329


S